‘ما بين الشهادة والوظيفة… في حقيبة لازم تجهزها! ‘ - بقلم: محمد سامي محاميد
قد تفرح بالشهادة، تُصافح الأساتذة، تُرفع قبعتك عاليًا وسط تصفيق الأهل والأصدقاء، وتُلتقط الصور بابتسامة فخر… تمرّ الأشهر، ويهدأ الاحتفال، ثم تجلس على رصيف الانتظار، لأنك لم تُدرك أن التحدي الحقيقي يبدأ عندما ينتهي حفل التخرّج.
صورة شخصية
صدقاً ، الشهادة الجامعية لحظة فخر لا تُنسى، لكنها ليست تذكرة عبور مضمونة إلى سوق العمل. ما بين لحظة استلام الشهادة، ولحظة توقيع أول عقد عمل، هناك رحلة كاملة لا يراها كثيرون.
رحلة جواز سفرها "حقيبة مهنية" مُجهّزة بكل ما تحتاجه من أدوات، فالشهادة وحدها لم تعد كافية للاقلاع. هذه الرحلة لا تعتمد فقط على ما تعلمته، بل على ما اكتسبته من مهارات، وما حضّرته من أدوات، وما فهمته عن نفسك والعالم من حولك.
أول ما ينبغي وضعه في هذه الحقيبة هو إتقان اللغة العبرية. تُعدّ اللغة وسيلة عبور حقيقية نحو فرص العمل. غيابها، حتى عند أصحاب الكفاءات، يؤدي غالبًا إلى انغلاق الأبواب. وهنا لا نتحدث فقط عن اللغة المحكية، بل عن القدرة على التعبير، والكتابة المهنية، وفهم السياقات المختلفة داخل بيئات العمل.
ثانيًا، هناك المهارات اللينة (Soft Skills)، والتي أصبحت اليوم أحد أبرز مقاييس التوظيف. مهارات مثل: التواصل الفعّال، إدارة الوقت، التفكير النقدي، العمل ضمن فريق، والذكاء العاطفي، هي عناصر أساسية للنجاح في أي مكان عمل. للأسف، هذه المهارات لا تُدرّس بشكل مباشر في معظم المؤسسات التعليمية، لكنها تُشكّل فارقًا كبيرًا عند خوض المقابلات أو العمل الحقيقي.
بالمقابل، لا يمكن تجاهل مهارات الحاسوب الأساسية، التي أصبحت اليوم مطلبًا بديهيًا في معظم الوظائف، حتى غير المكتبية منها. الإلمام ببرامج مثل Microsoft Office (الوورد، الإكسل، الباوربوينت)، ومعرفة استخدام البريد الإلكتروني المهني (مثل Gmail أو Outlook)، وتنظيم الملفات، كلها مهارات يتوقّعها أصحاب العمل دون حتى أن يسألوك عنها. كما أن الجهل بها قد يعطي انطباعًا سلبيًا، حتى لو كنت مميزًا في مجالك.
وهنا نصل إلى جانب آخر لا يقل اهمية؛ التحضير لمقابلات العمل. المقابلة لم تعد مجرد استعراض للمعلومات، بل أصبحت مساحة لعرض الذات بشكل ذكي، متّزن، وواعٍ. التحضير المسبق، فهم طبيعة المؤسسة، والتدرّب على كيفية تقديم النفس، كل ذلك يرفع من فرص القبول بشكل كبير.
أما العنصر الرابع في الحقيبة، فهو تسويق الذات. سيرتك الذاتية، ملفك الرقمي، طريقة تواصلك … كلها أدوات تعكس من أنت، وماذا تملك، وكيف ترى نفسك. وهنا ننصح الشباب بأن يتعلّموا كيف يكتبون عن أنفسهم بلغة مهنية، صادقة، ولكن أيضًا ذكية وجذابة.
ومن المقومات المهة ايضا بناء العلاقات (Networking). العديد من الوظائف لا يتم الإعلان عنها أبدًا، بل يتم تداولها داخل شبكات العلاقات الشخصية والمهنية. لذلك، فإن حضور اللقاءات، المشاركة في ورش العمل، وتكوين علاقات حقيقية مع أهل المجال، هو استثمار لا يقل قيمة عن الشهادة الجامعية.
ثم نأتي إلى سؤال جوهري اهمله الكثير: كم من شبابنا يخضع لاختبار علمي لتحديد ميولهم المهنية والشخصية؟ معرفة ميولك ليست رفاهية، بل خطوة أساسية في اتخاذ قرار مهني ناضج. الكثير من الطلاب يقعون في خيارات لا تُناسبهم، فقط لأنهم لم يعرفوا أنفسهم بعد.
وأنت تجهّز حقيبتك، تذكّر أن أكبر عائق قد لا يكون نقص المهارة، بل البقاء في دائرة الراحة. منطقة الراحة جميلة لكنها تخدعك. من السهل أن تبقى حيث أنت، تردّد: "بكرا ببدأ"، أو "مش وقتها". لكن النجاح لا ينتظر، والخطوة الأولى لا تأتي وحدها. الجرأة على التجربة، على التعلم، على ارتكاب الأخطاء — كلها علامات على أنك حيّ مهنيًا، وعلى الطريق.
لا تفكّر خارج الصندوق قبل أن تُرتّب ما بداخله. ترميم الداخل هو بداية الطريق. ثق بنفسك، حدد وجهتك، وامنح نفسك فرصة لتعرف قيمتك قبل أن تطلب من السوق أن يعرفك. رحلة العمل ليست سهلة، لكنها تصبح أكثر وضوحًا كلما حملت حقيبتك بالوعي، لا فقط بالأوراق.
من هنا وهناك
-
رأيٌ في اللغة .. يا شاعرَ النّيل، كم ذا ظُلمتَ!؟ - بقلم: د. أيمن فضل عودة
-
مقال: يحفظونه من أمر الله - بقلم : الشيخ عبد الله عياش
-
‘ميسون أسدي: غيابٌ لا يغيب‘ - بقلم: رانية مرجية
-
مقال: الشّيخ عبدالله نمر درويش: حكمة الدّعويّ وحنكة السّياسي - بقلم: الشيخ د. كامل ريان
-
مقال: من الفكرة إلى الجريمة: كيف يعيث المستوطنون فسادًا في الضفّة الغربيّة؟ بقلم : الشيخ صفوت فريج
-
يوسف أبو جعفر يكتب: حتى نلتقي .. ماذا بعد ؟
-
هل وقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيليّة الإيرانيّة استراحة محارب؟
-
رأي في اللغة 6 : بين الصدر والأصْدَرَين | بقلم: د. أيمن فضل عودة
-
‘عندما تتعثر الكلمات: تأثير حالات الطوارئ على التأتأة في مرحلة الطفولة المبكرة‘ - بقلم: أفنان بكرية
-
المحامي علي أحمد حيدر يكتب: في ظلّ الحرب الشرسة والعنصرية المتجذرة
أرسل خبرا