قمّتا شرم الشيخ والنقب: من التطبيع الى التحالف ورسالةٌ لطهران
لم تكن القمم الأربع التي شهدتها المنطقة خلال الأسبوع الأخير، بدءًا بالقمّة الثلاثيّة في شرم الشيخ بين رئيس الوزراء الإسرائيليّ نفتالي بينيت، والرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي،
المحامي زكي كمال
وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، مرورًا بالقمّة السداسيّة بمشاركة وزراء خارجيّة مصر والمغرب والبحرين والإمارات وإسرائيل وأمريكا، والقمّة الثنائيّة، أو اللقاء الثنائيّ، في رام الله بين الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس والعاهل الأردنيّ الملك عبد الله الثاني، واللقاء الثنائيّ بين وزير الأمن بيني غانتس والعاهل الأردنيّ الملك عبد الله الثاني في عمان (التقى الأربعاء 30.3.2022 الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ)، حدثًا سياسيا أو إعلاميًا عاديًا حتى في منطقة الشرق الأوسط التي تتزاحم فيها الأحداث والتطورات، وذلك رغم ما رافقها من تغطية إعلاميّة شكّلت في إسرائيل، كما في حالات مشابهة سابقة، ضجيجًا إعلاميًّا يقوم على إحداث الصخب الإعلاميّ والجَلَبة، لإشعار الناس بأنّ أهميّة الحدث تكمن في مجرد حدوثه، دون أن تتعدّى ذلك إلى تغطية إعلاميّة معمّقة وجادّة، تعتمد التحرّي والبحث والتحليل الحقيقيّ وقراءة ما بين السطور وما خلف الكلمات، وعدم الاكتفاء بالقول إن وظيفة الإعلام هي "تصوير الحالة فقط"، بل إنها ملزمة في نظري بأكثر من ذلك.
" أسئلة كثيرة "
إن هذه القمم بتركيبة مشاركيها والمصالح التي تربطهم ومعاني هذه التركيبات، وهويّة من تغيّب عنها رغم دعوته أو عدم دعوته، هي حدث يمكن اعتباره بمثابة نقطة تحوّل تستوجب الوقوف عندها وبحثها بشكّل معمّق للوصول إلى استنتاجات واضحة تحاول فهم الأسباب والظروف التي خلقتها، أو يسَّرت حدوثها من جهة، واستبيان حقيقة معانيها السياسة الإقليميّة والعالميّة المستقبليّة من جهة أخرى، وذلك رغم معرفة الإعلاميّين والمحلّلين أن مكر الحقائق يكمن في وضوحها الخفيّ، وأن الاهتمام بالمظهر يجعلنا لا نرى بعض الأحداث والحقائق لتغيب عنا لأشهر أو سنوات أو أكثر.
بعد أسبوع إعلاميّ مكثف، انقشع غبار التغطية الإعلاميّة لهذه القمم وما رافقها من أحداث وخاصّة الاعتداء المسلّح في مدينة الخضيرة الذي نفّذه مواطنان عربيّان يحملان الجنسيّة الإسرائيليّة، والاعتداء المماثل الذي سبقه قبل أسبوع في مدينة بئر السبع، وقد نفذه مواطن من قرية حورة العربيّة في النقب والاعتداء الثالث في بني براك الذي أوقعه مواطن في الضفة الغربيّة، لتحلّ محله الحاجة الملحّة، بل والمصيريّة لطرح الأسئلة اللازمة والمنبثقة عن هذه اللقاءات، بشجاعة ودون رتوش وصياغتها بشكل واضح يلزم الساسة من مختلف الأطراف، باتخاذ القرارات، وربما إعادة النظر في المواقف والاعتبارات.
