المحامي زكي كمال يكتب : حان الوقت لتقول الشعوب كلمتها ضدّ التطرّف والتزمّت
07-03-2025 11:20:55
اخر تحديث: 07-03-2025 14:03:00
رغم كونه في اعتقاد الكثيرين حالة تخصّ تركيا والأكراد، وهو في الحقيقة أكبر من ذلك، فإن إعلان حزب العمال الكردستانيّ يوم السبت المنصرم وقف إطلاق النار مع تركيا، وحلّ نفسه كحركة عسكريّة مسلّحة،

المحامي زكي كمال - تصوير : قناة هلا وموقع بانيت
والتوجّه إلى عقد اتفاق سلام مع تركيا، وذلك بقرار الحزب وجّهه زعيمه عبد الله أوجلان الذي يقبع في السجون التركيّة منذ العام 1999، يشكّل إذا ما قيس بحركات متشابهة المنشأ والسيرورة، ومنها حركتا "حماس" في غزة والضفة الغربيّة، وحركة "حزب الله" في لبنان، التأكيد على ظاهرة تتشابه، بل تتطابق فيها منطلقات تشكيل الحركات الثلاث المذكورة، فهي كلها حركات بدأت اجتماعيّة وشعبيّة رفعت راية العمل لمصلحة المواطنين، وما لبثت أن تحوّلت بقرارها الذاتيّ، أو بقرارات ووفق أجندات خارجيّة إلى حركات سياسيّة، ثمّ حركات مسلّحة، شاركت في نضال مسلّح خاضه شعبها كله، أو بعضه ضد دولة، أو كيان داخليّ أو خارجيّ، محليّ أو مُحْتَّل، وهو سؤال يزداد حدّةً وآنيةً في ضوء استمرار الحديث عن اليوم التالي أو ما بعد انتهاء الحرب في غزة، وإمكانيّة تسليم السيطرة عليها لجهة فلسطينيّة لا تكون "حماس" مشاركة فيها، إضافة إلى المعلومات الموثوقة التي رشحت عن لقاء القادة العرب في الرياض خاصّة تلك المتعلّقة برفض خطة التهجير التي اقترحها الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، ووضع خطّة عربيّة لإعادة الإعمار بدلًا منها تشترطها المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات بنزع سلاح حركة "حماس" لنزع فتيل أيّ خطر مستقبليّ باستئناف المواجهة، أو الصدام المسلّح مع إسرائيل وإعادة سيناريو تدمير البنى التحتيّة في غزة، واشتراط "حماس" إلقاء، أو نزع سلاحها، وكما قال خليل الحيّة أحد قادتها، لوكالة أسوشييتد بريس قبل عشرة أشهر، الموافقة على هدنة لمدّة 5 سنوات أو أكثر مع إسرائيل، بإقامة دولة فلسطينيّة مستقلة على حدود عام 1967، تتخلّى الحركة بعدها فقط عن أسلحتها، ولكن تختلف مراحل حياتها التالية ، بل ربما تتناقض نهاياتها، أو قراراتها النهائيّة؛ وبالتالي لا بدّ من طرح السؤال حول ما إذا كان بإمكان حركة مسلّحة أينما كانت وأيًّا كانت، أن تقرّر من تلقاء نفسها، أو بفعل عوامل عديدة منها الاستنتاج بأن النشاط المسلّح لم يعد تلك الوسيلة التي تقود إلى الحرية والاستقلال، أو ربما الاقتناع وفق حسابات الربح والخسارة، وهي حسابات مشروعة في العمل السياسيّ والعسكريّ، أن الخسارة بسببه تفوق الربح، أو أن أضراره أكثر من إيجابيّاته، وأنه لا يقربها من الحريّة والاستقلال، بل يبعدها عن ذلك.
