يوسف أبو جعفر يكتب : أهبل المدينة
يبدو أن كولت مخترع المسدس الدوار وصاحب المقولة الشهيرة اليوم يتساوى الشجعان والجبناء لم يكن مخطئًا في مقولته ويمكننا القياس عليها في كل مضامين التكنولوجيا الحديثة، وربما يفوق الجبان الشجاع في هذا العصر
يوسف أبو جعفر - صورة شخصية
نظرًا لأخلاقيات المهن التي تحرم في كثيرًا من الأحيان التفاعل أو العبثية، فالجندي لا يحق له استعمال مسدسه وذخيرته لإطلاق النار مجرد لأنه يشعر بالملل، أما صاحب المسدس الجالس في ارضه يمكنه ذلك دون تردد يفعل ما يريد ( نتكلم عن الأمريكي)، هكذا نتج واقع جديد فيه أخلاقيات تمنع حتى المؤسسة الرسمية عن الحديث دون قيود، ولذلك على كولت إعادة صياغة مقولته لتتناسب مع عصرنا، عصر التكنولوجيا وعصر البلادة والتفاهة، العصر الحجري والجاهلي كل هذه العصور مجتمعة في زمن واحد وفي مدينة واحدة وربما في نفس البيت.
عند العرب مثل يقول لكل قبيلة هبيلة، ونحن اليوم نقترب من واقع اصعب فللقبيلة عشرات الهبلان يتجولون وربما يقررون، يكتبون، يتحدثون، يناقشون ويمتلكون أعظم من سلاح كولت الأصلي، يمتلكون هاتفًا نقالًا أذكى من حاملة، فلو قيس ذكاء الهاتف وذكاء صاحبه لفاق قدارته، بل والأكثر عندما أضيفت خاصية الذكاء الصناعي تأخر الحامل وتقدم المحمول.
الموضوع لا ينتهي هنا ببساطة بل يلاحقنا في كل زوايا حياتنا لأشخاص يحملون هواتف ذكيه ويلبسون نظارات سوداء في الليل والنهار فمنهم الحاقد ومنهم الكاذب ومنهم شوفوني يا ناس ومنهم المعارض وهكذا دواليك يجلسون كذلك الأمريكي يجلس على سياج مزرعته ومسدسه مذخرًا يطلق الرصاص على كل شيء حوله وإذا سألته لماذا؟ سيجيب بكل بساطه بضحكة صفراء تظهر أسنانه الملوثة بالتبغ هكذا.
أصحاب النظارات السوداء كثر، يعتقدون للوهلة الأولى أنهم هم الذين يصححون العالم، الحقيقة تكمن فقط بين أيديهم، وفوق ذلك يفتقرون لأدنى مقومات القرار، لذلك تجدهم أحرص الناس على متابعة الناس إنطلاقًا من الديمقراطية وانهاءً بالسخرية وفي الحالتين ما يريدونه هو بسيط لفت الانتباه أو محاولة تقزيم الناس أو المتحدث وغيره كثيرون.
لذلك كثر الهبلان في كل مكان، كثر اللغط وزاد في الميزان وبدأنا نستشعر أن الموازين الحقيقية تتاخر في الميدان وما يطفو على السطح إما سمك ميت أو قش لا ينفع للمتبن ولا حطب نيران، طغت النظارات السوداء حتى في الليل حين لا يحتاجها أحد، خلف شاشات الهواتف الأذكى بيد الهبلان، والسؤال كيف نفرق بين الغث والسمين بين الناصح الأمين وأهبل القبيلة، بين الصادق والمنافق، بين العالم والجاهل في زمن يكاد فيه يسيطر الذكاء الصناعي.
هبلان المدينة ليسوا بالضرورة أقل ذكاءً من غيرهم كل ما في الأمر أن أحدهم قرر أن يمتهن مهنة الهبل ويطلق لنفسه العنان يفعل ما يشاء وقتما يشاء، والأنكى أن تدعمه المدينة والقبيلة فقط لأن من السهولة التنصل من تصرفاته " يا زلمة سيبك منه واحد أهبل، ليش بتحط عقلك في عقل واحد أهبل " وهكذا امتهن أحدهم الهبل وهو يعلم كم الضرر الذي يستطيع إلحاقه بالناس ولديه " كرت غوار" على رأي أهل الشام معه شهادة أجدب.
في الماضي زجروا الناس الأجدب والأهبل ولم يكن يُستمع لكلامهم، اليوم أصبحوا بهواتفهم الذكيه أصحاب الرأي، أصحاب القضية، أصحاب القرار، لم يعد الأهبل فردًا بل مجتمعًا افتراضيًا دون خوف أو وجل. ولذلك أصبحت مقولة الأمان علي أبن أبي طالب " ما جادلت عالمًا إلا غلبته وما جادلني جاهلًا إلا غلبني واقعًا، فالهبلان يغلبون ليس لأنهم على حق بل لأنهم هبلان.
وحتى نلتقي، هبلان المدينة أو الدولة متواجدون بكثرة في كل العالم ، لكنهم لا يملكون منصات للتصيد في المياه العكرة، في الشرق خرجوا من حيزهم الشخصي وانطلقوا ولذلك حاول أن تبحث عن تفاصيل دقيقة وخيوط رفيعة لمعرفة من الأهبل المناوب، إياك أن تأخذك الحمية لإقناع أحد بالتوقف فإنما أنت كالمستجير بالرمضاء من النار.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il
من هنا وهناك
-
يوسف أبو جعفر يكتب : البيت الأسود
-
قراءة في كتاب مسعود غنايم ‘سخنين، مشاهد من تاريخ الإنسان وحكايات المكان‘ - بقلم : د. غزال أبو ريا
-
‘ الى متى هذا العنف ‘ - بقلم : محمد محمود جابر
-
يوسف أبو جعفر يكتب : أهبل المدينة
-
جنون العظمة لدى الحكّام هي الكارثة
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : تصريحات ابو مرزوق اقل تكتيكية واكثر استراتيجية !
-
كيف يؤثر نظام دكتاتوري على جريان المياه في النهر؟
-
مقال: الحرب والسلم وما بينهما! - بقلم : د. سهيل دياب
-
‘المهارات الحياتية‘ - بقلم: د. غزال أبو ريا
-
اليمين الإسرائيليّ سيتيقّن أنّ ترامب يعرف من أين تؤكل الكتف!
أرسل خبرا