صورة للتوضيح فقط - تصوير تمار عفدات - سلطة الطبيعة والحدائق

 يمكن رؤية مداخن محطة كهرباء "أوروت رابين". من المؤكد، أنّ القرب من محطة الطاقة، يمكن أن يكون مقلقًا، عندما نفكر في تلوّث الهواء المحتمل، ولكن في الواقع، ووفقًا لتقرير نُشر في يونيو الماضي، يستعرض وضع الهواء عالميًا، فإنّ %99 من سكان العالم، يتعرّضون لمستويات ضارة من تلوّث الهواء بالجسيمات، أي أنّنا جميعًا (تقريبًا)، معرضون للخطر، حتى أولئك الذين لا يُطلّون من منازلهم على محطة طاقة نشطة.

يكشف تقريرًا حول وضع الهواء عالميًا للعام 2024، أن تلوّث الهواء قد تجاوز التبغ، وهو يُعتبر الآن، عامل الخطر الثاني للوفاة في العالم، بعد ارتفاع ضغط الدم، ويبحث التقرير، الذي يصدر كل عام، التعرض لملوّثات الهواء بأنواعها، وتأثيرها على صحة الإنسان. وتتحدث المعطيات الواردة في التقرير الأخير، عن العام 2021، والذي شهد أكثر من 8.1 مليون حالة وفاة، قد حدثت بسبب تلوّث الهواء بالجسيمات والأوزون، ومن ضمن ما تسبّب به هذا التلوّث، فقد كان مسؤولًا عن %30 من الوفيات، المتعلقة بالتهابات الجهاز التنفسي، و %28 من الوفيات المتعلقة بأمراض القلب، وحتى %18 من الوفيات الناجمة عن مرض السكري من النوع الثاني، (غير الخلقي)، كما أن تلوّث الهواء بالجسيمات، هو سبب رئيسي للوفاة بين الأطفال الصغار، ويأتي في المرتبة الثانية بعد سوء التغذية، حيث يموت أكثر من 700 ألف شخص، ما يعادل %15 من جميع الوفيات في العالم، من الأطفال ما دون سن 5 أعوام.

ليس البشر وحدهم مذنبون
جميعنا نعلم بوجود تلوث الهواء، ونعرف التحذيرات التي تصدر، بين الحين والآخر، وتنبّه من تلوّث الهواء، بمعدّلات مرتفعة بشكل حاد. ولكن من المهم أن نفهم أن تلوث الهواء ليس أمرًا واحدًا، بل تسبّبه عدة عوامل، الطبيعية منها والبشرية. ويقول الدكتور زوهار بارنيت يتسحاقي، رئيس مجموعة الاستدامة البيئية والاجتماعية، في مركز روبين الأكاديمي، وخريج فوج السنة الخامسة من برنامج " ممشاك " : " ليس البشر وحدهم المذنبون.. من الواضح أن لدينا دوراً هاماً في هذه القضية، لكن تلوث الهواء، يحدث أولاً وقبل كل شيء، نتيجة لعوامل طبيعية تماماً". ووفقا له، فإن أحد الأسباب الرئيسية لتلوث الهواء في إسرائيل هو العواصف الترابية، والتي تسببها حقيقة أننا دولة شبه صحراوية.
ويقول: "في إسرائيل، نتأثر بشكل رئيسي بالغبار المنبعث من تلوث الهواء بالجسيمات، والمعروف باسم PM10 (كل مادة يقل قطرها عن عشرة ميكرونات)". أسباب أخرى لتلوث الهواء يُعدّجها لنا بورنيت يتسحاقي، والتي لها علاقة بالإنسان، هي تلوث الهواء الصناعي، وتلوث الهواء من وسائل النقل، وتلوث الهواء الزراعي، بالأساس من مزارع الماشية. بالإضافة إلى ذلك، فإن سببًا رئيسيًا لتلوث الهواء في إسرائيل، هو حرق الوقود الأحفوري. ويضيف:" إن إنتاج الكهرباء في إسرائيل، ليس متطورًا، بأقل عبارة، فنحن لا نزال نحرق الفحم، والديزل، والغاز "الطبيعي"، الذي تنبعث منه ملوّثات الهواء. صحيح أن الغاز الطبيعي أقل تلويثًا من حرق الفحم، إلّا أنه يعتمد هو الآخر على الوقود الأحفوري، والذي يسبب استخدامه التلوّث".

