المحامي زكي كمال يكتب: بايدن يبدأ موسم الحجيج إلى الشرق الأوسط
ثمانية وأربعون عامًا تقريبًا تفصل بين أول زيارة لرئيس أمريكيّ للمملكة العربيّة السعوديّة، وهي زيارة ريتشارد نيكسون في الرابع عشر والخامس عشر من يونيو حزيران 1974،
المحامي زكي كمال
أي قبل نحو شهرين من نهاية عهده السياسيّ بإعلانه الاستقالة من منصبه على خلفيّة فضيحة " ووترغيت " في الثامن من آب 1974، وبين الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكيّ الحاليّ، الديمقراطي جو بايدن، قبل ثلاثة أشهر أو أكثر بقليل من انتخابات منتصف الولاية التي يواجهها بايدن وهو في حضيض شعبيّته، خاصّة على ضوء عدم تحسن الأوضاع الاقتصاديّة من جهة والحرب في أوكرانيا التي ارتبط إسم بايدن فيها خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا خلال الانتخابات الرئيسيّة الأخيرة، وبشكل سلبّي يتعلّق بنجله هانتر والتحقيقات الضريبيّة، وقضية محاولة تنحية المدّعي العام الأوكراني، لأنه لا يحارب الفساد كما يجب كما قال مؤيّدو بايدن، أو لمنع كشف فساد نجله، كما ادعى دونالد ترامب ومؤيّدوه، ويبدو أن ما كان هو ما سيكون، وأن زيارات الرؤساء الأمريكيّين على اختلاف انتماءاتهم الحزبيّة، للشرق الأوسط عامّة ودول الخليج خاصّة، تتمّ دائمًا وسط أوقات عصيبة أمريكيًا سواء كان ذلك على صعيد الاقتصاد ( 480 مليارد دولار صفقات أسلحة خلال عهد ترامب وفّرت للاقتصاد الأمريكيّ عشرات ملايين الوظائف الجديدة)، أو السياسة أو الصراع بين القطبين، أمريكا وروسيا سابقًا، وأمريكا والصين وروسيا اليوم، أو خلال أزمات إقليميّة في الشرق، كما كان خلال زيارة نيكسون التي جاءت بينما تبعات حرب أكتوبر 1973، ما زالت ماثلة وأهمّها أن القوة العسكريّة ليست ضمانة لأمن إسرائيل.
واليوم إزاء الحديث عن اتفاق نووي جديد مع طهران، وقرار أمريكا إبقاء الحرس الثوريّ الإيرانيّ ضمن قائمة المنظّمات المسلحة المصنفة على أنها " منظّمات إرهابيّة "، وذلك بضغط إسرائيليّ – عربيّ - خليجيّ، ووسط أحاديث عن تقارب إسرائيليّ سعوديّ قد ينتهي إلى خروج العلاقات الثنائيّة بين الدولتين من الظلمات إلى النور أو " من مكانة العشيقة إلى مكانة الزواج الشرعيّ"، كما جاء في كتاب المؤرخ إيلي بوديه بعنوان:" من العشيقة إلى المعروفة جماهيريًّا"، كما حدث مع الإمارات العربيّة المتحدة والبحرين والسودان والمغرب وغيرها .
" ساحة حرب خفية "
رغم الحقيقة الساطعة أن أمريكا تعتبر الشرق الأوسط منذ الأزل ليس أكثر من ساحة لممارسة نفوذها وساحة حرب خفية مع الاتحاد السوفييتي الراحل وروسيا اليوم، وتعتبر تواجدها وعلاقاتها ودعمها الماليّ لهذه الدول وسيلة لتمرير سياساتها وضمان سلامة وأمن وتفوّق حليفتها الأولى والأكبر إسرائيل، إلا أن زيارة بايدن القريبة، وبفعل توقيتها والظروف المحيطة بها، وخاصّة الحرب الأوكرانيّة والعقوبات المفروضة على روسيا، والحرب الاقتصاديّة مع الصين والنوويّ الإيرانيّ مع استمرار " الحوادث الغريبة " التي تشهدها المنشآت النوويّة الإيرانيّة وخاصّة " بارتشين " ومصرع خبراء كبار في الحرس الثوريّ والبرنامج النوويّ، وحالة الغزَل المتجدّدة في العلاقات السعوديّة التركّية، تعكس في نظري تغييرات تكتيكية قصيرة المدى قد تصبح استراتيجيّة بعيدة المدى، وانعطافات إقليميّة حادّة تتخذها إدارة جو بايدن عنوانها الأكبر تصحيح العلاقة مع الخليج والعودة إلى التوجهات التقليديّة للسياسة الأمريكيّة في المنطقة، بشكل يضمن أولًا وقبل كلّ شيء المصالح الأمريكيّة الضيّقة والواسعة، في المنطقة والعالم، حتى لو كان ذلك على حساب " تطويع " بعض المواقف والتغاضي عن بعض المواقف السابقة، فالغاية تبرّر الوسيلة.