قلنا إن البدايات واحدة ومتشابهة، فحزب العمال الكردستانيّ نشأ في بداية ثمانينات القرن الماضي، استنادًا إلى أيديولوجيّة ماركسيّة لينينيّة، تطالب بمساواة الأكراد من حيث حقوقهم المدنيّة والحياتيّة ومنح المناطق الكرديّة داخل تركيا الحكم الذاتيّ، ثمّ صار يطالب بدولة مستقلّة للأكراد في تركيا، ما أثار صراعًا لقي خلاله أكثر من 40 ألف شخص حتفهم منذ اندلاع الصراع بين الطرفين الذي وصل إلى ذروته في أواسط تسعينيّات القرن الماضي، حتى تم سجن رئيسه عبد الله أوجلان حتى اليوم، وجاءت دعوته إلى جميع المجموعات المنضوية داخل الحزب بإلقاء أسلحتها، وإعلان وقف إطلاق النار والسعي إلى تحقيق السلام وبناء المجتمع الديمقراطيّ ما يحتمّ وضع وخلق شروط سياسيّة وديمقراطيّة لإنجاح العمليّة، كما جاء في بيانه الذي أكَّد أن الحزب يدخل مرحلة جديدة من النضال، مستفيدًا من الرؤية الاستراتيجيّة لقائده أوجلان والتجربة التاريخيّة للحزب، من أجل تحقيق أهدافه عبر نهج سياسيّ ديمقراطيّ، وهي نهاية تختلف عن تلك التي يريدها " حزب الله" في لبنان والذي كانت بدايته التاريخيّة متشابهة، فهو بدأ طريقه رسميًّا تزامنًا مع حرب لبنان الأولى، أو الاجتياح الإسرائيليّ للبنان عام 1982، بعد خلاف بدأ سياسيًّا بالتحديد، مع حركة أمل التي كانت الممثّلة الوحيدة للمسلمين الشيعة في لبنان، فانشقّت مجموعة عن حركة أمل، وأنشأت منظمة جديدة تحمل اسم "الأمل الإسلاميّة"، وحصلت على دعم ماليّ وتنظيميّ وعسكريّ في مرحلة لاحقة من إيران، لكن جذوره الفكريّة تعود إلى الستينيّات والسبعينيّات التي شهدت صعود مرجعيّات دينيّة في جنوب لبنان بقيادة موسى الصدر الذي اختفت آثاره تمامًا، وتشير أصابع الاتهام إلى ليبيا في اختفائه، لتتحوّل الأمور عام 1985 بإعلان أهدافه العسكريّة والتحوّل إلى قوّة عسكريّة لا تنصاع للحكومة، بل تمارس سياسات خاصّة بها تخدم أجندات إيرانيّة، أهمها ولاية الفقيه والدعوة إلى إبادة إسرائيل، رافضة كافّة الدعوات إلى نزع سلاحها، كما جاء في اتفاق الطائف الذي أعلن حلّ جميع المليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة، وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانيّة خلال ستة أشهر، أي الوصول إلى مرحلة السلاح الواحد، وهو الذي ما زالت الحركة ترفضه حتى اليوم.
" حركة مسلحة "
ولا تختلف حركة "حماس" في ذلك بشيء فهي بدأت حركة دينيّة اجتماعيّة، تشكّل امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين، نشطت في البدايات وبعد 1967 وحتى منتصف السبعينيات، واقتصر نشاطها ضمن حركة الإخوان المسلمين في الضفة والقطاع بصورة عامة على الأمور الدينيّة والاجتماعيّة، ولم يكن ذا طابع سياسيّ واضح أو محدَّد، إلا إن ما لحق بالحركة الوطنيّة الفلسطينيّة خاصّة تراجع نشاطها بعد مغادرة بيروت عام 1982، وقبلها بعض العوامل الداخليّة والخارجيّة، وخصوصًا وقوع الثورة الإسلاميّة في إيران سنة 1979، دفعها للقيام بنشاط سياسيّ ملحوظ، وخصوصًا في الجامعات الفلسطينيّة، وصولًا إلى تعزيز دورها خاصّة بعد اتفاقيّات أوسلو والعمليّات العسكريّة التي تلته، والاستيلاء على قطاع غزة عام 2007، وإعلان ميثاق جديد يدعو إلى تحرير كافّة فلسطين، ويعتبر العمل العسكريّ والجهاديّ فرضا على كل المنتمين إليها، بل على كل المسلمين، لتتحوّل إلى حركة مسلّحة كبيرة تملك العتاد وتصنعه وتبني الأنفاق خاصّة منذ العام 2013، مستفيدةً من الأموال القطريّة، وسط جولات مسلّحة مع إسرائيل زاد عددها عن عشر جولات منذ 2007، وصلت ذروتها في هجمات السابع من أكتوبر 2023، وما تلاها من حرب في القطاع أسفرت عن عشرات آلاف الضحايا وهدم 85% من منازله ومنشآته ودعوات لتهجير سكانه، تحاول الدول العربيّة منعها عبر خطة لإعادة الإعمار ترافقها سلطة سياسيّة فلسطينيّة لا تكون "حماس"، أو سلاحها على الأقل جزءًا منها، وهو ما ترفضه "حماس".
