في جميع النواحي! «سيدتي» التقت اختصاصياتٍ في شؤونِ الأسرة والمجتمع، وطبيبةَ نساءٍ وولادةٍ، وسألتهن عن أسبابِ هذه التحوُّلات الأسريَّة، وآثارها المجتمعيَّة.
الدكتورة لمياء بنت عبدالمحسن البراهيم: الأعراف الاجتماعية تغيّرت
أوضحت الدكتورة لمياء بنت عبدالمحسن البراهيم، استشاريَّةُ طبِّ الأسرة، أن هناك اختلافاً كبيراً في العائلةِ بين الماضي واليوم. تقولُ عن ذلك: «حالياً، نشهدُ اختلافاً في القيمِ الأساسيَّة بالأسرة. في الماضي كانت القيمُ العائليَّة، ترتكزُ بشكلٍ كبيرٍ على الطاعة المُطلقة للكبارِ في الأسرة، والاحترامِ التقليدي القائمِ على التراتبيَّة بين الأجيال، لكنْ مع تطوُّر المجتمعات، وظهورِ تيَّاراتِ العولمة والتقنيَّات الحديثة، تحوَّلت القيمُ نحو الفرديَّة، وبدأت الأسرةُ تتبنَّى نموذجاً أكثر توازناً، يقومُ على الحوارِ، والمشاركة. هذه التحوُّلاتُ أثَّرت إيجاباً عبر فتحِ قنواتٍ للتفاهم بين أفرادِ الأسرة، لكنَّها في حالاتٍ أخرى أضعفت مفهومَ الالتزامِ الجماعي».
وتضيفُ: «الأعرافُ الاجتماعيَّة، تغيَّرت. مثلاً التحوُّلاتُ الاقتصاديَّة والثقافيَّة، بدَّلت الأعرافَ المتعلِّقة بالزواجِ والطلاقِ في الماضي. كان الزواجُ، يُنظَر إليه بوصفه مؤسَّسةً، تستندُ إلى القيمِ الاجتماعيَّة بغضِّ النظرِ عن توافقِ الطرفَين! بينما أصبح اليوم مبنياً أكثر على الشراكةِ والتفاهم. أمَّا الطلاق، فارتفعت أخيراً نسبه نتيجةَ تغيُّر المفاهيمِ حول الاستقلاليَّة، والحقوقِ الفرديَّة، ما أثَّر سلباً في استقرارِ الأسرة، لكنَّه في المقابل، قدَّم مخرجاً صحياً للأسرِ غير المستقرَّة».
وعن دورِ الأسرةِ في المجتمع، تذكرُ البراهيم: «الأسرةُ، هي المدرسةُ الأولى التي يتلقَّى فيها الأبناءُ القيمَ والمبادئ. في ظلِّ التحوُّلات الحاليَّة، بات من الضروري أن تتبنَّى الأسرةُ تربيةً قائمةً على غرسِ قيمِ المواطنةِ الصالحة في نفوسِ أبنائها، مثل التسامحِ، واحترامِ التنوُّع، وحبِّ الوطن. هذا يتطلَّبُ جهوداً متواصلةً لمواءمةِ القيم التقليديَّة مع متطلَّبات العصرِ الحديث». وتزيدُ: «لطالما كانت الأسرةُ مصدراً للدعمِ العاطفي والمادي لأفرادها. في الماضي، كان هذا الدورُ أكثر وضوحاً بحكم الترابطِ الكبيرِ بين أفراد الأسرةِ الممتدَّة، أمَّا اليوم، ومع تفكُّك هذا النموذجِ لصالحِ الأسرة النوويَّة، فقد أصبح الدعمُ أكثر مسؤوليَّةً، وفردياً بين الآباءِ والأبناء، ما يتطلَّبُ من الأسرةِ تطويرَ مهاراتِ إدارة الأزمات، وتوفيرَ الدعمِ النفسي لمواكبة تحدِّيات العصر».