والغاية الأولى هي ضمان تراجع روسيا وزيادة تأثير العقوبات الاقتصاديّة عليها، خاصّة بعد أن اعلن الاتحاد الأوربي هذا الأسبوع الوقف الكامل لاستيراد النفط الروسيّ على خلفيّة الحرب الأوكرانيّة، والغاية الثانية هي تعزيز موقع الولايات المتحدة في منافسة الصين اقتصاديًّا ( تأثير الصين في آسيا كما اتضح خلال زيارة بايدن إلى اليابان )، وعسكريًّا ( محاولة ردع الصين عن اجتياح تايوان مثلًا )، ونفوذًا وهذا يخدم الصورة الداخليّة لبايدن عشية انتخابات المنتصف.
وقد يزيد من شعبيته ويمنع وضعًا يخسر فيه قوته بسبب هذه الانتخابات ما يجعله " بطة عرجاء " ورئيسًا عاجزًا عن تنفيذ خططه وسياساته، والغاية الثالثة هي إيران والاتفاق النوويّ، وتخفيف مخاوف إسرائيل ودول الخليج من اتفاق جديد خاصّة بعد قرار إدارة بايدن المتعلّق بالحرس الثوريّ، وإمكانيّة استخدام الورقة النوويّة لخلق تقارب إسرائيلي - سعوديّ علنيّ بعد سنوات من العلاقات السريّة الأمنيّة والسياسيّة والتجاريّة وزيارة علنيّة واحدة لبنيامين نتنياهو إلى السعوديّة ولقائه ولي العهد هناك، محمد بن سلمان بحضور مايك بومبيو وزير خارجية ترامب، كانت ثمارها سلبيّة بسبب إسراع نتنياهو إلى الكشف عنها لأهداف سياسيّة وحزبيّة داخليّة، ومحاولة ضمّ السعوديّة إلى اتفاقيات أبراهام، التي أيّدتها صمتًا وعلنًا، على الملأ ومن خلف الكواليس وسهّلتها بالسماح للطائرات الإسرائيليّة بالتحليق في أجوائها من وإلى شرق آسيا والهند والإمارات بكلّ ما يعنيه ذلك من توفير وتأثير تجاريّ، وهي غايات ثلاث تبرّر الوسيلة بل الوسائل، حتى لو كانت هذه مجموعة من التنازلات والمقايضات في سياسات أمريكيّة تمتدّ من طهران إلى جزيرة تيران المصريّة التي تعمل أمريكا على تسريع وإتمام نقلها من السيادة المصريّة إلى السيادة السعوديّة، مع ترتيبات مع إسرائيل نظرًا للأهمية الأمنيّة والتجاريّة للجزر ما يمكن أن يكون خطوة أولى على طريق إنهاء حالة العداء بين السعوديّة وإسرائيل، وتراجع واشنطن عن فكرة إخراج الحرس الثوري الإيرانيّ من لائحة الإرهاب - ما يريح العواصم الخليجيّة وخصوصًا الرياض والمنامة وأبو ظبي، رغم أنه يقلّل من فرص العودة إلى الاتفاق النوويّ، ويضع واشنطن والمنطقة أمام أسئلة هامة تتعلّق ببرنامج إيران النوويّ إضافة إلى الهدنة في اليمن ( أمريكا بايدن حملت السعوديّة مسؤوليّة ما يحدث في اليمن بعد انسحاب القوات الإماراتيّة وطالبتها بوقف الحرب غير المبررة ) التي سيتم على الأرجح تجديدها لثلاثة أشهر، إنما تعكس بداية التقارب السعوديّ – الأمريكيّ - الإماراتيّ وإمكانيّة العمل المشترك.