ولا تختلف حركة "حماس" في ذلك بشيء فهي بدأت حركة دينيّة اجتماعيّة، تشكّل امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين، نشطت في البدايات وبعد 1967 وحتى منتصف السبعينيات، واقتصر نشاطها ضمن حركة الإخوان المسلمين في الضفة والقطاع بصورة عامة على الأمور الدينيّة والاجتماعيّة، ولم يكن ذا طابع سياسيّ واضح أو محدَّد، إلا إن ما لحق بالحركة الوطنيّة الفلسطينيّة خاصّة تراجع نشاطها بعد مغادرة بيروت عام 1982، وقبلها بعض العوامل الداخليّة والخارجيّة، وخصوصًا وقوع الثورة الإسلاميّة في إيران سنة 1979، دفعها للقيام بنشاط سياسيّ ملحوظ، وخصوصًا في الجامعات الفلسطينيّة، وصولًا إلى تعزيز دورها خاصّة بعد اتفاقيّات أوسلو والعمليّات العسكريّة التي تلته، والاستيلاء على قطاع غزة عام 2007، وإعلان ميثاق جديد يدعو إلى تحرير كافّة فلسطين، ويعتبر العمل العسكريّ والجهاديّ فرضا على كل المنتمين إليها، بل على كل المسلمين، لتتحوّل إلى حركة مسلّحة كبيرة تملك العتاد وتصنعه وتبني الأنفاق خاصّة منذ العام 2013، مستفيدةً من الأموال القطريّة، وسط جولات مسلّحة مع إسرائيل زاد عددها عن عشر جولات منذ 2007، وصلت ذروتها في هجمات السابع من أكتوبر 2023، وما تلاها من حرب في القطاع أسفرت عن عشرات آلاف الضحايا وهدم 85% من منازله ومنشآته ودعوات لتهجير سكانه، تحاول الدول العربيّة منعها عبر خطة لإعادة الإعمار ترافقها سلطة سياسيّة فلسطينيّة لا تكون "حماس"، أو سلاحها على الأقل جزءًا منها، وهو ما ترفضه "حماس".
الحركات الثلاث السابقة لم تكن الوحيدة في العقود الثلاثة، أو الأربعة الأخيرة التي طولبت بنزع سلاحها فوافقت، أو أنها قررت ذلك بمحض إرادتها، بل إن هناك حركات أخرى منها، الجيش الجمهوريّ الإيرلنديّ الذي أعلن بتاريخ 28/07/2005 تخلّيه عن الكفاح المسلّح ضد الحكم البريطانيّ في إيرلندا الشماليّة وتحوّله إلى حركة سياسيّة في نضاله لتحقيق أهدافه بإعادة توحيد إيرلندا وإنهاء الحكم البريطانيّ هناك؛ وليس ذلك فقط، بل طولب أفراده بالمساعدة في تطوير برامج ديمقراطيّة وسياسيّة بحتة من خلال السبل السلمّية فقط، لكن الفارق بين ما دعا حزب العمال الكردستانيّ (PKK) والجيش الجمهوريّ الإيرلندي (IRA) إلى نزع سلاحهما بقرارهما الذاتيّ من جهة، مقابل حركتي "حماس" و"حزب الله" من جهة أخرى اللتين ترفضان ذلك، دون اكتراث لما يلحقه ذلك الكفاح المسلّح من أضرار وكوارث، كما اتضح خاصّة في الحرب الأخيرة في غزة ولبنان، هو جملة واحدة جوهريّة ، تخلّلت إعلان حزب العمال الكردستانيّ، جاء فيها أن القرار هو تنفيذ لِعِبَرٍ تاريخيّة تؤكّد ضرورة وحتميّة الدخول في مرحلة جديدة من النضال، ووضع رؤية استراتيجيّة تستفيد من التجربة التاريخيّة للحزب، ونحو تحقيق أهدافه عبر نهج سياسيّ ديمقراطيّ، وهي الفارق الأساسيّ ربما بين الحالتين، فالأولى في إيرلندا وتركيا، حركات سياسيّة أصبحت عسكريّة لكنها علمانيّة التوجّهات والمنطلقات، وبالتالي لا ضير في أن تراجع أوراقها ومبادئها، فتؤكد الموجب منها وتغيِّر السالب، تختار الحسن والأكثر نفعًا وفائدة، وتتراجع