المحامي زكي كمال
عسكريّة فيها رغم التحذيرات المصريّة الخجولة جدًّا من تبعات ذلك، وإسقاطاته على اتفاق السلام بين البلدين، قد جعلت نيران معركة أو حملة الانتخابات المحليّة في البلاد خافتة، وفي نظر الكثيرين شبه معدومة، أو حدثًا فقد أهميّته، حتى أن البعض طالب بتأجيله بسبب الحرب إلى أجل غير مسمّى، مؤكّدًا أن الأوضاع الأمنيّة وغيرها لا تسمح بانتخابات حرّة ونزيهة وعاديّة خاصّة في المجتمع اليهوديّ، وكذلك في المجتمع العربيّ، كما كانت الحكومة ستفعل لو كان الحديث يدور عن انتخابات برلمانيّة. لكن خفوت صوت المعركة الانتخابيّة المحليّة لم يخف حقيقتها، وكونها بالنسبة للبعض وتحديدًا المواطنين العرب، ولأسباب سنقف عليها لاحقًا، تبقى أقرب وأكثر إثارة للاهتمام وأعلى من حيث نسبة المصوّتين والتصويت، من نظيرتها القطريّة والبرلمانيّة، كما أن الهدوء الذي سادها ورافقها لم يخف عيوبها الخطيرة في المجتمع العربيّ، والتي كانت وفق إيماني واعتقادي بل ثقتي، واحدًا من الأسباب الرئيسيّة إن لم يكن السبب الرئيسيّ، في الفشل الخطير الذي يرافقها، والقصورات التي تعتريها، والتي أدّت إلى حالة من العجز التام والشلل المطبق في تأدية مهامّها، والاهتمام بمصالح وطلبات مواطنيها، بل تحويلها في معظم الحالات إلى أحد أمرين، فإمّا أنها تصبح مرتعًا للبطالة المخفية، ومكانًا حوّلَّه قادته إلى مسرح تشغيل للمقرّبين والمؤيّدين بغية إرضائهم، أو بكلمات أخرى، مصدرًا لرشوة المصوّتين والمساندين، أو وسيلة لمكافأتهم على تصويتهم له، وإمّا أن تتحوّل إلى مكان تسيطر عليه سمات الفساد الإداريّ والمالي بحكم كون المرشّحين لا يتمّ اختيارهم وفق مؤهّلاتهم الإداريّة والماليّة والقياديّة، وحتى ليس وفق انتماءاتهم الحزبيّة والأيديولوجيّة، بل وفق انتماءات أبعد ما تكون عن تلك التي أرادتها التشريعات التي جعلت الانتخابات ديمقراطيّة وحرة، لا يشوبها الإكراه ولا فرض الأمر بالقوة، وتتّسم بالسريّة والمساواة ، ولا تصبح حالة يمكن وصفها بأنه فيها تبتلع الأسماك الكبيرة تلك الصغيرة، ولا تترك لها مجالًا للعيش وحريّة التصرف. وفوق ذلك فإن هدوء المعركة الانتخابيّة هذه المرّة ، لم يمنع تأكيد الحقيقة القائلة إن المجتمع العربيّ يعيش حالة عجز متواصلة عن تذويت قيمة السلطات المحليّة وأهمّية اختيار الأفضل لإدارتها باعتبارها الأقرب إليه والأولى التي عليها توفير الخدمات اليوميّة له بدءًا بالتربية والتعليم وأماكن العمل والمناطق الصناعيّة، والثقافة والرياضة والمسكن والمواصلات ومؤسّسات الرفاه للمسنين والأجيال المبكرة والطفولة، وجودة الحياة، وكلّها أمور يستوجب تحقيقها العمل المدروس وفهم طبيعة العلاقة بين الحكم المحليّ والحكم المركزيّ، أي الحكومة والوزارات المختلفة، وضرورة تحضير خطط عمل مدروسة مقرونة بالمعطيات والأرقام، تدمج بين التخطيط والميزانيات والتنفيذ والتفكير بعيد المدى، بمعنى وضع خطط التطوير المستقبليّة التي تأخذ بعين الاعتبار التزايد السكانيّ والاحتياجات المستقبليّة، وكلّها أمور يجب القول وبصراحة أنها تستوجب وتتطلّب مؤهّلات عمليّة ومعرفيّة يتمتّع بها المرشح، دون أن تقتصر "مؤهّلات المرشحين" على انتماءاتهم العائليّة.