" ضمانات دفاعيّة وأمنيّة "
الحراك السياسيّ والدبلوماسيّ الأمريكيّ الحاليّ يعكس قرارًا أمريكيًّا يتعلّق بالتوجّهات السياسيّة الإقليميّة وتحسين العلاقة مع السعوديّة مقابل تجميد المفاوضات مع إيران، وضمان علاقات مع الرياض تفيد بايدن داخليًّا واستراتيجيًّا واقتصاديًّا، وبالتالي يمكنها بقدرة قادر أن تحوّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من شخصية غير مرغوب فيها، بل شخصية مسؤولة في نظر الديمقراطيّين وبايدن، عن مقتل الصحفيّ السعوديّ جمال خاشقجي، رفض بايدن الحديث إليها واكتفى بالحديث إلى والده الملك سلمان بن عبد العزيز الملك الرسميّ، إلى شخصية يَخْطُبُ بايدن ودّها مؤكّدًا بذلك أن بن سلمان هو الحاكم الفعليّ والآمر الناهي في السعوديّة، ويريد أن يلتقيها حتى وإن احتاج ذلك إلى تحضيرات طويلة وكثيرة وكبيرة تشمل زيارة نائب وزير الدفاع السعوديّ الأمير خالد بن سلمان إلى واشنطن والاجتماع مع مستشار الأمن القوميّ جيك سوليفان، ووزيري الدفاع والخارجيّة لويد أوستن وأنتوني بلينكن، وزيارة مسؤولي البيت الأبيض والخارجيّة الأمريكيّة بريت ماكغورك وآموس هوشستين إلى الرياض هذا الأسبوع لدراسة طلب واشنطن من الرياض بشأن زيادة إنتاج النفط السعوديّ، باعتبار السعوديّة الزعيمة الوحيدة لمنظمّة أوبك بلوس، التي تشمل روسيا، والتي حاولت واشنطن إقناعها بأنّ عليها زيادة إنتاجها اليوميّ من النفط لسدّ النقص الذي خلّفته عقوبات واشنطن ومنع استيراد النفط الروسيّ، فواشنطن تريد من السعوديّة زيادة إنتاج النفط قبل الانتخابات النصفيّة الأمريكيّة في تشرين الثاني القريب، والابتعاد أمنيًّا واقتصاديًّا عن المحور الروسيّ - الصينيّ.
بالمقابل تريد الرياض من واشنطن ضمانات دفاعيّة وأمنيّة، كما تريد التعاطي المباشر مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واستمرار الضغط على إيران، وذلك على عدّة أَصعدة تملك السعوديّة مفاتيح نجاحها نظرًا لحاجة بايدن الماسّة لخفض سعر النفط، ولعدم استعجال الرياض في ملفّات أخرى ترتبط بإسرائيل، علمًا أنّ مدينة جدة السعوديّة، قد تستضيف خلال الزيارة قمّة، يشارك فيها إلى جانب الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد السعوديّ والرئيس الأمريكيّ، قادة مجلس التعاون الخليجيّ، والعراق والأردن ومصر، مشيرًا إلى اتصالات تجري حاليًّا بين العواصم المعنيّة بهذا الشأن، بينما يذهب البعض إلى سيناريوهات عديدة منها احتمال مشاركة شخصيّة إسرائيليّة رفيعة المستوى قد تكون رئيس الوزراء نفتالي بينيت، في هذه القمّة رغم قرار البرلمان العراقيّ الرافض للتطبيع مع إسرائيل.
مشاركة إسرائيل في هذه القمّة أو عدمها، تؤكد ما يشير إليه مراقبون من إن تحرّكات وتطورات ما، ولو كانت بطيئة وقليلة، تشهدها ساحة العلاقات السعوديّة الإسرائيليّة، تعيد إلى الحياة الاتصالات التي كانت بين الطرفين في سبعينيات القرن الماضي وعلاقات كانت أمنيّة في غالبها وتخلّلها توفير إسرائيل معلومات أمنية واستخباريّة للسعوديّة شملت معلومات حول تخطيط لاغتيال الملك السعوديّ، ولقاءات لكبير العاملين في الموساد ديفيد كمحي مع الملياردير عدنان خاشقجي المقرّب من العائلة المالكة السعوديّة في باريس سبعينيّات القرن الماضي، وتسليمه معلومات حول نوايا نشطاء شيوعيّين وقوميّين عربًا زعزعة الأمن في السعوديّة، واتصالات بعد حرب الأيام الستة شملت وساطة أمريكيّة نجحت في إقناع إسرائيل التي احتلّت هضبة الجولان بضمان استمرار تدفّق النفط في الخط الذي نقل النفط السعوديّ إلى لبنان عبر الأردن والأراضي السوريّة، ولقاءات البارون أدموند روتشيلد مع عدنان خاشقجي بعد حرب الأيام الستة لإقناع الملك فيصل بعقد لقاء يكون فيه الوسيط بين العرب واليهود انتهى إلى الفشل بعد رفض رئيسة الوزراء الإسرائيليّة في حينه غولدا مئير تفويض روتشيلد خطيًّا، أمّا آخر هذه الاتصالات فكانت محاولة الملك فيصل عام 1969 إقناع إسرائيل بالتفاوض لإنهاء النزاع العربيّ الإسرائيليّ والتوصّل إلى تسوية سياسية.