على قدر صغره لكنه خطير
وبالإضافة إلى PM10، هناك أنواع أخرى من ملوثات الهواء: أكاسيد الكبريت، التي تنبعث من حرق الوقود الأحفوري، وأكاسيد النيتروجين (NOx) التي تنبعث بشكل رئيسي في قطاع النقل والصناعة، وهي من الملوثات الرئيسية التي يتطرق لها التقرير. يقول بورنيت يتسحاكي: "نحن نعلم أن التعرض لأكاسيد النيتروجين، يمكن أن يسبّب أمراض الجهاز التنفسي، الى جانب أنواعًا أخرى من الأمراض"، ويضيف أن هناك علاقة بين حالة وسائل النقل، ومستوى أكاسيد النيتروجين (NOx) المنبعثة. وبحسب التقرير، فإن تركيز أكاسيد النيتروجين مرتفع بشكل خاص في المناطق الحضرية، والتعرض لها مرتفع بشكل خاص في الدول المتقدمة، والأكثر ثراءًا، وبحسب أقواله، فإن الوضع في إسرائيل أيضًا ليس جيدًا من هذه الناحية.
إن ملوث الهواء الرئيسي الذي يتناوله التقرير، والذي نتعرض له جميعًا بشكل يومي، وبكميات كبيرة، هو 2.5PM، وهي عبارة عن جزيئات صغيرة، يبلغ قطرها أقل من 2.5 ميكرون، يحلها الهواء، وتصل، عمليًا، إلى كل مكان. ووفقًا للتقرير، فانه من بين الملوّثات التي يتم قياسها، يُعدّ التعرّض المزمن، طويل الأمد، لجزيئات PM2.5، هو المؤشر الأكثر اتساقًا ودقةً لآثار تلوث الهواء على صحة السكان. يوضح برنت يتسحاكي: "كلما كان الجسيم أصغر، كلما تغلغل بشكل أعمق في رئتينا، وأوعيتنا الدموية، ويتسبّب، في آخر المطاف، بمشاكل في الجهاز التنفسي والقلب".

خطر من داخل البيت
وعلى النقيض من أكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين، والتي، كما ذكرنا، توجد بشكل رئيسي في المدن الكبرى، وبجوار الصناعة والمصانع، فإن الملوثات الجزيئية، تشكل خطرًا يتربّص بنا في كل زاوية، حتى في منازلنا، حيث يقول برنت يتسحاقي: "في المنزل، نحن أقل وعيًا بحقيقة أن هناك أشياء تنبعث منها ملوّثات الهواء، مثل الأثاث، وحتى الأجهزة الكهربائية التي تنبعث منها جزيئات، ويستمر هذا عندما نقوم بطلاء المنزل، وأقل الأمور التي يعيها الناس، هي عندما نحرق أشياءً في المنزل، على سبيل المثال، الخبز على الغاز، أو الحساء أي طبخة تحترق، فقد يبدو الأمر بسيطًا وليس ذا أهمية، لكن، إذا لم نقم بتهوية المنزل، سوف يستمر تطاير المواد المحروقة، وسنستمر باستنشاق PM2.5؛ إننا ستنشق هذه الجسيمات 7/24، وهذا ما يعني بالضبط، التعرض المزمن الخطير".
ووفقًا للتقرير، فمنذ عام 2000، انخفض عدد الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء داخل المباني بنسبة %36، لكنه لا يزال يؤثر على ما يقرب من نصف سكان العالم. في إسرائيل، كما يوضح برنت يتسحاق، فإن وضع التلوث داخل المباني، أقل إثارةً للقلق. ويضيف: "في أفريقيا، على سبيل المثال، من الشائع جدًا، طهي الطعام في المنزل على نار مفتوحة. وهذا يحدث بشكل أقل عندنا"

شاهد: كل ما عليكم معرفته حول تلوّث الهواء داخل المباني وحول ظاهرة المبنى المريض
ومع ذلك، تواجه إسرائيل مشاكل خاصّة بها، مثل الحرب، التي تؤثر أيضًا على تلوث الهواء. يقول برنت يتسحاقي: "هناك صواريخ، وتساقط شظايا، وحرائق، تطلق الكثير من المواد الخطرة في الهواء، وخاصة PM2.5. ليس أنه في تل أبيب يتنفسون هواء الحرائق في الشمال، لكن، من يعيش في تلك المنطقة، مُعرّضون بالتأكيد للخطر، وطالما لا تتساقط أمطار تنظّف الهواء، وتُسقط المواد على الأرض، فهناك مشكلة، إذ تستغرق الجسيمات، ساعات، وأحيانًا أكثر لتتشتت".
صحيحٌ انه تم في العام 2021، تصنيف تلوّث الهواء، على أنه المسبّب الخامس فقط للمرض والوفاة في إسرائيل، إلا أنه يشير، إلى أن الأسباب الأخرى للوفاة، مثل الربو، وارتفاع ضغط الدم، مرتبطة أيضًا بتلوث الهواء. ويقول: "حتى التعرض لمستويات منخفضة، لوقت طويل، له تأثير تراكمي في النهاية، خاصةً على أمراض الجهاز التنفسي". في دراسة أجرتها وزارة الصحة ووزارة حماية البيئة، قبل عدة سنوات، تبيّن أن جميع السكان في إسرائيل، يتعرضون لمستويات أعلى من القيم المستهدفة لجزيئات PM2.5 وPM10 بالمعدل السنوي، وتبيّن أيضًا، أن حوالي 2000 إسرائيلي، يموتون كل عام نتيجة لتلوّث الهواء.