وهي أسئلة كثيرة ومتعدّدة تتعلّق بمواضيع وقضايا عديدة بدءًا بالسؤال ما إذا كانت إسرائيل بحكومتها الحاليّة قد اتخذت قرارًا استراتيجيًّا حقيقيًّا بالعمل على التوصل إلى اتفاق سلام، أو إنهاء حالة الحرب بين إسرائيل والدول العربيّة، وهو سؤال تتعلّق الإجابة عنه بالردّ عن أسئلة فرعيّة أُخرى تتطرّق إلى مصير مبادرة السلام العربيّة، و " المنافسة " الواضحة بينها وبين " اتفاقيات أبراهام "، والتطبيع بين اسرائيل والدول الخليجّية وتحديدًا البحرين والإمارات، وإلى موقع القضيّة الفلسطينيّة ضمن اعتبارات الدول التي شاركت في هذه القمم، وكذلك الدول التي تغيّبت عن القمة السداسيّة أي الأردن والفلسطينيّون.
" صلح تدريجيّ وتبادليّ "
الأسئلة كثيرة، تبدأ من تلك المتعلّقة بالعلاقة بين " اتفاقيات أبراهام " والمبادرة العربيّة من العام 2002، والتي تزامن انعقاد قمة وزراء الخارجية السداسيّة في النقب مع الذكرى العشرين لإعلانها، خاصّة أن أحد الانتقادات الموجّهة لـ " اتفاقيات أبراهام " بين إسرائيل والإمارات العربيّة المتحدة والبحرين، هو أنها تتناقض وما جاء في مبادرة السلام العربيّة التي أطلقتها السعوديّة وتم اعتمادها عام 2002، أو أنها تعني إسدال الستار على هذه المبادرة، أو حتى إعلان وفاتها رسميًّا رغم التصريحات الإعلاميّة لوزيري الخارجية المصريّ والبحرينيّ، فـ " اتفاقيات أبراهام " ابتعدت عن النهج الذي يؤكد أن التطبيع الكامل بين إسرائيل والدول العربيّة مشروط بتسوية جميع القضايا الفلسطينيّة والسوريّة واللبنانيّة العالقة مع إسرائيل، كما أنها تشكّل تعبيرًا عن تلاقي المصالح الإسرائيليّة الإماراتيّة والبحرينيّة، بشكل يلغي شرط " كلّ شيء أو لا شيء" ويستبدله بنهج صلح تدريجيّ وتبادليّ يراعي المصالح الفرديّة والقوميّة للدول العربيّة، ولا يضع القضية الفلسطينيّة في مقدّمة سلّم الأولويّات رغم ما رشح عن ربط الإمارات التوقيع على " اتفاقيات أبراهام " بتعليق خطط إسرائيل لضمّ أراضٍ من الضفة الغربيّة. وهو ما سوّقه الجانب الإماراتيّ على أنه حفاظ على الشرط الأساسيّ الذي نصّت عليه " مبادرة السلام العربيّة "، أي ربط التطبيع بالقضايا الفلسطينيّة، خاصّةً أن المبادرة العربيّة أكدت أن السلام في الشرق الأوسط لن يُكتب له النجاح إن لم يكن عادلًا وشاملًا تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن رقم 242 و338 و425 ولمبدأ الأرض مقابل السلام، والتأكيد على ارتباط المسارين السوريّ واللبنانيّ بالمسار الفلسطينيّ، على أن تحصل إسرائيل مقابل الحلّ على علاقات طبيعية كاملة مع جميع الدول العربيّة مقابل الانسحاب الكامل من كافّة الأراضي العربيّة المحتلة منذ يونيو 1967 وحلّ عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيّين، علمًا أنها شكّلت تحوّلًا في الموقف العربيّ تجاه إسرائيل، والذي لخّصته نتائج لقاء الزعماء العرب في السودان والتي أصبحت معروفة بإعلان " اللاءات الثلاث للخرطوم ": " لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل"، فالمبادرة تخلّت عن هذا الرفض المطلق وتبنّت موقفًا اشترط إنجازات سياسيّة معيّنة تنتهي بإقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة منذ حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقيّة، مقابل اعتبار النزاع العربي الإسرائيليّ منتهيًا، والدخول في اتفاقية سلام مع إسرائيل، وتحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعيّة مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل. ناهيك