يوسف أبو جعفر من رهط يكتب في بانيت : حتى نلتقي - ديجيتال
التعديلات العالمية في قضية الأوراق النقدية، والانتقال في القرن الماضي من ربط العملة الورقية بالذهب، إلى ربطها بقوتها الشرائية وانتقال العالم إلى اعتبار الدولار عملة التعامل الدولي،
يوسف أبو جعفر - نائب رئيس بلدية رهط - تصوير: موقع بانيت وقناة هلا
في حين من تطبع هذه الأوراق النقدية هي دولة وليست مؤسسة جعل هيمنة الدولار على الحياة الاقتصاديّة والسوق العالمي فوق كل اعتبار.قليلة هي الصفقات العالمية التي كانت تتم لخرق هذا الحال وتعتبر محاولة توحيد العملة في أوروبا احداها، إلا أن ذلك لم يدم طويلًا حيث استطاعت أمريكا بدهاء اقتصادي تحجيم سعر اليورو، ولم يستطع أحد فرضه للتعامل الدولي .
كان لابد من هذه المقدمة الطويلة حتى نستطيع رؤية القادم وهو في نظري الأخطر على البشرية جمعاء. حتى اليوم كانت طباعة الأوراق النقدية حرية للبنوك المركزية في العالم، ورويدًا بدأ تضيق الخناق على التعاملات الدولية فلم يعد بالإمكان عقد الصفقات وتحويل الأموال في الغالب إلا من خلال منظومة أمريكية، وأصبحت عملية تحويل الأموال محدودة بما يريده النظام الأمريكي وليس ما تريده الدول، لكن في السنوات الأخيرة أخذ الأمر منحنى صعبًا عندما بدأت الدول بتنفيذ شبه السياسة الأمريكية في داخلها تحت ذرائع محاربة السوق السوداء وترشيد الاستهلاك وغيرها واخر هذه القوانين هو منع التعامل بالأوراق النقدية فوق مبلغ معين، وفي المقابل منع الناس من إيداع أموالهم في البنوك والأدهى هو منعهم من سحب مدخراتهم أو أموالهم العادية بالأوراق النقدية، فقط من خلال التحويلات أو الشيكات، وازدياد استعمال البطاقات المختلفة المصرفية وغيرها.
" واقع جديد "
هكذا أصبح أو سيصبح بعد قليل الواقع الجديد، ليس هناك أوراق نقدية، سنصبح مكشوفين في كل المستويات، لا يهم ما تملكه من نقد في بيتك فلا قيمة له إن لم يكن في البنوك، كل ما نشتريه ببطاقات الائتمان والصرف سيكون مكشوفا إلى درجة خيالية، فالدولة تستطيع معرفة التالي، كم حبة بندورة تستهلك؟ هل لديك ضيوف في البيت؟ ما هو نوع الطعام والملابس والأدوية وكم تسافر في الشهر؟ في الحقيقة يمكنها أن تعرف إذا قررت الإنجاب أو أنكما ( أنت وزوجتك) تقرران تأجيل الحمل، كل شيء حتى أدق التفاصيل التي نعتقد أنها مخفية عن العيون.
عندما نصبح مكشوفين بالكامل أمام المؤسسات ومن يمتلك الأرقام يمتلك القوة، هذا إن لم تقوم الدولة باستعمال قوتها ومنعك أيضًا بذرائع مختلفة من استعمال هذه الأرقام، معنى هذا سيطرة كاملة مخيفة على الناس، ومثال ذلك أن يكون لديك مبلغ من المال في البيت ولا تستطيع استعماله في الشراء أو التبادل التجاري، لأنك لا تملك الأرقام، فعملة التداول لم تعد الورق او الذهب، بل الأرقام، ولذلك نقول أهلا بك في عصر الديجتال.
الخوف الأكبر هو أن هناك من يعتقد أنه يستطيع كسر المنظومة لوحده وهذا في الحقيقة صعب للغاية، فرغم مديونية أمريكا الكبيرة للصين، إلا أنها في النهاية مديونية دولارية يستطيع البنك المركزي الأمريكي فيها تعويم الدولار، أو حتى تحويل الأرقام إن أراد ذلك، قد يبدو خياليًا هذا الكلام ولكنه من الممكن أن يكون إحدى الحيل الاقتصادية الكبرى على مستوى العالم، ففي لحظة تختفي ديون أمريكا لمجرد نقل الأرقام هذا بالطبع سيناريو بعيد ولكنه ليس من المستحيل.
" الانتقال الى عالم مستهلك "
بقي السؤال الأهم ماذا على المستوى الشخصي؟ والحقيقة أن ثقافتنا العربية تميل إلى رؤية المال وعدم إيداعه في البنوك، إلا أننا في العقود الأخيرة بدأنا ندخل العالم هذا نظرًا لانتقالنا من عالم محافظ إلى مستهلك، وهكذا أصبحنا بين ليلة وضحاها جزء من المنظومة ، نسافر، نركب، نشتري، نبيع جزء من العولمة وثورة الديجتال حتى على المستوى الفردي.
في النهاية العالم مقبل على حالة لم يعرفها التاريخ من قبل، فيها التداول سيكون شفافاً لمن يمتلك هذه القوة، وهي بالطبع قلة من الدول، ونحن لسنا إلا حقل تجارب وليس لنا ناقة أو جمل، ولن يكون بعيدًا اليوم الذي ستقف عاجزًا أمام هذا الواقع، لن تستطيع فعل شيء.
وحتى نلتقي، هذه المقالة لم تكتب كمقالة علمية، بل هي مراقبة الواقع، على كل منا أن ينظر حوله وليدرك أن القادم غير واضح المعالم فليس من المستحيل اختفاء قدرات وأموال دول في لحظة فما بالك بأفراد في المجتمع، ربما لن يطول اليوم ونجد أننا نحن جميعاً مجرد أرقام، ليس تشاؤمًا بل هو محاولة فهم.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il
من هنا وهناك
-
المحامي زكي كمال يكتب : حديثٌ في المُتَوَقَّع من رئيس غير مُتوقَّع
-
‘ التغذية الراجعة أساليب ومفاهيم ‘ - بقلم: د. غزال ابو ريا
-
‘المسرح والتمثيل كأسلوب تعليمي‘ - بقلم : خيرالله حسن خاسكية
-
مقال: ما الّذي علينا فعله عندما يقع أولادنا ضحايا لأحداث تنمّر (العنف) ؟ - بقلم : رانية فؤاد مرجية
-
‘الجريمة تقتلنا كل يوم - المسؤول الاول والأخير حكومة إسرائيل‘ - بقلم : المحامي شعاع منصور رئيس بلدية الطيبة السابق
-
المحامي زكي كمال يكتب : المجتمعات الطامحة إلى الحياة يقودها الكرام والشرفاء
-
د. محمود أبو فنة من كفر قرع يكتب في بانيت : قراءة في كتاب ‘الصورة الكاملة – صفحات من سيرتي الذاتيّة‘
-
د. سهيل دياب يكتب : أمريكا لم تصوت لترامب - انما عاقبت بايدن وهاريس !
-
المحامي يوسف شعبان يكتب : مقترح سن قانون لمراقبة اجهزة الهواتف والتنصت عليها مهزلة يجب الوقوف ضدها
-
مقال: هل أمريكا العظمى في طريق الانهيار مثل الاتحاد السوفيتيّ ؟ بقلم : المحامي زكي كمال
التعقيبات