76 عامًا منذ قيام دولة إسرائيل، وأحد عشر يومًا قبل الانتخابات المحليّة، يمكن الجزم أن هذه الانتخابات، وهي حقّ ديمقراطيّ أساسيّ للمواطنين كافّة في دولة ديمقراطيّة، تعكس معضلة أكبر من أن يتم حصرها في انتخاب رئيس للسلطة المحليّة، أو أعضاء فيها، أو حصرها في سلّم أولويّات يضعه المواطن العربيّ متنازلًا عن حقوق أساسيّة وشخصيّة عبر اختيار أشخاص لا يملكون المؤهّلات اللازمة في أفضل الأحيان، ويفتقرون إلى أبسط مقوّمات القيادة والريادة، وفهم لطبيعة العمل المحليّ والجماهيريّ، شرط إعلاء شان العائلة والحمولة وربما القبيلة، وكأن الجماعة قبل المواطن الفرد، وهي صفة المجتمعات الفقيرة والمقهورة، وحتى غير المنفتحة أو المتطوّرة، التي لم تصل بعد مرحلة التمدّن والتقدّم الكافي، والتي تعتبر الفرد في المرتبة الثانية تسبقه الجماعة أو المجموعة، أو الانتماء العائليّ والحمائليّ والطائفيّ، ولا تقيم له أيّ اعتبار كفرد إلا إذا كان واحدًا من مجموعة واسعة وكبيرة، ما يعني أن الحكم المحليّ العربيّ في إسرائيل تشوبه ميزات سلبيّة للغاية، يعتقد البعض أنها جزء من حالة المواطنين العرب كأقليّة مدنيّة وقوميّة، بينما يعتقد آخرون أنها حالة اختيارية خاصّة، وأن بعض البلدات العربيّة، يمكن القول إنها نجحت في التخلّص من أوّل المظاهر السلبيّة التي ترافق الانتخابات المحليّة، وانتقلت إلى حالة من الانتخابات الحزبيّة، كما شهدت بلدات، منها عرابة البطوف وعيلبون وكفر ياسيف وطمرة، بمعنى أنها انتخابات يتم اختيار المرشحين للرئاسة فيها، أو بعضهم، وفق انتماءاتهم الحزبيّة حتى لو كانوا أفرادًا في عائلات قليلة العدد ، مقابل عائلات توصف، أو تصف نفسها بأنها عائلات كبيرة، وذلك من منطلق كونها فقط كثيرة العدد والأفراد بسبب كثرة الإنجاب والتكاثر ، أي الاهتمام بالكمّ والتعداد، وليس الكيف والقدرات والمؤهّلات. لكن السائد هو الحقيقة التي تستوجب التوقّف عندها بأسفٍ شديد، وملخّصها أن مكانة الحكم المحليّ في الوسط العربيّ تختلف عن المفهوم السائد في الوسط اليهوديّ، وهذه حقيقة تعكسها الفوارق الشاسعة بين أنماط التصويت المحليّة وتلك القُطرية، إذ تصل نسبة التصويت والاقتراع في الانتخابات المحليّة العربيّة إلى أكثر من 90 بالمئة في المجالس المحليّة والبلديّة العربيّة مقابل 55% في أحسن الحالات في الانتخابات البرلمانيّة، وهي حالة لا تفسير عقلانيّ ومنطقيّ لها، في ضوء الرأي السائد بِشأن الإدارة السيّئة لهذه السلطات وقلّة الخدمات التي تقدّمها لسكانها، ما يعني أن المواطن العربيّ يدرك من جهة أهميّة الحكم المحليّ وضرورته كهيئة، أو وسيلة خدماتيّة تهتمّ بالحياة اليوميّة بالأساس، لكن قرار التصويت والمشاركة في هذه الانتخابات من جهة أخرى، يكون في معظم الأحيان عائليًّا وحمائليًّا وقبليًّا، أو دينيًّا. وكذلك اختيار الرئيس والأعضاء فيها. وهو خيار أو قرار بعيد عن الاعتبارات السياسيّة الأيديولوجيّة، وبالتالي تكون نتيجته غالبًا اختيار أشخاص يفتقرون للمؤهّلات والقدرات والرؤية المستقبليّة، يحرّكهم