وتوضحُ الاستشاريَّة، أن «الأسرةَ الحاضنُ الأوَّل للتراثِ الثقافي والاجتماعي، إذ تنقلُ العاداتِ والتقاليدَ من جيلٍ إلى آخرَ، وعلى الرغمِ من تأثيرِ وسائلِ الإعلام والعولمة في بعض الجوانبِ الثقافيَّة إلا أن الأسرةَ قادرةٌ على استغلالِ التقنيَّات الحديثة لتعزيزِ الهويَّة الوطنيَّة مثل توثيقِ القصصِ العائليَّة، وتعليمِ اللغةِ الأم، وإحياءِ المناسباتِ الثقافيَّة والدينيَّة بشكلٍ يعكسُ التراث الأصيل».
وتختتمُ حديثها بالتطرُّق إلى العائلةِ السعوديَّة. تقولُ: «الأسرةُ السعوديَّة اليوم أمام تحدِّياتٍ، وفرصٍ كبيرةٍ، فالتحوُّلاتُ الاجتماعيَّة والثقافيَّة، فتحت أفقاً جديداً لتحسين ديناميكيَّات الأسرة، وتعزيزِ دورها في بناءِ مجتمعٍ متماسكٍ. مع ذلك، يتطلَّبُ الأمرُ وعياً أكبر لدورها بوصفها ركيزةً أساسيَّةً لتحقيقِ التوازنِ بين الماضي والحاضر، والحفاظِ على منظومةِ القيم التي تدعمُ استقرارَ المجتمع».
ريهام الصافي: التكنولوجيا أثَّرت في الأسرةِ كثيراً
تحدثت الاختصاصيَّة الاجتماعيَّة ريهام الصافي، فاستهلَّت حديثها بعبارة «كبرت المنازلُ، وصغرت الأسر»، شارحةً ذلك بالقول: «قديماً، كانت الأسرة، تأخذُ شكلها التقليدي فالمرأةُ ترعى المنزلَ والأبناء، بينما يعملُ الرجلُ لتوفيرِ كافَّة المتطلَّبات للزوجةِ والأبناء، أمَّا الآن فقد اختلف شكلُ الأسرة، إذ أصبح الزوجان يعملان، ويتقاسمان المصاريف، ما ترتَّب عليه اختلافاتٌ جوهريَّةٌ، من ذلك تناقصُ عددِ الأطفال، فعملهما، وقلَّةُ الوقتِ بينهما، جعلا من الإنجابِ بكثرةٍ أمراً صعباً. أيضاً نلحظُ اليوم غيابَ اللمَّة العائليَّة التي تعوَّدنا عليها في مجتمعنا العربي، إذ أصبح التجمُّع العائلي، يقتصرُ فقط على المواسمِ والإجازات. وأذكرُ كذلك اختلافَ الثقافاتِ في الحياة، ما أدى إلى انعدامِ مفهومِ المبدأ عند الأسرةِ الواحدة، وقلَّة التوجيه لقلَّة وجود الوالدين في المنزل، ليصبح مستشارُ الأولادِ الأوَّل الصديقُ، أو التكنولوجيا سواءً في حلِّ المشكلات، أو توجيه الأسئلة».
وتستطردُ الصافي: «التكنولوجيا أثَّرت في الأسرةِ كثيراً، إذ أصبح التواصلُ بين أفرادها أقل لقضاءِ كلٍّ منهم وقتاً طويلاً على الأجهزةِ الإلكترونيَّة بدلاً من التفاعلِ المباشر. كذلك الحالُ مع التعليمِ والتربية حيث تغيَّرت أساليبهما مع مرورِ الوقت، وأصبح التركيزُ أكبر على التعليمِ الأكاديمي مقارنةً مع القيمِ والأخلاق. ولا أنسى الضغوطَ الاقتصاديَّة فقد ازدادت على الأسرة، ما جعل من الصعبِ تحقيقَ التوازنِ بين العملِ والحياة العائليَّة، وينطبقُ الأمرُ على الصحَّة النفسيَّة فمع تزايدِ الضغوطِ والمسؤوليَّات، برزت الصحَّة النفسيَّة لأفرادِ الأسرة بوصفها موضوعاً ملحاً، يجب الاهتمامُ به». وتشيرُ إلى أن «دورَ الأجدادِ في الماضي، كان كبيراً في تربيةِ الأطفال، لكنْ هذا الدورُ تراجعَ مع تغيُّر أنماطِ الحياة».