عن بعضها حتى لو كان رايتها الأولى طيلة سنوات، دون أن يشكل ذلك التراجع في نظرها تراجعًا عن الثوابت الوطنيّة وكم بالحري الدينيّة، أو المسّ بالعقيدة، بخلاف حركتي "حزب الله" و"حماس" اللتين تنطلقان من جذور دينيّة تعتبر محاربة إسرائيل جهادًا تهون من أجله النفوس، وتصف كل من يعارضه بالخائن، أو المتهاون ومن هنا تقوقعها، بل رفضها التام لأيّ تراجع عن أي حرف من ميثاقها، والذي جاء نصًّا دينيًّا لا رجعة عنه، اعتبار أهدافه دينيّة بحتة لا مكان لتحقيقها إلا عبر السلاح والجهاد مهما غلا ثمنه، وكانت باهظة تكاليفه خاصّة من حيث الخسائر البشريّة، فالشهادة في عرف هاتين الحركتين هي الأسمى ولا رجعة عنها، فمواثيق الحركات الدينيّة لا تتغيّر ولا تتبدّل، لأنها جزء من الدين في نظر من صاغها ووضع تفاصيلها، ولا مجال للتغيير فضلًا عن أن التغيير لا يعتبر هنا شجاعة، بل خروجًا عن الثوابت والمحظورات.
ورغم أن التزمت الديني يمنع قبول المواقف الجديدة حتى لو اتضحت وتأكدت فوائدها، فإن التزمت السياسيّ والخوف من اتخاذ خطوات شجاعة يوصل أصحابه إلى نفس النتيجة أحيانًا، وهذا ما اتضح في قضيتين ذات صلة بما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، أولهما رفض إسرائيل، أو عدم قبولها، المبادرة السعوديّة والتي تحوّلت لاحقًا إلى مبادرة السلام العربيّة، وأعلنت في ختام القمة العربية الرابعة عشر في الثامن والعشرين من آذار 2002، وتحدّثت عن سلام بين الدول العربيّة والإسلاميّة بعدها مع إسرائيل، وإنهاء لحالة الحرب شرط إقامة دولة فلسطينيّة، وثانيها وهي الأقرب من حيث المضمون والموعد والتاريخ ، وهي ما تمّ الكشف عنه مؤخرًا من أن إسرائيل وتحديدًا رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وانطلاقًا من تردده المعهود ورغبته المعروفة في إدارة الصراع وليس حلّه، وبحكم خشيته من خطوات تتسم بالشجاعة السياسيّة التي ترافقها خطوات تخدم مصلحة البلاد عامّة، وليس المصالح الضيّقة والحزبيّة، رفض بعد حرب غزة عام 2014 والتي سمتها إسرائيل "الجرف الصامد" والتي اتبعت اختطاف وقتل نشطاء من "حماس" الضفة الغربيّة وبأوامر صدرت من غزة، ثلاثة يافعين يهود تمّ العثور عليهم وقد دفنوا قرب مدينة الخليل، موقفًا واستعدادًا رسميًّا سعوديًّا بإعادة إعمار القطاع، ونزع سلاح" حماس" وإنهاء دورها كسلطة سياسيّة وعسكريّة في غزة واستبدالها بالسلطة الفلسطينيّة في الضفة الغربيّة، والحديث بالتدرّج عن إقامة دولة فلسطينيّة وقبول تدريجيّ لمبادرة السلام العربيّة مع الإشارة إلى أن رفض نتنياهو هذا الاقتراح الذي تقدّم به الأمير بندر بن سلطان المسؤول في حينه عن الأجهزة الأمنيّة السعوديّة بتعيين ملكيّ، أحبط ليس فقط نزع سلاح "حماس" وإنهاء دورها في غزة كسلطة وجيش، بل إنه منع انطلاق قطار التطبيع مع المملكة العربيّة السعوديّة، ودفع بنتنياهو إلى التوجّه نحو الدوحة وقطر وطلب التحويلات النقديّة الشهريّة من قطر إلى غزة، على الرغم من التحذيرات المتكرّرة من مسؤولين عسكرييّن واستخباراتيّين، مع الإشارة إلى أن العرض السعوديّ جاء في اجتماع ثنائيّ بين بنيامين نتنياهو والأمير السعوديّ بندر بن سلطان في أواخر أغسطس 2014، أي بعد أيام من انتهاء حرب غزة التي انتهت في السادس والعشرين من الشهر المذكور، علمًا أنه؛ أي الاجتماع، دار في مكان ثالث، أي خارج إسرائيل والسعوديّة بحضور كبار قادة الموساد الإسرائيليّ، وقال عنه مسؤول إسرائيليّ كبير في جهاز المخابرات لجريدة يديعوت أحرونوت إنه ترك لدى نتنياهو ومسؤولين آخرين الشعور شبه المؤكّد بأن نافذة التطبيع من جهة ونزع سلاح "حماس" من جهة أخرى، حتى أن نتنياهو أعلن فور عودته إلى إسرائيل أنه سيتولى إدارة المحادثات ــ مؤكّدًا أنها دبلوماسيّة وليست أمنيّة، ثمّ فوَّض المحامي يتسحاق مولخو إدارة العمليّة، وهو ما اعتبره مسؤولون أمنيّون في حينه محاولة لإحباط المحادثات، أثارت عضب السعوديّة عامّة والأمير بندر بن سلطان خاصّة وأدّت إلى فشل المحادثات.
" اضعاف حماس "
ليس ذلك فحسب، بل إن تردد نتنياهو ورفضه مقترحًا يقود الى إضعاف "حماس" وإزاحتها عن السلطة في غزة، عزّز من شكوك السلطة الفلسطينيّة حوّل نيّة نتنياهو استغلال الانقسام الفلسطينيّ لإضعاف السلطة، وتعزيز قوة "حماس" باعتبارها الندّ للسلطة والاهتمام بإبقائها حاكمة فعليّة في غزة، واعتبارها ذخرًا استراتيجيًّا كما قال الوزير بتسلئيل سموتريتش في لقاء إعلاميّ شهير له عام 2021، مبررًا ذلك بأنها وفق قوله "منظمة إرهابيّة يتّخذ العالم منها موقفًا سلبيًّا بعكس السلطة الفلسطينيّة"، علمًا أن رفض نتنياهو للمقترح السعوديّ السابق، واقتناع السلطة الفلسطينية أن نتنياهو يريد إضعافها ودعم "حماس" وفق سياسة "فرق تَسُد" ، دفع الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس أبو مازن إلى وقف دفع الرواتب للموظفين والمخصّصات عن غزة، وهو ما أبقى قطر وحيدة في الميدان، لتستجيب لطلب نتنياهو عبر رئيس الموساد في حينه يوسي كوهين، دفع 30 مليون دولار نقدًا لحركة "حماس" التي أصابها قرار الرئيس عباس السابق بضائقة ماليّة كبيرة، والبقية معروفة وواضحة ، حيث تدفّقت مئات ملايين الدولارات سنويًّا على "حماس" نقدًا، حتى السابع من أكتوبر 2023، باستثناء فترة قصيرة حاول فيها رئيس الوزراء نفتالي بينيت، إيجاد وسيلة أخرى غير الدفع نقدًا، كما فعلت قطر بالتنسيق مع منسّق أعمال الحكومة الإسرائيليّة في المناطق، مع الإشارة هنا إلى أن نتنياهو ومقربيه يحاولون في ردودهم ومحاولاتهم تبرير قضية الأموال القطريّة، والتركيز على ادّعائهم أنهم أرادوها دعمًا لأهداف عينيّة تتعلّق بتكاليف التيار الكهربائيّ والرواتب والمساعدات الضروريّة للأسر المحتاجة، متجاهلين ما تم الكشف عنه من علاقات عمل رسميّة بين عاملين كبار في ديوان نتنياهو ومقرّبين منه، بل مستشاريه، والحكومة القطريّة عبر تزويدها بخدمات استشارة وخدمات إعلاميّة وإعلانيّة بواسطة شركات خاصّة، في نفس الوقت الذي كانوا يتهمونها أنها داعمة للإرهاب، أو ذئب في لباس الحمل الوديع، كما اعتاد وزير الاقتصاد نير بركات القول خلال لقاءات صحفية واعتاد موظفو مكتب نتنياهو القول مبررين رفضهم مواصلة قطر دور الوساطة في صفقات تبادل الرهائن.