الانتماء العائليّ والمصلحة الضيّقة للجهة الداعمة لهم، وليس المصلحة العامّة. وهي السبب الرئيسيّ في بقاء الحكم المحليّ في المجتمع العربيّ ضعيفًا مهزوزًا تشوبه المشاكل خاّصة على مستوى الميزانيّات وإدارتها وانعدام الإدارة السليمة. والدليل على ذلك الأعداد الكبيرة من السلطات المحليّة العربيّة التي يضطرّ وزير الداخليّة لاستخدام صلاحياته، التي تشمل تنحية رئيس سلطة محليّة، أو إعادة الانتخابات، وإعلان حلّ السلطة، أو تعيين مراقبين من طرف الوزارة لمراقبة تصرّفاتها الماليّة واليوميّة، إذ تؤكّد المعطيّات الرسميّة أن الغالبيّة الساحقة للسلطات المحليّة العربيّة، إن لم يكن كلّها تعاني من العجز الماليّ في ميزانياتها ، وأكثر بكثير منها في السلطات اليهوديّة، وأن وزارة الداخلية تعيّن محاسبين مرافقين لأكثر من 80% من السلطات العربيّة، بمعنى بقائها تحت رحمة الوزارة والسلطة المركزيّة وشحّ الميزانيات وانعدام المشاريع والاكتفاء بتوفير القسط الأدنى من الخدمات، ناهيك عمّا يعكسه ذلك من اعتبارات غريبة وعجيبة وغير مفهومة، وهذا أفضل الأوصاف وفي أحسن الحالات، خاصّة وأن الرأي السائد لدى الغالبيّة العظمى من المواطنين العرب، يؤكّد أن السلطات المحليّة العربيّة تشكّل حالة فشلٍ مزمنة، وأن الإدارة هناك سيّئة سمتها المحسوبيّة والفساد ومحاباة المقرّبين، واستخدام ميزانيّة السلطات المحليّة لأهداف شخصيّة وعائليّة وحمائليّة، وربما تسديد الديون التي تراكمت على المرشّح للرئاسة خلال حملات انتخابيّة كلّفت في بعض السلطات ملايين الشواقل، حتى لو تم ذلك عبر خرق التعليمات والقوانين والأنظمة، وليس للمصلحة العامّة . ورغم إدراك الجميع أن نمط التصويت العائليّ إنما يكرِّس الفساد والإدارة الفاشلة للسلطات المحليّة، والتي هي السبب للحالة المزرية التي تعانيها المجالس والبلديات العربيّة، ورغم هذا الإدراك تتواصل نسبة الاقتراع في تسجيل أرقام غير مسبوقة، حيث تصل في بعض المواقع 100%، ما يثير الأسئلة والتساؤلات حول سلّم أولويات المواطنين ومدى احترام مرشحيهم ورؤسائهم لقرار الناخب، أو مصالحه، وربما الدليل على أن رؤساء السلطات المحليّة خاصّة وفق النمط العائليّ يعتبرون مواطنيهم مخزون أصوات ليس إلا، ووسيلة لتحقيق غاية، وهي الوصول إلى كرسي الرئاسة، إضافة إلى الأسئلة الملحّة حول مدى استعداد المواطن الفرد العربيّ للتضحية بمصالحه وحقوقه الأساسيّة المطلوبة من السلطة المحليّة، إذا كان المقابل في الكفّة الأخرى هو العائلة والحمولة والقبيلة وربما الطائفة أحيانًا. وهذه سمة المواطن في نظام الحكم الدكتاتوريّ والأبويّ الذي يعتبر مصلحة العائلة والزعيم قبل وفوق مصلحته. وهي حالة غريبة، بل تستوجب البحث الاجتماعيّ والسياسيّ، إذ إنّ المواطن العربيّ يدرك حقّه في مطالبة السلطة الرسميّة بتوفير حقوقه الأساسيّة في الأرض، المسكن والمساواة والميزانيّات، ويطالبها بذلك، ويتّهم كافّة الحكومات المتعاقبة بالتمييز ضدّه وسلب حقوقه وحرمانه من فرص العمل والتعليم الأكاديميّ، لكنّه يصمت حين يصل الأمر