اللقاءات السريّة لم تكن حصرًا على علاقات السعوديّة وإسرائيل كما قال الكاتب إيلي بوديه، فقبل مئة عام من قمّة النقب عام 2022، شهدت القاهرة قمّة عربيّة يهوديّة أمكنها لو كتب لها النجاح أن تحقن الدماء، وأن تنقذ أرواح عشرات آلاف القتلى العرب واليهود الجنود والمدنيين، فقد التقى عام 1922 ممثّلون عرب من مصر وسوريا ولبنان ويهود من الدائرة السياسيّة للمنظمة الصهيونيّة، وبغياب الفلسطينيّين، وأجروا جولتين من المفاوضات توصّلوا بعدها إلى وثيقة تتحدّث عن إيجاد أرضيّة مشتركة للاتفاق لمصلحة الشعبين يعالج قضية هجرة اليهود إلى فلسطين ووعد بلفور وتتحدّث عن اتفاق يضمن المساواة التامّة بين العرب واليهود، إذ تعهّد المشاركون بضمان السريّة حول تفاصيل المفاوضات، وهو ما تمّ دون أن يتمخّض هذا الاتفاق عن سلام، إضافة إلى لقاءات عام 1965 بين موظّف كبير في الموساد وضابط مصريّ رفيع المستوى، أمكنها لو تكلّلت بالنجاح منع حرب الأيام الستة، علمًا أنّ الجنرال المصري محمود خليل انضم إلى هذه المفاوضات عام 1966 دون أن يتكلّل ذلك بالنجاح.
وكذلك الأمر حتى مع إيران ( الدولة الإسلاميّة الثانية من حيث الاعتراف بإسرائيل بعد تركيا في مطلع الخمسينيّات من القرن الماضي )، التي أقامت إسرائيل معها علاقات سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة قبيل الثورة الإسلاميّة، تواصلت بعد بداية عهد الخميني عبر علاقات مدحها وزير الأمن الإسرائيليّ في نهاية سبعينيّات القرن الماضي عيزر وايزمان، الذي اعتبرها ذخرًا استراتيجيًّا، وعوّل عليها أن تضمن دعم القوى المعتدلة التي سوف تسيطر على إيران بعد الخميني ناهيك عن التعاون العسكريّ الذي تم اكتشافه في أعقاب الكشف عن فضيحة " إيرانغيت " عام 1984 والتي تعهّدت أمريكا خلالها بتسليم إيران أسلحة عبر صفقة " دائريّة " تدخل فيها إسرائيل ورجل الأعمال الإسرائيليّ المعروف يعقوب نمرودي، علمًا أن المنطق الذي قاد إسرائيل هنا هو نفس المنطق الذي قادها بدعم إيران سرًّا خلال حربها مع العراق باعتبار صدام حسين الرئيس العراقيّ العدو الأَخطر ( رغم القول الشهير لإسحق شمير رئيس وزراء إسرائيل حينها بأنه يتمنى النجاح الباهر لطرفي الحرب أيّ إيران والعراق ) ما يعني أن إسرائيل أقامت علاقات دائمة وسريّة مع الدول العربيّة، ربما دون استثناء ما لم يمنعها ولا يمنعها اليوم من " تقمّص " هويّة الدولة التي تعيش بمفردها وسط بحر هادر من العداء والكراهيّة وعدم القبول، وذلك لأسباب سياسيّة داخليّة تتلخّص في المنفعة الحزبيّة من جهة، وضمان الوحدة الداخليّة من جهة ثانية وطمس الفوارق والعداوات الطائفيّة والمجتمعيّة التي نشهدها اليوم بين الشرقيّين والغربيّين والمتديّنين والعلمانيّين وغيرها.