عن أنّ " اتفاقيات أبراهام " التي تبلغ من العمر هذه الأيام عامًا ونصف، تشكّل في نظر البعض امتحانًا هامًّا يمكن عبره، إذا ما بقيت هذه الاتفاقيات وصمدت أمام التحديات، الردّ عن السؤال الهام حول ما إذا كانت فرضيّة الأرض مقابل السلام قد انتهت إلى غير رجعة، أي أنّ انسحاب إسرائيل من الضفة الغربيّة لم يعد شرطًا للسلام مع الدول العربيّة، وهو ما يعني أن عدم حلّ القضيّة الفلسطينيّة لا يشكّل اليوم حاجزًا أمام تطبيع وعلاقات سياسية واقتصاديّة وعسكريّة أمنيّة بين إسرائيل والدول العربيّة، ما يؤكّد مواقف رئيس الوزراء الإسرائيليّ السابق بنيامين نتنياهو التي رفضت القبول بمبدأ الأرض مقابل السلام، وبكلمات أخرى فإن اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل كان المرة الأولى والأخيرة حتى الآن، التي تغلّب فيها نموذج " الأرض مقابل السلام " على صيغة " ولا أي شبر "، والتي تتمسّك بها حكومات إسرائيل في السنوات الأخيرة، فهي تفضّل بصورة واضحة ضمّ الضفة الغربيّة، وإبقاء المستوطنات على حالها والسيطرة على كلّ القدس، ورفض اعتبار شرقيها عاصمة للدولة الفلسطينيّة المستقبليّة التي ترفضها إسرائيل رغم إعلان بار إيلان من العام 2009، أي أنها تفضّل مدينة أريئيل ومخيم شعفاط للاجئين بدون سلام، على سلام بدون أريئيل وبدون مخيم شعفاط للاجئين، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما قاله قبل أكثر من 50 سنة، وزير الأمن الإسرائيلي موشيه ديان بأن " شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام بدون شرم الشيخ ". وهو الموقف الذي أيّده معظم الجمهور الإسرائيليّ آنذاك، علمًا أنّ هناك من يعتقد أن هذا القول كلّف إسرائيل خوض حرب فظيعة وزائدة كلفتها آلاف القتلى والمصابين انتهت عمليًّا إلى اتفاقيّة سلام استعادت فيها مصر كافّة سيناء بما فيها شرم الشيخ التي هبطت فيها الأسبوع الماضي طائرة رئيس الحكومة نفتالي بينيت .
" الطرف الفلسطينيّ غائب "
السؤال الثاني تفرضه تركيبة المشاركين في القمم، أو هويّة الطرف الذي تغيّب عن هذه القمم وتحديدًا الطرف الفلسطينيّ الذي تغّيب عن القمّة السداسية لعدم دعوته أصلًا، كما تغيّب عن اللقاء الذي جمع بيني غانتس والملك عبد الله، والذي كان من المفترض وفقًا للبلاغات الرسميّة التي سبقته، أن يشارك فيه الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس أبو مازن.
فالطرف الفلسطينيّ غائب عن الساحة السياسيّة الإقليميّة منذ اعتلاء دونالد ترامب سدّة الحكم في أمريكا، وما تلا ذلك من ورشة المنامة وصفقة القرن و " اتفاقيات أبراهام " ، ومن ثمّ القمّة السداسيّة في النقب التي كانت رغم تصريحات وزيري الخارجيّة المصريّ والبحرينيّ سامح شكري وعبد اللطيف الزياني، حول القضيّة الفلسطينيّة وضرورة حلّها، منصّة توجّه منها المشاركون إلى الفلسطينيّين مباشرة، ومن فوق رؤوس قياداتهم التي غابت عن القمّة، بل إنها لم تدع إليها، خاصّة أن ذلك تزامن مع اللقاء الثنائيّ بين الملك عبدالله الثاني ومحمود عباس، في رام الله، في إشارة واضحة يجب النظر اليها بجديّة وفحص معانيها، ومفادها أن الأردن كما يبدو هو الدولة العربيّة الوحيدة التي ما زالت تتمسّك بالمبادرة العربيّة، وتعتبر حلّ القضيّة الفلسطينيّة شرطًا لعلاقات طبيعيّة مع إسرائيل، وتعتبر القيادة الفلسطينية في رام الله عنوانًا وشريكًا يجب الأخذ برايه في القضايا السياسيّة، وليس فقط في قضية التنسيق الأمنيّ مع إسرائيل.