في كلتا الحالتين السابقتين، الأولى رفض "حماس" وحركة" جزب الله" نزع أسلحتهما، لأن ذلك يشكّل مسًّا بعقيدة دينيّة أو كرامة قوميّة، ورفض نتنياهو المقترح السعوديّ عام 2014، لأنّه يمسّ بمعتقدات سياسيّة والتزامات ائتلافيّة وسياسيّة يشكّل التنازل عنها مسًّا بالسمعة، أو الصيت السياسيّ، أو إمكانية لتغيير النظرة، أو الصورة المُتَخَيَّلة لنتنياهو واليمين، هناك عامل مشترك واحد هو الخوف من كسر الأمور التي تعتبر في عداد المُسَّلَمات، أو المواقف غير القابلة للتغيير، وهو ما أكّده باحثون كثيرون أشاروا إلى أن تعاظم قوّة التوجّهات والحركات والتيارات المتزمّتة في العالم، أكثر وأوّل ما يخيفها هو اتّخاذ قرارات، أو قبول توجّهات يمكن تفسيرها على أنها "مسٌ بكرامة مجموعات ما، أو ربما محاولة سحق وسحب هذه الكرامة" وكم بالحري إذا كانت هذه الحركات السياسيّة والعسكريّة تستند في دعاياتها وغوغائيّاتها على مصطلحات " الكرامة الوطنيّة " ، كما قال البروفيسور أرييه كروغلنسكي من جامعة ميرلاند الأميركيّة ، الذي يؤكّد أن "الكرامة" بتشعّباتها تشكّل عاملًا هامًّا في صياغة توجّهات وسياسات في العالم على اختلاف دوله ملخّصها تبنّي أيديولوجيّات متطرّفة سياسيّة ودينيّة واجتماعيّة، تصل حدّ اعتبار أي خطوة بمثابة تأكيد للكرامة بكل ما تحمله من تميز في الحقوق، أو الحقّ في الحصول عليها، أو مسًّا بالكرامة القوميّة والوطنيّة والسياسيّة، وربما الشخصيّة لبعض القادة، وعندها يسارع كثيرون إلى محاولة استرداد كرامتهم التي مسّها الضرر، وذلك بوسائل عنيفة يعتقدون أنها السبيل الأسرع والأضمن لاسترداد الكرامة الشخصيّة أو الوطنيّة؛ وهذا ربما ما كان عليه الردّ الإسرائيلّي على هجمات السابع من أكتوبر والتي كانت في نظر الكثيرين مسًّا بالكرامة الوطنيّة اليهوديّة وسمعة الدولة وجيشها من حيث الشدّة والحدّة وما رافقه من تصريحات رسمية وفي وسائل التواصل الاجتماعيّ والإعلام، أو لنيل الحقوق، أو الشعور بالمساواة خاصة في هذا العصر الذي تحكمه شبكات التواصل الاجتماعيّ التي تشكّل مرتعًا خصبًا ودون رقابة للمواقف المتطرّفة والصور والأشرطة التي تدعم ذلك، وحصول أصحاب المواقف المتطرّفة وحتى الخطيرة على إعجاب وتشجيع (لايكات) أكثر من غيره، وهو ما يقول عنه كروغلنسكي إن الألم والإحباط والشعور بعدم المساواة او بالإهانة أو انعدام الاحترام (مثلًا، حالة اليمين والطوائف الشرقيّة في إسرائيل) يشكّل غذاءً يستمدّ منه ساسة متطرّفون تأييدهم عبر استغلال سافِر للمشاعر، ومنها مشاعر عدم الاحترام والحطّ من الكرامة؛ والأمثلة في إسرائيل كثيرة خاّصة في العقد الأخير وتحديدًا منذ العام 2019، وتكرار الحملات الانتخابيّة والخطوات الهادفة إلى الانقلاب الدستوريّ، وهي مشاعر سائدة في لبنان التي تجعل "حزب الله" يعتبر عدم الانتصار على إسرائيل مسًّا بالكرامة الوطنيّة، وبين الفلسطينيّين الذين يعيشون في الضفة الغربيّة ويعتبرون الاستيطان مسًّا بكرامتهم الوطنيّة يحول دون الحصول على استقلالهم وحقوقهم والحياة الكريمة، وكذلك في غزة خاصّة في ظلّ حركة "حماس" الدينيّة .
