قصة بعنوان ‘من الحب نصنع مستقبلا زاهرا‘ - بقلم: الكاتبة اسماء الياس
كان عامر كل يوم يأخذ كلبه لكي يتنزه في البرية. عامر هو الابن الوحيد لوالديه، لقد منت عليهم الحياة بعد عشر سنوات من العلاج، لم يتركوا وسيلة علاج إلا وجربوها. فقد نصحهم طبيب يداوي بالأعشاب بنوع من الأعشاب،
الكاتبة أسماء الياس - صورة شخصية
قام بتجربتها على عدة حالات من النساء اللواتي وصلن عنده بحالٍ من اليأس الشديد.
قام بعدة تجارب فاشلة حتى بالأخير استطاع أن يجد المكون الذي يساعد بعلاج العقم عند النساء اللواتي يشكين من تأخر الحمل لديهن.
قام الطبيب بتجربة هذا الدواء المصنوع من الأعشاب على عدة نساء عانين نفس المشكلة: التأخر بالإنجاب.
ومنهن سليمة التي عانت من نفس المشكلة. رغم أنها جربت الكثير من العلاجات وزرع الأجنة، لكن كل هذا لم يفدها بشيء، حتى جاء اليوم الذي سمعت عن الطبيب من إحدى النساء اللواتي شاركن بدورات التنمية البشرية معها.
مع المدرب للتنمية البشرية ابن بلدتهم حنا فهمان. فقد نصحتها صديقتها غادة بالذهاب والاستماع إليه. ربما أعاد لها الهدوء النفسي التي تحتاجه. وهو الذي يمتلك قدرات لا يمتلها غيره من المدربين.
وفي إحدى الأيام عندما شكت سليمة لصديقتها غادة عن تأخر حملها، وبأنها جربت الكثير من العلاجات لكن لم تستفد من أي علاج. نصحتها غادة بالذهاب لطبيب الأعشاب المعروف الذي ساعد الكثير من النساء اللواتي كانت لديهن صعوبة بالحمل والانجاب.
استمعت سليمة لنصيحة غادة وذهبت إلى ذلك الطبيب.
جربت العلاج وبعد شهر حصل الحمل. في البداية لم تصدق بأن ما تشعر به يدل بأنها حامل. وحتى تتأكد تمامًا ذهبت عند الطبيب حتى تقوم بالفحص المخبري.
وعندما جاءَت النتيجة بالإيجاب فرحت جدا وشكرت الطبيب لأن بفضل العلاج الذي قدمه لها أصبحت حاملًا.
حذرها الطبيب بأن تأخذ بالها من حملها حتى يستقر ولا يعود عليه أي خوف.
سليمة حرصت جدًا على تعليمات الطبيب ونفذتها بحذافيرها. فهو الطفل الذي ترجته من الحياة، وقاست من أجله حتى بالأخير تضمه بين يديها وتطعمه وتربيه حتى يكبر أمامها ويصبح شابًا يملأ القلب والعين.
وبعد انتهاء أشهر الحمل جاء عامر للحياة رغم الم الولادة وصراخ المولود، لكن عيني سليمة كان فيهما الفرح الشيء الكثير. كيف لا وقد تحقق حلمها أن يصبح لديها طفلاً تربيه وتعطيه من الحب والرعاية حتى يكبر أمام عينيها.
لكن يا ترى هل كان عامر يعلم بانه جاء لعالم مات فيه الحب؟
عالم قاسٍ لا يرحم ضعيفًا، يتقاتلون على اسباب تافهة. لماذا لا يتركون القتال ويتمتعون بما أنعمت عليهم الطبيعة من نِعَمٍ؟
لكن مجيء عامر غير حياة والديه. رغم كل الأحداث التي نسمع عنها بنشرات الأخبار. حرب هنا وقتال هناك، نزاعات لا تنتهي وشعور بالخوف من كل الذي يحصل.
لكن رغم كل الذي يحصل من معارك وحروب لا أحد يعلم متى تنتهي، مجيء عامر جعل للحياة معنى ومغنى.
وجعل كل شيء في البيت تنبض به الحياة.