ما من شكّ في أن القمّة السداسيّة ونتائجها، واعتبارها هيئة وتحالفًا دائمًا يلتقي بشكل دوريّ، وليس لقاءً لمرة واحدة أو لقاءً عابرًا، يشكّل نقلة نوعيّة في علاقات إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب ومصر، فهي نقلة يمكن تلخيص عنوانها بأنها انتقال من التطبيع إلى التحالف، مع الإشارة إلى أن مشاركة مصر في القمّة، والتي تمحورت في معظم نقاشاتها حول النوويّ الإيرانيّ، تشكّل إنجازًا إسرائيليًّا كبيرًا، وليس ذلك فقط، فالقمّة السداسيّة انتهت لتتبعها مكالمة مطوّلة بين وزير الخارجيّة الأمريكيّ أنتوني بلينكن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أكدت أن السعودية التي لعبت دورًا صامتًا ومؤيّدًا في انعقاد القمّة أرادت معرفة نتائجها، واهتمّت بذلك ما يؤكد كونها جزءًا لا يتجزّأ منها فعلًا، وإن لم يكن الأمر حضورًا، في تحوّل هامّ مفاده أن السعوديّة تقترب من تبني نهج " اتفاقيات أبراهام " ، وأن العائق أمام ذلك حاليًّا هو كما يبدو الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وذلك على ضوء تصريحات ولي عهده محمد بن سلمان الذي ك انتقد الفلسطينيّين أكثر من مرة بأنهم فوّتوا فرص السلام برفضهم الدائم لاقتراحات التسوية.
" تفويت الفرصة السانحة "
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، نعود إلى ما جاء أعلاه، والسؤال حول ما إذا كانت إسرائيل بحكومتها الحالية قد قرّرت السير نحو اتفاقيّات شاملة مع الدول العربيّة تشمل حلّ القضية الفلسطينيّة أو بدونها، فالسؤال المذكور يدور حول ما إذا كانت إسرائيل قد قرّرت عدم تفويت الفرصة السانحة للتوصّل إلى اتفاقيّات سلام مع العالم العربيّ، وهو ما أشار إليه ولو تلميحًا البروفيسور شمعون شمير الذي كان سفير إسرائيل في مصر وسفيرها الأول في الأردن، في سلسلة مقالات صدرت عام 2010 عن مركز " شتاينميتس " لأبحاث السلام أشار فيها إلى أن المبادرة العربيّة كانت فرصة تمّ تفويتها. ويقول فيها إن قبول المبادرة بالإجماع من قبل جميع الدول العربيّة كان انعطافه كبيرة وانتقالًا من الاتفاقات الثنائيّة التي تم التوقيع عليها حتى تلك الفترة إلى اقتراح لعمليّة سلميّة متعدّدة الأطراف بين الدول العربيّة وإسرائيل. ناهيك عن أن المبادرة تقترح أن يكون اتفاق السلام هو نهاية للنزاع العربيّ – الإسرائيليّ وليس فقط محو آثار حرب 1967، إذ كانت المرة الأولى التي استخدم فيها العالم العربيّ مصطلح "علاقات طبيعية" مع إسرائيل، كما أنها كانت المرة الأولى التي توجّه فيها الزعماء العرب مباشرة لإسرائيل بعرض سلام، مع الإشارة هنا إلى الشعور بتفويت الفرصة الذي يشعر به البروفيسور شمعون شمير يشاركه فيه مستشرقون كبار في إسرائيل، ومنهم الدكتور ماتي شتاينبرغ، الذي كان المستشار الخاصّ لرؤساء الشاباك ( جهاز المخابرات الإسرائيليّ) للشؤون الفلسطينيّة، والذي شبَّه رفض المبادرة العربيّة عام 2002 من قبل إسرائيل برفض خطة التقسيم من قبل الدول العربيّة، وما جاء على لسان البروفيسور إيلي فوده الذي اعتبر موقف إسرائيل من المبادرة العربيّة تفويتًا آخر للفرص من تفويتات كثيرة، تشمل محاولات جسّ النبض التي بادرت إليها مصر في عهد جمال عبد الناصر في الستينيّات، والتي أمكنها منع حرب الأيام الستة، وتفويت الاتصالات مع مصر بعد حرب الأيام الستة والتي أمكنها منع حرب أكتوبر من العام 1973، وكأَن إسرائيل بحاجة إلى حرب لتغيير مواقفها السياسيّة.