وحول أهميَّة تعزيزِ الروابط الأسريَّة، تجيبُ الاختصاصيَّة: «هناك ضرورةٌ لزيادةِ التواصلِ العاطفي بين أفرادِ الأسرة للحفاظِ على الروابطِ العائليَّة. لكلِّ أبٍ وأمٍّ، أقولُ: أبناؤكم معكم الآن، لكنْ ستشغلهم الحياةُ غداً، وما زرعتموه اليوم، ستحصدونه غداً، وكما قال الشاعرُ أحمد شوقي: ليس اليتيم من انتهى أبواه من همّ الحياة وخلَّفاه ذليلاً، إنَّ اليتيم هو الذي تلْقى لهُ أماً تخلَّت أو أباً مشغولاً».
الدكتورة زينب العزاوي:توجه متزايد لتأخير الحمل بين الطفل الأول والثاني
من جهتها، تؤكِّدُ الدكتورة زينب العزاوي، استشاريَّة الأمراض النسائيَّة والتوليد، أن «العائلةَ الصغيرة، أصبحت الأكثر شيوعاً في الوقتِ الحاضرِ بسبب الظروفِ الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي رتَّبت على الأسرةِ زيادةً في تكاليفِ المعيشة، بالتالي أصبحت المرأةُ تشارك زوجها في العمل، وهذا أثَّر في توقيتِ الإنجاب، وعددِ الأبناء. كذلك إتاحةُ وسائلِ تنظيم الأسرة، وسهولةُ الوصولِ إليها». وتقولُ: «من الأسبابِ أيضاً، أن تأخيرَ الحمل، وتجميدَ البويضات، أصبحا متاحَين وشائعَين بين النساءِ لرغبةِ المرأةِ في تحقيق أهدافها العلميَّة والمهنيَّة قبل التفكيرِ في الزواج والإنجاب، وبحثها عن الاستقرارِ المادي والعاطفي بغية توفيرِ ظروفٍ مثاليَّةٍ للإنجاب. وخوفاً من المشكلاتِ الصحيَّة المرتبطةِ بالحمل المتأخِّر، تلجأ النساءُ لتجميدِ البويضات بوصفه إجراءً احتياطياً».
وتضيفُ: «هناك توجُّهٌ متزايدٌ لتأخيرِ الحملِ بين الطفلِ الأوَّل والثاني بسبب التخطيطِ الأسري والمالي، ولمنح الطفلِ الرعايةَ الكاملة قبل التفكيرِ بإنجابِ الثاني، وازديادِ الوعي حول أهميَّة الفاصلِ الزمني بين الولاداتِ لضمان صحَّة الأمِّ والطفل». وتزيدُ الاستشاريَّة: «تشهدُ العائلةُ تغيُّراتٍ كبيرةً نتيجة التحوُّلات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، وتطوُّر التفكير بدورِ المرأة في المجتمع. حالياً، أصبح قرارُ الإنجاب مدروساً، ويتأثَّر بالعواملِ المجتمعيَّة المحيطة، إذ تسعى المرأةُ إلى تحقيق التوازنِ بين دورها بوصفها أماً وطموحاتها الفرديَّة». واختتمت العزاوي حديثها بتقديمِ نصائحَ للنساء قائلةً: «يجبُ على المرأةِ التخطيطُ بشكلٍ مدروسٍ للموازنةِ بين طموحاتها المهنيَّة والشخصيَّة، وخططها العائليَّة، واستشارةُ طبيبٍ للتأكُّد من الخياراتِ الصحيَّة المتاحة لتوقيتِ الحمل وتجميدِ البويضات، والتواصلُ مع الشريكِ لمناقشةِ الظروف الخاصَّة بالأسرةِ وعددِ الأطفال».
تصوير ShutterstockAi