فرح كل من عرف هذه العائلة وسمع قصتهم ومعاناتهم طوال عشر سنوات من العلاج المستمر حتى منت عليهم الطبيعة بهذا المولود الجميل.
لكن فرحة والديه أكبر مما يتصورها أي عقل بعد كل هذا العناء والانتظار جاء عامر حتى يملأ حياتهم سعادة تغمر جنبات بيتهم.
كبر عامر في بيت محب، بيت يقدر الحياة ويحترمها. لكن رغم خوف والده عليه لكن والدته كانت الأكثر خوفًا عليه.
كيف لا تخاف عليه وقد جاء بعد معاناة وانتظار كبيرين. لذلك كانت ترافقه بشكل دائم للمدرسة، تأخذه صباحًا وتعيد للبيت عصرًا.
تعلق الوالدة بولدها جعل لديها وسواس قهري، خوفًا من أن يصاب بأي أذى. لذلك كانت حريصة عليه بشكل لازمته بكل لحظة من لحظات حياته.
رافقته لكل مكان يذهب إليه، عملت جاهدة بأن لا يصاب بأي أذى.
سبب خوفها وحرصها الشديدين على عامر، لأنه وحيد ولأنها تعبت حتى أنجبته. ولأنه الضوء الذي أضاء حياتهم. كل هذا طبيعي وشرعي، وخاصةً ونحن نعيش في وضع بائس لا نحسد عليه.
هذا الشيء أزعج الكثير من الطفوليين الذين كانوا يراقبونها لدرجة تدخلوا بما لا يعنيهم.
لكنها ظلت على عنادها وبررت موقفها بأن سبب خوفها على ولدها المشاكل والوضع السائد الذي لا يبشر بالخير. وأكملت حديثها بأن ما يحدث في البلاد من حالات عنف وقتل. اليس هذا سببًا كافيًا حتى أكون حريصة على ولدي الذي ترجيته من الدنيا؟
عندما استمعوا لرأيها تراجعوا عن تدخلهم، وقالوا لها بأنها صادقة بكلامها. لأن الوضع بالفعل مخيف ولا يؤتمن له.
وهكذا داومت سليمة على مرافقة ولدها عامر لكل مكان يذهب إليه، حتى كبر واشتد عوده ولم يعد بحاجة لحراسة تلازمه. فوالدته علمته كيفية مواجهة الأخطار، والابتعاد قدر الإمكان عن السيئين المتواجدين بعالمنا.
تعلم أيضًا من والدته بأن الحرص واجب، وعلى كل إنسان يجب أن يفرق بين من يريد لك الخير ومن يريد لك الشر.
هذا الشيء لا نتعلمه بالمدارس بل بالتربية.
وقد قال الشاعر حافظ ابراهيم "الامُ مدرسةٌ إذا أعددتها أعددتَ شعبًا طيب الأعراق".
وهكذا تربى عامر في بيت محبّ ٍ يراعي مشاعر الغير
من هنا وهناك
-
ركن أبي إسلام | قصة قصيرة بقلم : محمد سليم أنقر مصاروة
-
قصة بعنوان ‘الخوف ان تفرغ البلاد من أهاليها‘ - بقلم: الكاتبة اسماء الياس من البعنة
-
‘ لقد أحببت الهاوية كثيرًا ‘ - بقلم : رانية مرجية
-
‘يُقْلِقُنِي فِي هَذهِ الأيّام ‘ - بقلم : الشاعر كمال إبراهيم
-
قصة بعنوان ‘الهروب العكسي‘ - بقلم: الكاتبة اسماء الياس من البعنة
-
قصيدة ‘من بعدِهَا القلب لا يصبو إلى أحد‘ - بقلم : الدكتور حاتم جوعية
-
همساتٌ إيمانيّة - بقلم : معين أبو عبيد
-
‘ حكايةُ لنا وطفلها ‘ - بقلم : أسامة شيخ علي
-
‘ الدِّيك وابن الحرام ‘ - قصة بقلم : سعيد نفاع
-
معهد أبي اسلام للتفوق | قصة بقلم: محمد سليم أنقر - الطيبة
التعقيبات