وجدت نفسي هذا الصباح أجلس متأهبًا كي أدرك الوقت فلا نخرج ببيان اعتذار عن الكتابه هذا الأسبوع وأدركت أن علي وضع مقالة احتياط في درجي لحالات الطوارئ. ولأن المقدمة لا تتبع المقالة إلا لندرك من خلالها كيف تغلبنا الاحداث فلا بأس أن نعيش الواقع وليس الوهم.
زعموا أن ضيفًا حل على قوم لا يعرفه أحد، كان الضيف شديد الملاحظة يراقب الجميع نادرًا ما يتكلم وعندما تعدى أيام الضيافة المتعارف عليها جاء إليه شيخ القبيلة بسؤاله عن حاله، قال هموم وديون والكل يلاحقني ابحث عن هدوء عن مكان أبقى فيه، لو أفردتم لي مكانًا أكون شاكرًا جزيل الشكر، وفعلًا كان له ما أراد. الأيام تمر والضيف لا يخالط القوم، يراقبهم يجمع أخبارهم حتى وصل الأقرباء والأحبة من مكان بعيد، شكى للقوم سوء الحال وضيق المكان بعض القوم استاء والبعض رحب وهكذا توسع الضيف وقومه على حساب الآخرين، بدأ يجلس مجلسهم يلتقط أخبارهم، يعرف الرجال والأطفال والنساء، أصبح خبيرًا في كل طرقهم، وفي ليلة وضحاها طلب أن يكون مثلهم سيد قومه على أرضهم ورغم الصعوبات وقفت معه القبائل وساندته على حساب من استضافوه، وهنا بدأت العداوة تظهر والقطيعة تعلو، فاستعان بالمال والخبرة والدهاء حتى يسيطر على كل شيء.
وتمر الأيام فيصبح سيدًا تخشاه كل الأقوام التي في منطقته والويل كل الويل لمن يخرج عن طوعه، أصبح السيد بلا منازع، ومن يختلف معه يعطيه مالًا أو يرسل له عروسًا، وإن شاء البعض فرسًا أصيلة وهكذا نسي القوم أنه غريب، جاء جائعًا فاستوطن، وهاربًا فأمن.
في العادة في قصة كهذه يأخذك الراوي إلى قضايا عدة الأنتقام والطرد، أو ربما الصلح والمحبة، وربما يحاول الراوي أن يعقد المسألة ومسار الراوية لتصبح تغريبة أو حرب في كل مراحل الراوية / القصة لا شك في شيء واحد بين اثنين إما يروي لك وهمًا يريد أن تراه أو حقيقة لا بد أن تطلع عليها، هكذا هم الرواة.
ما يقلق ليس الحقيقة بل الوهم، الوهم أخطر الأشياء على الناس، هو بين الضياع والاستسلام، عندما يبيعك أحدهم وهمًا فأنت تحارب، تناقش، تصارع المجهول ومن يفعل ذلك سوى المجانين، ستجد نفسك معلقًا بين حالتين الجنون أو الحالم.
الوهم أن يقنعك وتقتنع بكذبة كبيرة الحجم أنها واقع، حالة استثنائية وفريدة وأنك لن تستطيع بتاتًا تحت كل الظروف أن تقترب من مجاراتها أو حتى ما يسمونه مجازًا شرف المحاولة، كأن يقنعك أحدهم أنك غبي وستبقى كذلك وأنت في داخلك ترى العكس لكنك تصدق، ولكي يصبح الوهم حقيقة تجد من حولك من أقرب الناس من يثبطك يقنعك بعدم المحاولة وهذه الدائرة تكبر حتى تستسلم وتؤمن بالوهم أنه حقيقة.الناس والدول والمنظمات والمجموعات كلها تبيع الوهم، الوهم الصغير والوهم الكبير لا مجال بتاتاً لطرح أمثلة كثيرة حتى العلم يأتي أحيانًا ليثبت أو ليحطم الوهم.
فالوهم أن يقرر أحدهم أننا سنبقى على حالنا لن نتغير وهذا اخطر أنواع الوهم، هذا النوع الذي يبعث اليأس، سنبقى نطلق الرصاص، سنبقى دون علماء، دون مدارس ممتازه، دون شوارع، ستبقى الجريمه وهكذا دواليك، هذا النوع الذي لا يحدوه الأمل هو ما يخيف أكثر من الوهم نفسه.
عودة إلى الراوي، يمكنك عزيزي القارئ أن تقرر أن القوم اخرجوا المستوطن من أرضهم، يمكنك أن تقرر أنهم تزوجوا بناته وأصبحوا أنسباء وضاع بين العربان كما يقولون، ويمكنك ألف شيء ولكن كن على يقين أن الراوي سيقنعك ولو للحظة بخطورة أفعالك وأنك تخاطر على شيء لا يستحق منك كل هذا العناء فقط دعه وعش اللحظة كما يقولون.
وحتى نلتقي، الوهم يتحرك بيننا في كل الزاويا في السياسة، في الدين، في الاقتصاد في علم النفس، التربية، الجريمة، العنف في كل شيء، قلة هي التي ستكون رأس الحربة لإزاحة الوهم عن العيون، البعض يسميهم مجانين أو حالمين ولكنهم في الحقيقة طلائعيين يكتبون العزة ولو بعد حين، نريد من يحارب الأوهام لا من يرسخها في أذهاننا فقد مللنا أحاديث الراوي.