يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - بائع الاحلام
جلس على ناصية الطريق يتأمل المارة يتفرس الوجوه يتأملها بذكاء فطري، يحاول مجتهدًا أن يلقى مكانه، لا أحد يلتفت إليه، كلٌ مشغول بليلاه كما يقولون، حاول مرارًا أن يلفت انتباه العامة لكن لا حول ولا قوة كلٌ غارق في شيء ما.
يوسف أبو جعفر - صورة شخصية
في الصباح هداه تفكيره إلى شيء جميل يجب أن أعرف بماذا يفكر هؤلاء، قضى يومه يتفرس الوجوه من جديد، لكن الوجوه لا تفصح عما في العقول والقلوب، يجب أن يتكلموا حتى يدرك ماذا يريدون وبما يفكرون وهكذا قضى أيامًا وليالي دون جدوى.
وعندما كاد اليأس يأخذ منه مكانه على الناصية جاء إلى المدينة ساحر، يقولون أن الساحر جاء من بلد بعيد وجلس غير بعيد عن صاحبنا، بدأ كل يتفرس وجه الاخر، لكن الساحر أقدر على الفهم أدرك ما يحتاجه فتقدم إليه قائلًا، قد تقضي العمر تتفرس الوجوه ولن تعرف شيئا هلم معي فكلانا يكمل بعضنا الاخر، أنا كساحر لا استطيع دخول المدينة أما أنت فنعم، دعني أعلّمك أوجهك وعند الموعد نلتقي.
" أهم درس في الحياة "
ويومها علمه الساحر أهم درس في الحياة، وربما أعظم الدروس على الإطلاق، أعطاه لقب بائع الأحلام، قال له من لا يتاجر لا يعرف الناس، كل الناس لها أحلامها ولكنها أحلام صغيرة، بيت، زوجة، أطفال، سيارة هذه صغيرة كلها، أكبر الأحلام ما يتسع لكل هذا، بعهم حلم الوطن، حدثهم عنه، أعد عليهم أسطورة الزير سالم وعنترة، افتح لهم روايات البطولة، بع كل تفاصيل الوطن ولكن الحذر الحذر أن تكون في الحلم.
وهكذا كان أصبح بائع الأحلام صاحب متجر لبيع الاحلام كل يبحث عن حلمه الصغير في الوطن الكبير، وفي كل يصبح المتجر أكبر وأكبر ومثل كل الشركات الكبرى أصبحت سلسلة متاجر ولذكاء الساحر أعطى كل متجر اسم أخر، وفي كل مكان نبيع قطعة من الحلم الكبير، الوطن الصغير.
ما اكثر تجار الاحلام والأوطان في هذا الزمان، ما أكثر من يمتهنون الحديث الناعم الذي يحمل في طياته سُمًا زعافًا، وما أقل الصادقين، المشكلة تكمن في أن بائع الاحلام له شركاء يبيعون الحلم للصغار وكل يريد أن يفتح متجره ولكن الوطن لا يقسم، على الأقل في الحلم، في الواقع يقطع ويسلب ويباع ويشترى، أما في الحلم فهو قطعة واحدة من نور، حتى درجنا على أن نقول الله ثم الوطن. وهكذا رويدًا رويدًا يركن الناس لمن يبيع الحلم ولا يريدون الوطن بل الحلم.
" أحلامنا الصغيرة "
احلامنا هي كل شيء، فربما يأتي بائع الاحلام بقصة جميلة، وربما يخفي الساحر الدروب الصعبة، ولكنه يبقى الوطن، ودروب الوطن رغم وعورتها تبقى الأجمل، وما يدهش هو كيف نسينا، أن احلامنا الصغيرة هي الوطن فالحب والزواج والبيت والأطفال فبدون هؤلاء يصبح الوطن ترابًا ومعهن يصبح الأجمل، من يخبر بائع الاحلام أن مجموع أحلامنا هو في الواقع الوطن وليس ما يحاول بيعه الساحر.
وحتى نلتقي، في كل زاوية شارع يجلس بائع أحلام، في كل طريق يسكن ساحر، كليهما يحتاج الاخر، أما نحن فنحتاج القدرة على الرؤية والتمييز بين الغث والسمين، بين ما نحتاجه نحن وما يحتاجه بائع الاحلام، نحن نبحث عن حبٍ ضائع قد يكون لكل شي، امرأة ، بيت، أولاد، سيارة ، أملاك شهادات، مناصب، مراكز ولكنه لن يكون لمن يبيع أحلام الوطن، فلا تصدقوا بائعي الاحلام واكتبوا أنتم أحلامكم ارسموها في الليل في همس بعيدًا عن الرقيب وقوموا صباحًا تحملون عطر الأمل، لا تنظروا إلى خطواتكم بل إلى الأفق فالوطن أكبر من حقيبة مسافر ومن أحلام ساحر، الوطن ليس ترابًا نشتمه في الغربة، الوطن هو أنا وانت وهو وهي ونحن وانتم الوطن كل الضمائر الحية حتى الغائبة منها.
من هنا وهناك
-
هدنة الشمال : هل ستكون لغزة ‘ نافذة النجاة ‘ ؟ بقلم : علاء كنعان
-
التّراث الفكريّ في رواية ‘حيوات سحيقة‘ للرّوائي الأردنيّ يحيى القيّسي - بقلم : صباح بشير
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب في بانيت : حتى نلتقي - ممالك وجمهوريات
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
أرسل خبرا