" أكثر الأولويات أهميّة "
التوجه الأمريكيّ إزاء السعوديّة يعزّزه موقف الخارجيّة الأمريكيّة الواضح، والذي كشفته تقارير صدرت قبل الحرب الأوكرانيّة ( ربّما تعززها تقييمات أمريكيّة حاليًة تؤكّد أن واشنطن واثقة من أنّ روسيا لن تكون الرابح في هذه الحرب، بل ربما ستكون الخاسر الأكبر فيها )، من أنّ واشنطن بايدن اعتبرت مواجهة الصين وروسيا وطموحاتهما والملفّات الاقتصاديّة أكثر الأولويات أهميّة، وأن الخلافات بين الرئيس الأمريكيّ وبعض الدول العربيّة، لا سيما دول الخليج إضافة إلى تركيا، كان لها دور مهمّ في ابتعاد السياسة الأمريكيّة عن المنطقة، وبالتالي فإن زيارة بايدن إلى المنطقة عامّة والعربيّة السعوديّة خاصّة، وكذلك إسرائيل - إلا إذا حالت حالة عدم الاستقرار السياسيّ والائتلافيّ فيها دون خروج الزيارة إلى حيّز التنفيذ في الثلث الأخير من تموز - هي محاولة لجني ثمار سريعة تتعلّق أولها بتعزيز أو تسريع إضعاف روسيا وتأثيرها السياسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ، ومحاولة إضعاف عُرى الصداقة والتحالف النفطيّ الروسيّ السعوديّ، وثانيها بسدّ حاجة أوروبا من النفط دون الحاجة إلى " تخفيف العقوبات على ايران ".
وبكلمات أخرى دون أن تضطر واشنطن وأوروبا إلى قبول اتفاق نوويّ مع طهران بضغط أو توقّف النفط الروسيّ وسدّ حاجة السوق الأمريكيّ من النفط دون الاستعانة مرّة أخرى بالمخزون الاحتياطيّ الأمريكيّ، وثالثها العمل على تليين المواقف لتسهيل انضمام السعوديّة إلى اتفاقيّات أبراهام، وهو إنجاز سيكون تاريخيًّا قد يفيد بايدن من جهة، وينقذ حكومة التغيير في إسرائيل من جهة أخرى، ورابعها محاولة إنقاذ شعبيّته التي في الحضيض، وخامسها محاولة إبعاد السعوديّة عن الصين اقتصاديًّا وعسكريًّا، ما يؤكّد موقف أمريكا المتخوّف، بل الرافض لتحوّل الصين من قوة اقتصاديّة، نظرت واشنطن إليها شزرًا، وفرضت عليها إدارة ترامب الضرائب والجمارك بمئات مليارات الدولارات، إلى قوة سياسيّة وعسكريّة خاصّة في الشرق الأوسط وآسيا، وهو ما كشفت عنه كواليس زيارة بايدن إلى اليابان التي تم خلالها بحث خطط اليابان لتوسيع قدراتها العسكريّة مقابل قوة الصين المتنامية، وأكّد الطرفان خلالها موقفهما الموحَّد في مواجهة الحرب الروسيّة بأوكرانيا، والاتفاق على أن التغييرات أحاديّة الجانب للوضع الراهن بالقوة غير مقبولة في إشارة واضحة لا تقبل التأويل، بل بنوع من التهديد للصين من مغبّة مهاجمة تايوان، إضافة إلى إطلاق إطار مشترك أمريكيّ يابانيّ، للعمل الاقتصاديّ لمنطقة المحيطين الهنديّ والهادئ، وهي خطة واسعة توفّر ركيزة اقتصاديّة لتعامل الولايات المتحدة مع آسيا، ناهيك عن التزام واشنطن الذي أكّده بايدن خلال زيارته بالدفاع عن أمن اليابان، وهي الدولة التي تمنعها اتفاقيات استسلامها بعد الحرب العالمية الثانية من امتلاك قدرات عسكريّة هجوميّة إطلاقًا إضافة إلى قدرات دفاعية ضعيفة.