حدّ مطالبة السلطة المحليّة بذلك. والسؤال هل يعتبر المواطن العربي السلطة المحليّة وسيلة لتحقيق الزعامة والرئاسة، وإعلاء شان العائلة والحمولة والقبيلة والطائفة، أم هيئة هامّة ربما بنفس مقدار الحكم المركزيّ، أو اكثر، لتوفير الاحتياجات والخدمات اليوميّة، بمعنى أن المواطن العربيّ يقبل بحالة غريبة يختار فيها مع سبق الإصرار والترصّد، مرشح العائلة رغم إدراكه أنه بتصويته هذا إنما يتنازل طوعًا وعن طيب خاطر، مثلًا عن الخدمات البلديّة بالمستوى اللائق بما فيها خدمات البناء والمناطق الصناعيّة والتربية والتعليم، والخدمات التربويّة والثقافيّة والرياضيّة، وخدمات الجيل الذهبيّ( المسنّين)، لكنّه من الجهة الأخرى يواصل انتقاد السلطة المركزيّة لعدم توفير مناطق النفوذ، والشرط الأساسيّ لها هو التخطيط الصحيح في السلطة المحليّة أولا، ويتّهمها بالتقصير في توفير أماكن العمل، رغم أن السلطة المحليّة هي المطالبة بوضع الخطط والمخطّطات للمناطق الصناعيّة والتجاريّة، وتوفير البنى التحتيّة للمناطق الصناعيّة ومطالبة الحكومة والوزارات بتوفير الميزانيات، وتوفير الشروط لجذب المستثمرين، ويقبل أن لا توفر السلطة المحليّة ورئيسها ابن عائلته، الشروط الملائمة لعمليّة تربويّة ناجحة تضمن أفواجًا من الطلاب القادرين والمتمكّنين، الذين يمكنهم الالتحاق بالجامعات والتعليم الأكاديميّ وتحقيق النجاحات، لكنّه يواصل الشكوى حول عدم توفر التعليم الأكاديميّ، في حالة معاكسة لما يجب أن يكون ولمواصفات المجتمع السليم، الذي يجابه التمييز ضدّه من قبل السلطة المركزيّة بتحسين سيرة ومسيرة الحكم المحليّ لعلّه يعوّضه عن النقص في الخدمات التي يجب أن توفّرها السلطة المحليّة.
الأسوأ من ذلك كلّه، وربما الأخطر هو، وخلافًا لمظاهر وسيرورة التطوّر الطبيعي لدى الجماعات، وانتقالها من العائليّة والحمائليّة والفئويّة والطائفيّة، وفق أنماط أكل عليها الدهر وشرب، إلى أنماط التمدّن والتقدّم والديمقراطيّة، أن تجد المظاهر الحمائليّة والعائليّة لها مكانًا في السنوات الأخيرة في الانتخابات البرلمانيّة، إذ تشهد بعض البلدات العربيّة تصويتًا عائليًّا وحمائليًّا للبرلمان، بمعنى تصويت عائلة وحمولة بكاملها لحزب عربيّ ما كالجبهة والعربيّة التغيير مثلًا، أو غير عربيّ أحيانًا، نكاية أو كوزن مضادّ للعائلة المنافسة في الانتخابات المحليّة التي اختارت بكاملها التصويت للقائمة العربيّة الموحدة، وذلك عبر قيام الأحزاب والقوائم العربيّة، وإضافة إلى الدعاية الانتخابيّة العامّة، بالتوجّه إلى قادة وزعماء العائلات والعشائر والحمائل، لضمان قيامهم بتجنيد أصوات أبناء العائلة، أو الحمولة، أو العشيرة، في إشارة خطيرة تؤكّد ردِّةً في المجتمع العربيّ نحو الأنماط الجماعيّة، بعيدًا عن الديمقراطيّة واحترام الفرد . وهي ردَّة يتساوق معها الأكاديميّون والمثقّفون في الوسط العربيّ ، الذين يخضعون لأنماط التصرف الانتخابيّ القبليّ، ويترشّحون كممثّلين لعائلات وجماعات تقدّس الحمائليّة، ويتنازلون بذلك طوعًا عن دورهم