logo

بروفيسور اسعد غانم يكتب : مثال آخر - هل من مجيب؟ | مقال

بقلم بروفيسور اسعد غانم
24-06-2023 07:47:00 اخر تحديث: 24-06-2023 08:48:17

يوم الاضراب الأخير، بعد مجزرة "يافة الناصرة"، وبعد ان تبين ضعف الاحتجاج المركزي، وأعني المظاهرة الجماعية في يافة الناصرة، والتي هدفت مرة أخرى للاحتجاج داخل البلدات العربية،



 اغلاق شوارع الناصرة ويافة الناصرة، وليس الطرق المؤدية الى المدن اليهودية، بما في ذلك تلك التي تسمى بعضها "مختلطة"، صرخت ام ثكلى – اعتقد بانها من منطقة الناصرة- وفي احدى محطات الراديو الناطقة بالعربية "جيبوا اثيوبي يعلمكو النضال"، موجهة كلامها للقيادات العربية تحديدا، وطبعا لعموم المستمعين. هذه السيدة وغيرها من الالاف، مستعدة ان تقوم بالكثير للتعبير عن رفضها للعنف وللإجرام، وهي تدرك ان الدولة ومؤسساتها الامنية متورطة تماما في الاجرام والعنف. ولسان حالها يقول "انظروا الى نضال الاثيوبيين ونجاحاتهم في اغلاق الشوارع وتعطيل مراكز مدنية مركزية". وخلال اليومين الأخيرين اتى نضال العرب الدروز ضد نصب "توربينات كهربائية" لتثبت نجاعة العمل الجماعي والشعبي المثابر والذي يستطيع تجنيد الناس. طبعا سينبري البعض للقول "وضع الدروز غير"، وكأننا قمنا بواجبنا والامر مثبت "غير"، وهو كلام من لا يريد ان يجتهد حتى في التفكير والفعل، حتى ولو بشكل محدود. وتاريخ نضالات شعبنا منذ فترة الحكم العسكري بقيادة يني يني، مرورا بنضالات يوم الأرض واهمها في مثلث يوم الأرض (سخنين وعرابة وديرحنا)، يثبت ذلك، وخصوصا في ردعهم الدولة الاستمرار في مصادرة وتهويد الحيز، لعقدين واكثر.

اتى هذا الانفلات الأخير، وصرخة الام الثكلى، بعد أسبوع من اعلان المتابعة الانتهاء من اعتصامها مقابل مكتب رئيس الحكومة في القدس، احتجاجا على تفشي العنف والجريمة، حيث شكت القيادات العربية امام مكتب نتنياهو انفلات العنف، وبعثت برسالة مفادها انها تريد ان تقوم الحكومة، واذرعها الأمنية، الشرطة تحديدا، بالقيام بما تعتبره القيادات العربية انه من واجب الشرطة ان تضبط الوضع. باختصار ، مرة أخرى قامت القيادات العربية بالشكوى امام نتنياهو والحكومة، ودعوتهم للعمل بهمة "لتأديب" المجتمع العربي، واعني عصابات الاجرام ومراكز العنف المجتمعي في مجتمعنا.