" التطرف يحكم غزة واسرائيل "
ختامًا: إذا كان التطرّف يحكم غزة وإسرائيل حاليًّا، رغم ما ألحقت الحرب الأخيرة بالطرفين من ويلات وخسائر بشريّة واقتصاديّة ستبقى ماثلة لعقود وعقود، ولكن أمكن منعها، وكذلك في لبنان الذي يصرّ فيه "حزب الله" على رفض نزع سلاحه، رغم ما لحق به في الحرب الأخيرة، ، فهل هناك أيّ فرصة لينعم الشرق الأوسط بالهدوء والاستقرار ، وهل هناك فرص للتعايش بسلام بين شعوبه، خاصّة وأنه من الواضح أن هناك اتجاهين متعارضين في إسرائيل، وكذلك بين الفلسطينيّين، أولهما يواصل دفع الأمور نحو مزيد من الانتقام وإخضاع، أو تدمير الطرف الآخر بشكل كامل، بينما ثانيهما يؤكّد أنه سئم القتل والدمار والإهانة، وهي نتائج الحروب المتتابعة بين إسرائيل والعرب منذ 1948 وجولات الحروب المتكررة مع غزة، وأن خيار تحقيق الانتصار بواسطة القوة العسكريّة، أو الكفاح المسلّح ليس ممكنًا، بل إنه يعني المزيد من سفك الدماء، وبالتالي حان الوقت لتكريس الجهود، وبذل الطاقات باتجاه المفاوضات من أجل السلام والتعايش واحترام متبادل للحقوق، وهي عمليّة إذا ما أريد لها النجاح فإنها يجب أن تشمل إسرائيل والفلسطينيّين على حدّ سواء وفي نفس الوقت، لأن مصير البلدين مرتبط بشكل تامّ، فلا سلام لأحدهما دون الآخر، وإلا فإن التطرّف في جانب واحد سوف يغذّي، بل يشرعن التطرّف في الجانب المقابل، ومرة أخرى سيخسر الطرفان، فلا فائز في الحرب مهما كانت النتائج على الأرض، بل يدفع ثمنها المواطن العاديّ، بعد أن يبادر إليها الزعماء دون العودة إلى شعوبهم، كما جاء في قول الفيلسوف الفرنسي أنري (هنري) برجسون: "الحرب هي تسلية الزعماء الوحيدة التي يسمحون لأفراد الشعب بالمشاركة فيها"، وهي حرب تبدأ في عقول الناس ومواقفهم فتمنح القادة شرعيّة شنّها، كما قال ميخائيل نعيمة: "الحرب لو يعلمون لا تستعر نيرانها في أجواف المدافع، بل في قلوب الناس وأفكارهم أيضًا". ويبقى السؤال المطلوب، بل الحتميّ، وهو متى تدرك الشعوب في منطقتنا أن لها كلمة عليها قولها، بل عليها الكفّ عن الانجرار وراء توجّهات متزمّتة سياسيّة ودينيّة، وألا تقبل أكثر بقيادات متطرّفة همّها الأول وربما الوحيد، البقاء الشخصيّ الفئويّ والسياسيّ تجرّها إلى المآسي والويلات.. وأقول: حان الوقت لتقول الشعوب كلمتها.. فهي التي تدفع ثمن التطرّف والتزمّت والحروب.