المجتمعيّ والاجتماعيّ، وكونهم وكلاء تغيير اجتماعيّ وسياسيّ ومجتمعيّ، يقودون مجتمعهم نحو الديمقراطيّة والوعي الديمقراطيّ والحريّة الفكريّة والسياسيّة. ويصحّ فيهم القول إنهم أكاديميّون ما داموا بعيدين عن بلدهم، لكنّهم يعودون إلى جذور العائليّة والفئويّة ومسيرة، أو نهج القطيع، بمجرد وصولهم حدود قريتهم، أو بلدتهم، ويبدو أن السلطات المركزيّة تريد تكريس الوضع المذكور حتى أن توزيع المصوتين على صناديق الاقتراع في البلدات العربيّة يتمّ وفق الانتماء العائليّ، بحجّة عدم وجود عناوين واضحة تشمل أسماء الشوارع، وأرقام المنازل خاصّة في القرى العربيّة.
"هدوء لم ينجح في إخفاء العيوب"
أقلّ من أسبوعين، وتحديدًا أحد عشر يومًا، تفصلنا عن الانتخابات البلديّة التي كما قلت، سبقها هدوء لم ينجح في إخفاء العيوب، هدوء يؤكّد أن ما كان هو ما سيكون، أو أن ما سيكون أسوا، فإذا كانت لا تكفينا الحقيقة المؤلمة أن الحكم المحليّ العربيّ في إسرائيل غارق حتى النخاع في أزمة مزمنة يؤدّي استمرارها إلى تردي مستوى الخدمات المقدمة للمواطن العربيّ من قبل سلطته المحليّة، وتحويلها إلى "مصنع للوظائف والتشغيل ليس إلا". وهي أزمة ستتفاقم بمرور السنوات على ضوء اتّساع الهوة بين مستوى عمل الحكم المحليّ وأدائه في المجتمع العربيّ، ومستوى وطرق وأنماط عمل الحكم المركزيّ، رغم انتقاداتي الكبيرة والشديدة له، والذي يعتمد على أسس العمل المدروس، وتنجيع العمل ووضع الخطط المستقبليّة، ومحاولة اختيار الأفضل والمؤهّل، فإن ضعف الحكم المحليّ العربيّ وعجزه عن مواكبة التطوّرات يتواصل، إضافة إلى تنجيع عمله والاستعانة بالخبراء وأصحاب القدرات، ووضع نهاية لسيطرة العائليّة والعشائريّة والفساد في السلطات المحليّة العربيّة، والتي ترافقها منذ قيام الدولة، ووأد ديمقراطيّتها، جاءت مظاهر العنف الذي ينخر عظام المجتمع العربيّ، لتصل السلطات المحليّة عبر سيطرة المنظمّات الإجراميّة على مناقصات ونشاطات في المجتمع العربيّ بعضها حتى في مجال التربية وخاصّة اللامنهجيّة، وإيجاد أو خلق موطئ قدم لها في السلطات المحليّة العربيّة، التي تدفّقت إليها ميزانيّات حكوميّة واضحة وكبيرة وفق قرارات حكوميّة ما يثير المزيد من المخاوف حول ازدياد سيطرة العصابات الإجراميّة على مجريات الأمور في سلطات محليّة عربيّة، خاصّة على ضوء المعلومات الأكيدة حول تعرّض عدد من المرشّحين في بعض السلطات المحليّة العربيّة والمسؤولين فيها خاصّة في أقسام الهندسة، إلى إطلاق النار وأعمال العنف، التي أدّت إلى نزوح عدد كبير من المواطنين العرب من قراهم ومدنهم إلى مدن مختلطة ويهوديّة بحثًا عن حياة سماتها الهدوء والمستوى الراقي للخدمات والأمن الشخصيّ، وهو مسؤولية السلطة المركزيةّ أوّلًا. لكن، لأبناء المجتمع العربيّ الدور الهامّ في ذلك عبر تربية، وتعليم واختيار أصحاب القدرات وإمكانيّات مواجهة العقبات، وليس أولئك الذين يهمّهم مصلحة العائلة والمصلحة الشخصيّة، وبالتالي لا ضير إذا كان ذلك يتم عبر تنازلات لعصابات الإجرام ومسبّبي العنف.