منطق احتجاج القيادات العربية امام مكاتب نتنياهو، ومكاتب الحكومة، بما في ذلك مكاتب العنصري بن غفير وزملائه الفاشيين ، يتناقض تماما مع ما تروج له قياداتنا منذ سنوات. فجملة ما تقوله غالبية القيادات هو ان الدولة والشرطة والشاباك وغيرهم متورطون في دعم، او على الأقل تسهيل، عمل عصابات الاجرام. وإذا كان هذا الادعاء صحيحا فان الدولة وأذرعها تفكر في كيفية تمزيق مجتمعنا نهائيا، بعدما نجحت في تمزيقه بنجاح، خلال النكبة وبعدها. أي ان قياداتنا تحتج لكي تقنع الحكومة وقيادة الوزارات والشرطة، بالعمل أكثر للوصول الى نتيجة، والنتيجة المتوخاة من قبل الحكومة وأذرعها هي تمزيق شعبنا أكثر واختراقنا أكثر. وقد استجاب نتنياهو بطريقته للاحتجاج، بحيث أعلن نيته اشراك الشاباك في مهمة مكافحة العنف، وكأن الشاباك ليس هناك، ولا يقوم بدوره في اضعاف مجتمعنا ومقاومته لمشاريع التهويد. ولمن يريد فعلا ولم يفهم حتى الان، أتت مشاركة ممثل الشاباك في نقاشات اللجنة الخاصة في الكنيست هذا الاسبوع لأجل توسيع صلاحيات لجان القبول في المستوطنات اليهودية داخل الخط الأخضر، ليؤكد مهمة الشاباك الأولى وهي: اضعاف مجتمعنا وتطويقه وزيادة الاستيطان الهادف الى تعميق التفوق العرقي. وهذا الموقف للقيادات يتناقض مع التوصية الأساسية في المخطط الاستراتيجي لمكافحة العنف والذي اقرته المتابعة ولجنة الرؤساء، والذي دعا الى اخذ المسؤولية على قضايانا الداخلية وعلى رأسها العنف، ومن غير اعفاء الشرطة والدولة من مسؤوليتها، لكن مع الاخذ بالاعتبار ان قضية تماسكنا الداخلي كمجتمع واهل وطن، لا يمكن ان تكون مهمة تلقيها القيادات على نتنياهو وحكومته، بل عليها ان تقوم بذلك. وهنالك في المخطط الاستراتيجي عشرات الخطوات التي يمكننا ان ننفذها لو كانت لدينا قيادة قطرية ومحلية مسؤولة، واولها، مثلا، قيام السلطات المحلية ببناء مشروع محلي متماسك لمكافحة العنف والجريمة، وهذا ممكن لان القدرات المهنية في أصغر سلطة محلية تستطيع ذلك. وتستطيع السلطات المحلية القيام بالكثير في اطار الميزانيات والقدرات البشرية الموجودة لدينا. أصلا عدم وجود مشروع كهذا بعد عقدين من الارتفاع الجدي في العنف، هو من مسهلات العنف الرئيسية، ويشير برايي الى تورط جزء من القيادات المحلية في العنف خدمة لمصالحها الشخصية.

رص صفوف مجتمعنا 
من ناحية ثانية، القيادة القطرية تستطيع فعل الكثير، لكنها لا تريد ان تتحمل مسؤولية ذلك. مثلا المساهمة في رص صفوف مجتمعنا من خلال بناء مشروع متكامل لمقاومة التهويد، او التصدي للحكومة الفاشية بفعالية، مع مشروع تصدي متكامل لسياسات الدولة والتفوق العرقي والابرتهايد، وتجنيد الناس لدعمه، محليا ودوليا. للتذكير فقط: خلال النضال ضد خطة برافر، لم تقع أي جريمة قتل في مجتمعنا خلال ستة أشهر، لان المجتمع كان مجندا في سياق عملية التصدي للحكومة. باختصار لا تقوم القيادة القطرية بدورها في بناء مشروع وطني من جهة، ولا في الاحتجاج المناسب واللائق، ولا حتى في الانخراط في نشاط دولي ضد الحكومة الفاشية ومشاريعها، عموما، وفي قضية العنف تحديدا، لإجبارها من خلال ضغط دولي ان تقوم بدورها، حسب المواثيق الدولية، من جهة أخرى. 

الضغط الجماعي 
الضغط الجماعي، وكما أثبت الاثيوبيون والدروز من خلال وحدتهم وفعالية تصديهم، هو أداة ناجعة، وليس من خلال الاكتفاء بدعوة الشرطة لتأديب شعبنا، وان كان مطلب قيام الشرطة بدورها هو مطلب محق، الا انه لا يعقل ان يعتمد هذا كأداة مركزية، وخصوصا تحت القيادة الحالية لشرطة اسرائيل.

باختصار، من يريد ان يقاوم العنف، يبدأ ببناء مشروع ورؤية وطنية مستقبلية تستقطب الناس وتجمعهم في صف واحد، وتجندهم للوقوف مع بعض، من جهة، وتعمل على اجبار مؤسساتنا، وعلى رأسها الحكم المحلي والمؤسسات الاخرى للقيام بدورها، وتجند الناس كجماعة ضد نوايا وسياسات الدولة، وتقوم بترتيب ملائم لحملة ونشاط محلي ودولي لإجبار إسرائيل على ان تتغير منهجيا، من خلال اجبارها على ذلك لا استجداءها، من الجهة الاخرى. عدا ذلك، نكون وبغير قصد مساهمين في تفشي العنف والجريمة.