ختامًا: إذا كان التطرّف يحكم غزة وإسرائيل حاليًّا، رغم ما ألحقت الحرب الأخيرة بالطرفين من ويلات وخسائر بشريّة واقتصاديّة ستبقى ماثلة لعقود وعقود، ولكن أمكن منعها، وكذلك في لبنان الذي يصرّ فيه "حزب الله" على رفض نزع سلاحه، رغم ما لحق به في الحرب الأخيرة، ، فهل هناك أيّ فرصة لينعم الشرق الأوسط بالهدوء والاستقرار ، وهل هناك فرص للتعايش بسلام بين شعوبه، خاصّة وأنه من الواضح أن هناك اتجاهين متعارضين في إسرائيل، وكذلك بين الفلسطينيّين، أولهما يواصل دفع الأمور نحو مزيد من الانتقام وإخضاع، أو تدمير الطرف الآخر بشكل كامل، بينما ثانيهما يؤكّد أنه سئم القتل والدمار والإهانة، وهي نتائج الحروب المتتابعة بين إسرائيل والعرب منذ 1948 وجولات الحروب المتكررة مع غزة، وأن خيار تحقيق الانتصار بواسطة القوة العسكريّة، أو الكفاح المسلّح ليس ممكنًا، بل إنه يعني المزيد من سفك الدماء، وبالتالي حان الوقت لتكريس الجهود، وبذل الطاقات باتجاه المفاوضات من أجل السلام والتعايش واحترام متبادل للحقوق، وهي عمليّة إذا ما أريد لها النجاح فإنها يجب أن تشمل إسرائيل والفلسطينيّين على حدّ سواء وفي نفس الوقت، لأن مصير البلدين مرتبط بشكل تامّ، فلا سلام لأحدهما دون الآخر، وإلا فإن التطرّف في جانب واحد سوف يغذّي، بل يشرعن التطرّف في الجانب المقابل، ومرة أخرى سيخسر الطرفان، فلا فائز في الحرب مهما كانت النتائج على الأرض، بل يدفع ثمنها المواطن العاديّ، بعد أن يبادر إليها الزعماء دون العودة إلى شعوبهم، كما جاء في قول الفيلسوف الفرنسي أنري (هنري) برجسون: "الحرب هي تسلية الزعماء الوحيدة التي يسمحون لأفراد الشعب بالمشاركة فيها"، وهي حرب تبدأ في عقول الناس ومواقفهم فتمنح القادة شرعيّة شنّها، كما قال ميخائيل نعيمة: "الحرب لو يعلمون لا تستعر نيرانها في أجواف المدافع، بل في قلوب الناس وأفكارهم أيضًا". ويبقى السؤال المطلوب، بل الحتميّ، وهو متى تدرك الشعوب في منطقتنا أن لها كلمة عليها قولها، بل عليها الكفّ عن الانجرار وراء توجّهات متزمّتة سياسيّة ودينيّة، وألا تقبل أكثر بقيادات متطرّفة همّها الأول وربما الوحيد، البقاء الشخصيّ الفئويّ والسياسيّ تجرّها إلى المآسي والويلات.. وأقول: حان الوقت لتقول الشعوب كلمتها.. فهي التي تدفع ثمن التطرّف والتزمّت والحروب.
ولنذكر ما قاله نجيب محفوظ في الصيام لا سيّما ونحن في شهر رمضان المبارك: "صوموا عن النفاق والحقد والغلّ والشر والأذى وكسر الخواطر قبل أن تصوموا عن الطعام".
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il
من هنا وهناك
-
بين السياسة والفيزياء - قوانين مشتركة | مقال بقلم : المحامي زكي كمال
-
المحامي يوسف شعبان يكتب : كيف تعرف انك مطلوب لدى الشرطة الدولية ‘الانتربول‘؟
-
مقال: ‘ شكرا لزميلي غزال ‘ - بقلم: المحامي محمد بشير رئيس بلدية سخنين السابق
-
مقال: سياسة الرسوم الجمركيّة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتأثيرها في الاقتصاد العالمي - بقلم : إياد شيخ أحمد
-
‘ الصّلح سيّد وأهله حكماء‘ - بقلم : الشّيخ صفوت فريج رئيس الحركة الإسلاميّة
-
مقال: المنطلقات الدينية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية - بقلم : الدكتور عمر رحال
-
المحامي زكي كمال يكتب : حان الوقت لتقول الشعوب كلمتها ضدّ التطرّف والتزمّت
-
أي برقوق طعمه أطيب؟ حرب الألوان في الطبيعة
-
منير قبطي يكتب : نحو مجتمع أفضل .. دور المؤسسات في بناء مستقبل مشترك
-
مقال: ‘الإلمام في مجال الذكاء الاصطناعي- ضرورة‘ - بقلم : سامي أسعد
أرسل خبرا