صورة للتوضيح فقط تصوير: Studio Romantic-shutterstock
إجراء المزيد من الأبحاث لتقليل عبء الرعاية واكتشاف تدخلات أكثر فعالية لتعزيز النتائج الإيجابية للأشخاص الذين يعيشون مع أطفال مصابين باضطراب طيف التوحد.
ذلك أن أداءهم اليومي الضعيف يترك تداعيات كبيرة على أسرهم التي تسعى جاهدة لإدارة الطفل والتغيير من روتينها، للتعامل مع مرض ما زال يشكل وصمة عار في المجتمع، بينما يضحي الآباء والأمهات بالكثير للحصول على العلاج المهني من أجل تقليل تأثير الضغوطات على الأسرة وعلى الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد.
إليكم بعض التجارب المعاشة واستراتيجيات التأقلم للأسر التي تعيش مع طفل مصاب باضطراب طيف التوحد، والتي تقدم رؤى فريدة ومتعمقة من الأسر. كما روتها الأمهات اللواتي يعشن هذه التجربة.
تجربة أم: ابني المصاب بالتوحد ينتظر شريكة حياته
السيدة علياء والدة شاب مصاب باضطراب طيف التوحد، تجيب على أسئة الآخرين الذين يستفسرون عن تجربتها، لمعرفة كيف تمكنت من تجاوز الأمر والأهم من ذلك، كيف أصبح ابنها الآن، بعد 30 عاماً من الجهد في التربية.
ابني بخير
تبدأ علياء برواية قصتها قائلة: "ابني بخير. نحن فخورون به، وبنفسنا، للتقدم الذي أحرزناه في هذه الرحلة معاً.
ابننا طالب جامعي وموظف وأخ وابن أخ وابن عم وحفيد. ويسعدني أن أقول إنه لديه بعض الأصدقاء الجيدين، إنه قارئ نهم ومحب للكلاب ومولع بالتاريخ ومثله كمثل أي شخص آخر، فهو من عشاق الرياضة، ويتعامل مع الأرقام وتذكر الإحصائيات الرياضية بشكل مثير للدهشة".
تعود علياء بذاكرتها إلى أيام ولادتها، إذ تقول: "مثل أغلب الآباء والأمهات الجدد، كنا في غاية السعادة مع طفلنا الجديد، وقد امتلأنا بالآمال والأحلام لحياته وسعادته. لقد حاولنا أن نفعل كل شيء على النحو الصحيح وأن نتابع المعالم المحددة لطفلنا الصغير. الطعام الأول، والخطوات الأولى، والكلمات الأولى، حتى ظهرت عليه تأخر علامات النمو، ثم أصبحت المشكلات واضحة بشكل متزايد.
مهارات لغوية ضعيفة
كانت مهارات ابننا اللغوية بطيئة، ما جعل التواصل مع الآخرين بشأن احتياجاته ورغباته أمراً محبطاً وصعباً، وهذا أدى بدوره إلى عزلته بشكل متزايد عن الأطفال الآخرين. كان يريد التواصل لكنه لم يكن جيداً في ذلك. لقد خضعنا لتقييمات مختلفة ونتيجة لذلك، أدخلناه إلى مركز للتدخل المبكر ومرحلة ما قبل المدرسة الخاصة، ثم خدمات إضافية في المدرسة، على الرغم من أنه كان طفلاً ذكياً وقادراً في كثير من النواحي، إلا أننا كنا قلقين بشأن إحباطه المتزايد ووحدته. وأدركنا أنه يتوق إلى تكوين صداقات، لكنه لم يكن يمتلك المهارات الأساسية اللازمة للانخراط في أنواع العلاقات التي رآها من حوله. لم نكن نستطيع إلا أن نتخيل حزنه وشعوره العميق بالعزلة.
التشخيص المؤلم
في نهاية المرحلة الابتدائية، تم تشخيص إصابتنا باضطراب طيف التوحد. وخلال هذه الفترة، كانت هناك علاجات وبرامج ومعسكرات ومناهج دراسية وتقييمات وخطط تعليمية فردية. كنا نعرف جميع المعلمين المتخصصين في مجال التربية الخاصة في بلدتنا، والعديد من الأطباء، ورغم غياب أي مجتمع حقيقي من الأسر مثل مجتمعنا ــ لأن أحداً لم يتحدث عن مرض التوحد في ذلك الوقت ــ بذلنا كل ما في وسعنا لمساعدة ابننا على التعلم والنمو والمشاركة في الأنشطة، مثل الأطفال الآخرين. وفي مكان إقامتنا، حيث يتطلب الأمر الكثير من المهارات، حتى تتمكن من اللحاق بالركب، عجزنا عن تحقيق أي تقدم عاماً بعد عام. وفي الغالب شعرنا بالوحدة في كفاحنا، وكنا خائفين من المستقبل. ولم تكن هناك موارد أو أبحاث لمساعدتنا على معرفة ما الذي نتوقعه بعد ذلك، أو حتى ما الذي نأمله بشكل واقعي.
سنوات المراهقة
لقد جلبت سنوات المراهقة تحديات إضافية تتمثل في ارتفاع مستويات الهرمونات ونمو القامة بسرعة، فضلاً عن الارتباك والإحباط بشأن جميع الجوانب الاجتماعية للحياة. لقد كان الأمر صعباً في كل الأحوال. وبعد مرور فترة قصيرة على المدرسة الثانوية، وفي أوائل العشرينيات من عمر ابننا، بدأنا نلاحظ شعوره المتزايد بذاته. كان يعرف بعض نقاط قوته وكان مدركاً تماماً لحدوده، لكنه كان لديه بعض الأفكار المتطورة عما يريده لنفسه شخصياً، كانت الكلية واحدة من تلك الأشياء، إلى جانب مكان خاص به، حتى أنه كان يرغب بإيجاد شريكة حياته، هذه رغبات أساسية جداً، مما يريده أي منا لحياته الخاصة ولأطفاله. ومع ذلك، ما لم تسع فلن تجد غالباً الآمال والأحلام الأساسية، تتحقق في محيطك الاجتماعي.
سنوات الجامعة
في النهاية، التحق بكلية مجتمع، حيث يأتي الطلاب من جميع الظروف ولكنهم يريدون نفس الشيء في الأساس: الحصول على درجة علمية. كان اختيار الفصول الدراسية والتسجيل فيها عملية يجب التعامل معها. كانت جداول الفصول الدراسية والأساتذة الجدد ومزيج الطلاب الآخرين كلها تجارب جديدة. وكان التنقل تحدياً كبيراً. ورغم ذلك فقد تحدى المواقف، ومع أنه بقي لسنوات أكثر في الجامعة، إلا أنه تخرج بدرجة الزمالة وهو يواصل دراسته للحصول على درجة البكالوريوس في كلية مدتها أربع سنوات.
يعيش ابني الآن بمفرده، ويستخدم وسائل النقل العام للذهاب إلى حيث يحتاج، ويشتري أغراضه بنفسه، ويعتني بشقته في أغلب الأحيان، ويضع راتبه في البنك، ويغسل ملابسه، بل ويغير ملاءات السرير ويعيد ما لديه من أغراض قابلة لإعادة التدوير. وهو يقدر أسرته وأصدقاءه، ويظل على اتصال بهم، ويحترم التزاماته، وهو مرح، وصريح إلى حد مؤلم في بعض الأحيان، ومباشر دائماً. وهو يتمتع بمنظور متنامٍ للحياة ويشارك نفس المخاوف التي يشعر بها كثيرون منا بشأن اتجاه أمتنا والعالم.
ماذا حققنا؟
تتابع السيدة علياء قصتها: "لقد كان الجدول الزمني والمعالم التي حققها ابننا مختلفاً عن غيره، ولكنه يتقدم في حياته. نحن فخورون به وبهويته. مثل العديد من الشباب الآخرين، فهو يعمل على تحويل أحلامه إلى حقيقة يوماً بعد يوم.
إنه يعيش في الحاضر، ويقول لي في كثير من الأحيان: "خصص وقتاً لنفسك وحاول القيام بشيء ممتع اليوم، فأنت تستحق ذلك لأنك تعمل بجد". بالتأكيد هناك الكثير من الحكمة في ذلك.
نحن نشعر بالارتياح لأننا وصلنا إلى هذه المرحلة، وأننا نعيش في الحاضر ونتطلع إلى المستقبل. وما زلنا جميعاً نأمل في أن يرزقنا الله بشريكة حياته التي تفهمه".
6 أعراض للتوحد عند المراهقين انتبهي إلى علاماتها
تجربة أم: ميّزت بين الشقاوة وعدم المسؤولية
كانت رحلة التشخيص، لابن السيدة ربى، طويلة ومؤثرة ومليئة بالتناقضات، كما تقول، فقد واجهت الكثير من المتخصصين الذين قدموا آراءً مختلفة. وحتى عندما أتتها رسالة تقول إن ابنها مصاب بالتوحد جاء في الرسالة إنه بطيء التعلم، لكن حتى الأطباء لم يدركوا آنذاك إنه مرض التوحد.