" قطب عالميّ ثالث "
أمريكا بايدن تريد ضمان عدم تحوّل الصين إلى الرابح الأكبر سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا جرّاء الحرب الأوكرانيّة، وهو استمرار لما تم الكشف عنه من أن واشنطن تخشى أكثر من أيّ أمر آخر قوة الصين في مختلف المجالات، وتشعر بالقلق من إمكانية تحوّلها إلى قطب بديل لروسيا في أحسن الأحوال، أو قطب عالميّ ثالث في أسوأ الحوال، يشكّل قوة عظمى جديدة تدمج بين التأثير السياسيّ والقوة العسكريّة والقدرات التكنولوجيّة والسيطرة الاقتصاديّة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وغيرها، وليس أدلّ على القلق الأمريكي تجاه الصين أكثر من تلك الوثيقة التي أصدرتها إدارة بايدن بعد شهر ونصف الشهر من دخوله البيت الأبيض، والتي حملت عنوان " التوجيه الاستراتيجيّ المؤقّت لاستراتيجيّة الأمن القوميّ "، بلغ عدد صفحاتها 20 صفحة ذُكرت فيها الصين 15 مرّة، وهو ما يدلّل على مدى المخاوف التي تعتري واشنطن تجاه بكين، علمًا أنّ الوثيقة تتضمّن توجيهات الإدارة الجديدة لوكالات الأمن القوميّ والمطالبة بضرورة تأهّب الولايات المتحدة لمخاطر الصين بقولها: " يجب علينا أن نتأهّب لحقيقة أنّ توزيع القوة والنفوذ في جميع أنحاء العالم يتغيّر، ممّا يخلق تهديدات جديدة"، كما ذكرت الوثيقة أنّ الصين، خاصّة، أصبحت وبسرعة أكثر حزمًا وتصميمًا، وأنها المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصاديّة والدبلوماسيّة والعسكريّة والتكنولوجيّة، وتحدي النظام الدوليّ القائم.
وختامًا: قبل 48 عامًا أطلق الشيخ إمام أغنيته الشهيرة " شَرَّفت يا نيكسون بابا " حول زيارة نيكسون إلى مصر بتاريخ 12.6.1974 وبعدها فورًا إلى السعودية، ورغم تحفّظي الشديد من بعض كلماتها وأوصافها السلبيّة والمستهترة حول الرؤساء العرب، إلا أنها تعكس تمامًا حقيقة زيارات رؤساء الولايات المتحدة إلى الشرق الوسط، وملخصها أنها " حجيج مصلَحي "، أو زيارات تحدّد موعدها وأهدافها ولقاءاتها مصالح أمريكا السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة ومصالح حلفائها، وهم ليس الدول العربيّة لمن تساوره، أو ساورته الشكوك للحظة، وهي زيارات يستْقْبَل الرؤساء فيها بحفاوة غير محدودة، وتُغدَق عليهم الهدايا والعطايا، ثم يُغادرون إلى بلادهم بعد أن تتحقق كافّة أهدافهم ومصالحهم في كافّة النواحي سابقة الذكر، دون النظر إلى مصالح الشعوب في الدول التي زاروها، بل أحيانًا دون اهتمام حتى بمصالح زعماء هذه الدول ...فهذا هو النظام العالميّ الذي تريده أمريكا.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il.
من هنا وهناك
-
وجهة نظر حول مقال د. غزال أبو ريا ‘العطاء قيمة جوهرية في المجتمع‘ - بقلم: صالح أسدي
-
سقوط ‘غوار الطوشة‘..! - بقلم : المحامي شادي الصح
-
وقفات على المفارق : سقوط الأسد كان في أيّار عام الـ 21! - بقلم : المحامي سعيد نفاع
-
مقال: وسائل التدريس المختلفة وعلاقتها بالانضباط الصفي - بقلم : خيرالله حسن خاسكية
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - أنطوان كندورة
-
المحامي زكي كمال يكتب : الدول العربيّة بين الحاكم المستبدّ والمواطن الذي لا يفهم الحريّة -انهيار النظام السوريّ
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : نتنياهو يخوض معركته الاخيرة في أروقة المحاكم الاسرائيلية
-
اذا أردت جمع العسل - فلا تركل خلية النحل
-
‘العطاء قيمة جوهرية في المجتمع‘ - بقلم : د . غزال أبو ريا
-
‘ عيد الوطن وأهله كلهم ‘ - بقلم : عبد حامد
أرسل خبرا