قضيّة أخرى هامّة تؤكّد ضعف الحكم المحليّ العربيّ، وتبرز هذه المرّة بشكل أكبر، هي كونه حكمًا يتسم بالأبويّة والذكوريّة شبه التامّة، ويكاد يُغْلِقُ أبوابه أمام النساء سواء للرئاسة، أو العضوية، فعدد النساء المرشّحات للعضويّة في كافّة أنحاء المجتمع العربيّ لا يتجاوز العشرين، أما المرشّحات للرئاسة فعددهم صفر، في أفضل تعبير عن مجتمع أبويّ ذكوريّ يقصي المرأة ويعتبرها تابعة للرجل تصويتًا وتأييدًا للمرشح الذي يرتأيه الرجل وفوقه وقبله العائلة، مع الإشارة إلى أن نسبة النساء المرشّحات للانتخابات المحليّة في السلطات اليهوديّة تبلغ قرابة 19%، بينما لا تتعدّى نسبة النساء المرشّحات في الانتخابات المحليّة العربيّة ، 2.5% ، في تناقض غريب مع استمرار إطلاق الشعارات الرنانة حول مساواة المرأة وكونها قادرة، ومنحها إمكانيّة الانخراط في كافّة المجالات السياسيّة والمساهمة الحقيقيّة والتامّة والدائمة في كافّة النواحي الاقتصاديّة والاجتماعيّة ما يؤدّي إلى تحسين مستوى الخدمات المقدّمة وتأكيد التطوّر المجتمعيّ. يشهد المجتمع العربيّ عزوفًا نسائيًّا عن العمل المحليّ مردُّه ربما العنف في السنوات الأخيرة، إضافة إلى النموذج الذكوريّ للمجتمع العربيّ، مع الإشارة إلى أن سيّدة عربيّة واحدة ترأست سلطة محليّة عربيّة منذ العام 1948، إلى جانب حقيقة أخرى، وهي أن المواطن العربي في المدن اليهوديّة، أو المدن المختلطة يختار مرشحه للرئاسة وفق برنامج عمل واضح ووفق انتماء حزبيّ وأيديولوجيّ، رغم أنه اعتاد طيلة سنوات إقامته في قريته التصويت وفق نمط عائليّ عشائريّ وحمائليّ، كما أنه يراقب أعمال المرشّح في السلطات المحليّة اليهوديّة إذا كان يقيم فيها، طيلة فترة رئاسته، بينما تتوقّف المراقبة في البلدات العربيّة بمجرد انتهاء العمليّة الانتخابيّة. وهو ما يطرح السؤال حول البنية الفكريّة والثقافة الديمقراطيّة للمواطن العربيّ وهل هي خاضعة للانتماءات، وما إذا كان من الضروريّ سنّ قوانين تحدّد مدّة رئاسة السلطة المحليّة لفترتين على الأكثر، أو ربما الأفضل لفترة واحدة، منعًا لسيطرة مرشّح عائلة ما أو اتفاقيّات تناوب تشكّل التفافًا على قرار الناخب ، ويبقى السؤال الأهم: هل انتخاباتنا المحليّة هي تجسيد للديمقراطيّة، أم تكريس لحكم المخترة ونظريّة القطيع؟ والجواب في حالتنا واضح ومؤلم فهي تدمير للديمقراطيّة، وتكريس للعائليّة وحكم المخاتير وسيطرة العائليّة ..
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il