وفي نفس السياق، يجب النظر إلى أمرين: أولهما أن قمة بيروت عام 2002 والتي تم فيها الإعلان عن قبول المبادرة العربيّة، تزامنت أو ترافقت مع عمليّة انتحاريّة نفّذتها حركة " حماس" في فندق بارك في مدينة نتانيا أسفرت عن مقتل 30 إسرائيليًّا وجرح نحو160، شنّت بعده إسرائيل حملة " السور الواقي" وأعادت عمليًّا اجتياح الضفة الغربيّة كلّها بما فيها المقاطعة مقرّ إقامة الرئيس الفلسطينيّ حينه ياسر عرفات، ليتحقّق ما أرادته " حماس " من عرقلة لأية إمكانيّة أو خيار سياسيّ سلمي، كما فعلت بعد اتفاقيّات أوسلو.
وثانيهما أنّ القمتين الثلاثيّة والسداسيّة رافقتهما مع عمليّتين مسلحتين في الخضيرة وبئر السبع هما سعي لإفشال هذه القمم، ومنع لأيّ حلّ سياسيّ، أو مجرّد تفكير إسرائيل بذلك لتكرّس حكومة بينيت موقفها من أن السلطة الفلسطينيّة والفلسطينيّين ليسا شريكًا لأيّ عملية سلام أو تفاض. ه
ذا في الوقت الذي تقرّر فيه هذه الحكومة زيادة أعداد العمال الغزيين الذين سيسمح لهم بالعمل في إسرائيل بعشرات الالاف، مع كلّ ما يعنيه ذلك من زيادة مدخولات العمال وعائلاتهم، إذ يبلغ راتب كلّ منهم مقابل عمله في إسرائيل نحو 8000 شيكل ( 2500 دولار) مقابل 1200 شيكل ( أقل من 400 دولار) هو متوسط الرواتب في غزة بكلّ ما يشكّله ذلك من تحريك للعجلة الاقتصاديّة في القطاع، واستمرار تقديم التسهيلات المقدّمة لغزة التي تسيطر "حماس" عليها، والتي يمكن اعتبارها اليوم كيانًا فلسطينيًّا منفصلًا لا تملك السلطة الفلسطينيّة فيه موطئ قدم، يمكن أن يتحوّل إلى كيان مستقلّ برئاسة " حماس " في توافق يعتمد الدعم الاقتصاديّ، أو خطّة مارشال اقتصاديّة لم تكن موجودة منذ 1967، تتبع ما تمّ الاتفاق عليه في قمّة شرم الشيخ من ضخّ مليارات الدولارات إلى غزة لإقامة مشاريع اقتصاديّة وتنمويّة وحياتيّة بتمويل إماراتي مباشر دون علاقة للسلطة الفلسطينيّة، وكأّن غزة هي الكيان الفلسطينيّ الحقيقيّ.