أنا والمال
تروي السيدة ربى حالة ابنها قائلة: "استغرق التشخيص عامين بعد العديد من المشاورات مع المتخصصين في مجال الصحة. كان زوجي غاضباً من المتخصصين بسبب التشخيص المتأخر، وشعرت أن هؤلاء الأطباء لم يتوصلوا إلى أي شيء، حتى لجأت للقطاع الخاص، وحصلت على المساعدة الطبية على حسابي الخاص، هل يمكنكم التفكير بي لو أنني لم أكن أمتلك المال؟
كان للمواقف المهنية تأثير عميق على الآباء. فقد سألني مرة طبيب الأطفال: لماذا لا يمكنك تأديب طفلك، مما أدى إلى تفاقم الموقف المجهد بالفعل، رغم ذلك فإن المهنيين المتعاطفين والمتمرسين قدموا لنا الدعم أثناء الرحلة. كانوا متصلين عاطفياً ومتعاطفين ومطمئنين وداعمين لنا. لقد فهموا التأثير، وضخامة ما يعنيه [اضطراب طيف التوحد]، لكننا مازلنا مضطرين للدفاع عن أنفسنا. وقد كان واضحاً أنه حتى المهنيين أنفسهم يفتقرون إلى المعرفة الكافية حول الطريق إلى الأمام. وقد كنت أستشير طبيباً نفسانياً لمدة عامين، ولم أتلق أي توجيهات بشأن التعليم، وتوجهت بشكل مستقل إلى مدرسة لوضع طفلي، فوجدنا أنفسنا بحاجة لدعم وعناية كبيرين، حتى نتمكن من التقدم.
الإنكار والاكتئاب
أثار تشخيص اضطراب طيف التوحد مشاعر سلبية من الصدمة واللوم والإنكار والاكتئاب، مما تركنا أنا وزوجي منزعجين من حجم الموقف. لقد دخلت في حالة اكتئاب شديدة، اعتدت أن أتعرض لنوبات هلع،). كنت أفكر بالانتحار حتى شعرت بالارتياح لأنني فهمت سلوك طفلي وتمكنت من المضي قدماً. صرت أعلم أنه ليس طفلاً شقياً بل هو ليس مسؤولاً عن تصرفاته، ذلك أن التفسيرات الثقافية لاضطراب طيف التوحد التربية غير الفعالة أدت إلى سوء الانضباط، الأمر الذي أحبطنا وأغضبنا. ولأنه لم تكن هناك إعاقة ظاهرة، فقد تعززت فكرة سوء الانضباط، ثم أنجبت ثلاثة أطفال، والاثنان الآخران منضبطان بشكل جيد. هل يمكنكم أن تتصوروا حقاً أن الأمر يتعلق بالانضباط؟
تعرض الطفل للإساءة
تفضل بعض الثقافات الانضباط المجتمعي، وبالتالي تعرض الطفل للإساءة. إذا أساء الطفل التصرف، فهذا يشبه عدم تعليمه كيفية التصرف بشكل صحيح، أعلم أنه يمكن إساءة معاملته، وقد كنا محبطين من الممارسات الثقافية، فبعض العائلات تجنبت دعوته لحفل يوم ميلاد ابنها مثلاً، وانتهى الأمر بابني إلى عدم الذهاب إلى هناك، لأنهم راحوا يبررون مرضه بنوع من السحر؟ فيما اعتقدت عائلات أخرى أن الطفل كان هدية من الله، وأن الله أعطاني طفلاً مميزاً آخر.
تركت العمل
لقد أحدث العيش مع اضطراب طيف التوحد تغييرات إيجابية وسلبية بالنسبة لي ولزوجي، في حين بقي هو يمد العائلة بالموارد الكافية للمنزل، ضحيت أنا بوظيفتي، لقد تركت العمل وأنا في ذروة حياتي المهنية ومع ذلك، كان هناك مكسب شخصي، من خلال النمو العاطفي والروحي. وقد طغى هذا على التضحيات وبدأت أنظر إلى الحياة بشكل مختلف وأقدر قيمتها. تغيرت شخصيتي وصرت مثابرة ومتسامحة، رحومة وصبورة لا أفقد الأمل، لقد جعلني [اضطراب طيف التوحد] أقوى للتعامل مع طفل، مع العديد من التحديات المختلفة لقد تعلمت تقدير الأطفال.
وعلى الرغم من المكاسب الإيجابية، لكنني كنت اكافح كي يتقبل الآخرون ابني، وصرت أتصور مشقة الأمر لو لم يكن لدي زوج يدعمني، لقد رأيت أمهات في هذا الوضع، ليس لديهن دعم زوجي لمواجهة الحقائق الصعبة، بالنسبة لي وجدت السعادة في الإنجازات الصغيرة التي كانت تعتبر إنجازات ضخمة. في يوم من الأيام، إذا تمكن من الخروج وحده فقط تعلم نطق اسمه، فسيكون ذلك إنجازاً هائلاً، حيث تم استبدال التوقعات الأكاديمية بالحاجة إلى الاستقلال في أنشطة الحياة اليومية للطفل لتعديل حياة الأسرة. لكنني مازلت قلقة بشأن مراهقته، وإحساسه برجولته.