تضر بالجميع، ولكن ليس بنفس المقدار
لا يؤثر هذا التعرض المزمن على الجميع بنفس المقدار، وهنالك مَن هم معرضون للخطر بصورة أكبر. هذا العام، نُشر تقريرًا عن وضع الهواء، بالتعاون مع اليونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، يركز أيضًا على صحة الأطفال، والذين تثير البيانات حولهم، القلق بشكل خاص، ففي عام 2021، سُجّلت 709 ألف حالة وفاة للأطفال دون سن الخامسة، لأسباب تتعلق بتلوّث الهواء، ( حوالي %72 منهم، نتيجة لتلوّث الهواء داخل المباني )، مما يعني، أنه في كل دقيقة، بالمعدل، يموت طفل في العالم، نتيجة لتلوث الهواء. في جنوب آسيا وأفريقيا، يتسبّب تلوث الهواء، فيما يقرب من %30 من وفيات الأطفال، خلال الشهر الأول للولادة، كما معظم الحالات التي أصيب فيها أطفال بالأمراض، نتيجة لتلوّث الهواء، كانت في تلك المناطق. ومع ذلك، انخفضت معدلات الإصابة بالأمراض المرتبطة بتلوّث الهواء لدى الأطفال دون سن الخامسة، بنسبة %35، منذ عام 2010.
ويوضح برنت يتسحاكي، أن الأطفال الصغار، معرّضون للخطر بشكل خاص، لأن الأجهزة في أجسامهم لا تزال في طور النمو، والتعرُّض للملوّثات، يمكنه الإضرار بنموهم السليم، ويسبّب لهم الأمراض، وحتى الموت. يقول: "هناك فئة أخرى معرّضة للخطر لنفس السبب، وهي النساء الحوامل، أو على وجه التحديد أجنتهن. تشير الدراسات، إلى أن تعرّض النساء الحوامل لملوّثات الهواء، يمكن أن تكون مرتبطة بإصابة الأطفال حديثي الولادة بالأمراض". ويضيف، أن الذين ما زالوا في خطر كبير، هم الأشخاص المصابون بأمراض الجهاز التنفسي، وأمراض القلب، والتي تتفاقم أعراضها عند التعرّض لتلوّث الهواء، بالإضافة الى كبار السن.

هنالك مكان للتفاؤل، ولكن أيضًا للتحسين
على الرغم من البيانات المثيرة للقلق، المنبثقة عنه، إلّا أن التقرير، يعرض أيضًا تحسنًا، ويترك مجالًا للتفاؤل. فعلى مستوى العالم، تتناقص مستويات PM2.5، وتحقّق %80 من البلدان التي تم اختبارها، الأهداف المرحلية، التي حددتها منظمة الصحة العالمية، حول هذا الموضوع. كما أن معدلات الإصابة بالأمراض بين الأطفال، بسبب تلوّث الهواء، آخذةٌ في الانخفاض، ومنذ عام 2000، انخفض معدل وفيات الأطفال، دون سن الخامسة، بنسبة %53، ويعود ذلك، بشكل أساسي، إلى توسيع نطاق الحصول على الطاقة النظيفة، لأغراض الطهي، وتحسين التغذية، والحصول على الرعاية الصحية. الخدمات، وبسبب زيادة الوعي بأضرار تلوّث الهواء.
كذلك برنت يتسحاقي، يؤكد على أهمية الوعي، ويقول: "سيكون هناك دائمًا تلوّث للهواء، فنحن موجودون في منطقة صحراوية، ولن نتمكن من التغلب على العواصف الترابية، ولكن هناك أشياء يمكننا القيام بها". ووفقا له، فإن الحلول للتلوّث داخل المباني، بسيطة للغاية، كالتخلّص من التعفّن، وتهوية المنزل جيدًا، وعدم التدخين بالداخل (ويفضل عدم التدخين على الإطلاق).
وفيما يتعلق بتلوّث الهواء خارج المباني، يشير إلى أنه لا يزال أمام إسرائيل الكثير من العمل للقيام به، ويقول: "هناك مواضع للتفاؤل، ولكن هناك أيضًا مجال كبير للتحسين، ولدينا أيضًا ما نتعلمه من الآخرين، ففي أوروبا هناك تسارع مثير للإعجاب، في التحوّل إلى الطاقة المتجددة، التي تستخدم الشمس، والبحر، والرياح...فكل ما هو متجدّد لا يلوّث".
يذكر برنت يتسحاقي، أن هناك أيضًا ما يجب القيام به على المستوى الفردي، ويخلص للقول: "يمكننا تركيب الألواح الشمسية على أسطح المنازل، وإنتاج الكهرباء النظيفة بأنفسنا، والعمل أكثر من المنزل، والتقليل من السفر، أو اختيار وسائل النقل العام، والسفر بالطائرة بشكل أقل، والتقليل من استهلاك الأغذية الحيوانية".

أعدّت المقال: "زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة.

panet@panet.co.ilاستعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