" كشف علني للحقيقة "
التحوّل من التطبيع إلى التحالف يشكّل كشفًا علنيًّا للحقيقة التي حاول الجميع إخفاءها، وهي أنّ اللقاءات والعلاقات بين إسرائيل والقادة العرب لم تبدأ باتفاقيّات أبراهام، وهو ما جاء في كتاب البروفيسور إيلي فوده بعنوان " من الزواج السريّ إلى زواج في العلن"، والذي تناول فيه علاقات إسرائيل السريّة مع الدول العربيّة منذ اقامة إسرائيل وحتى " اتفاقيات أبراهام "، فالجديد هو أن العلاقات مع دول عربيّة في مقدّمتها المغرب والإمارات، بدأت في السبعينيّات والثمانينيّات، وتحوّلت من سريّة إلى علنيّة في التسعينيّات. كما كشف أيضًا شمعون شيفس مدير عام مكتب رئيس الحكومة إسحق رابين مطلع التسعينيّات من القرن الماضي، في أعقاب اتفاقات أوسلو، ثمّ تدهورت العمليّة السلميّة بعد وفاة يتسحاق رابين وانهارت بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 ما أدى إلى إغلاق ممثليّات إسرائيل في هذه الدول ومنها قطر والمغرب وغيرها، لتعود اليوم إلى العلن.
تنحية الشأن الفلسطينّي جانبًا في علاقات إسرائيل والدول العربيّة تستوجب سؤالًا ربما ستكون الإجابة عليه حاضرة في المستقبل القريب، يتعلّق بمشاركة القائمة العربيّة الموحّدة في الائتلاف الحكوميّ، وتركيزها على الشؤون المحليّة الحياتيّة والاقتصاديّة للمواطنين العرب، وجعل الشأن القومي السياسي في المرتبة الثانية، والسؤال هو: هل سيكتفي الدكتور منصور عباس بهذا الدور، أي البعد المدنيّ، أم أنه سيحاول لعب دور سياسيّ إقليميّ يشمل القضيّة الفلسطينيّة وغيرها من القضايا الإقليميّة في استمرار للقائه قبل أشهر العاهل الأردنيّ الملك عبد الله الثاني في عمان؟ الأيام كفيلة بالردّ.
وفي الختام، المؤتمرات التي عُقِدَت في شرم الشيخ وسديه بوكير ( النقب) وغيرها من اللقاءات في شهر آذار / مارس، تعني انقلاب الصورة رأسًا على عقب، فإسرائيل " تحتل " مكان أمريكا وتبادر إلى تحالفات مع دول عربيّة حول النووي الإيرانيّ مؤكّدة مع اقتراب توقيع الاتفاق النوويّ أن لا فراغ في السياسة. وهذه المؤتمرات ما هي إذًا، إلَّا اتّحاد للقوى المناوئة لإيران المسلحة بأسلحة نوويّة، ورسالة واضحة لطهران، سببها أنّ هذه الدول تدرك أن إيران ستعود إلى صحّتها الاقتصاديّة بعد رفع الحصار والعقوبات الأمريكيّة والأوروبيّة عنها مع توقيع الاتفاقيّة النوويّة الجديدة - القديمة، لتعود خلافة الفقيه إلى سابق عهدها الثوريّ- الدينيّ بصرامة وقوةٍ أَكبَر.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان:
من هنا وهناك
-
مقال ‘عايشين العادة!‘ - بقلم : المحامي شادي الصح
-
مقال: ثلاثة مشاريع متصارعة لشرق اوسط جديد، ما هي السيناريوهات؟ بقلم : د. سهيل دياب
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - ناقوس
-
المحامي زكي كمال يكتب في بانوراما وبانيت : الانتقال من حُروب الدُوَل إلى حُروب المِلَل
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : لماذا تخشى الولايات المتحدة الحرب الشاملة؟
-
‘ سلوكنا في حالات الطوارئ ‘ - بقلم: د . غزال أبو ريا
-
‘البحث عن الذات وسط فوضى الحياة‘ - بقلم : حنين أمارة
-
مقال : سنة على الطوفان.. هل اسرائيل هي اسرائيل ؟ بقلم : د. سهيل دياب
-
المحاضر إياد شيخ أحمد يكتب في بانيت عن ‘مسألة إلغاء الورقة النقديّة من فئة الـ 200 شيكل‘
-
المحامي زكي كمال يكتب : هل ستتمّ مراجعة الحسابات وتصويب المسيرة ؟
أرسل خبرا