هل إسرائيل في الطريق إلى ‘ربيع يهوديّ‘ على غرار ‘الربيع العربيّ‘؟
ثلاثة مواقع اتصلت خيوطها هذا الأسبوع كانت كافية، لإيضاح الصورة الحقيقيّة والساطعة للأهداف التي يسعى إلى تحقيقها قادة حملة التشريعات المحمومة، التي تنفّذها الحكومة الحاليّة،
المحامي زكي كمال - تصوير موقع بانيت وصحيفة بانوراما
وفي مقدّمتهم وزير القضاء ياريف ليفين من الليكود ورئيس لجنة الدستور النائب سمحا روطمان من الصهيونيّة المتديّنة، وبالتالي النتائج النهائيّة وبعيدة المدى للانقلاب الدستوريّ، ونظام الحكم تحت الراية القضائيّة الذي بات من الواضح اليوم، وقبل أن تنتهي المرحلة الأولى من هذا الانقلاب، أنه سيمسّ كافّة مناحي الحياة، وأنه لا يقتصر على الجهاز القضائيّ، ولن يتوقّف عنده كما حاول البعض في إسرائيل عامّة، بمن فيهم بعض النواب العرب والنشطاء السياسيّين العرب الذين يدّعون أن ما تشهده إسرائيل هو خلاف يهوديّ داخليّ يتعلّق بالجهاز القضائيّ الذي لم ينصف المواطنين العرب أصلًا، ولا يتطرّق إلى القضايا المعيشيّة والمواقف السياسية الوطنيّة، أو الثوابت الوطنيّة للمواطنين العرب والمتعلقة بالشعب الفلسطينيّ ومناهضة الاحتلال والمطالبة بإنهائه. ومن ثمّ يرفضون المشاركة في الاحتجاجات الشعبيّة التي تتواصل منذ نحو 3 أشهر في كافّة أنحاء إسرائيل، ومنها مواقع قليلة العدد في المجتمع العربيّ، أو يعتبرونها احتجاجات تتعلّق بقضايا تقع فقط ضمن اهتمامات المجتمع اليهوديّ، ولا علاقة للعرب فيها.
لكنّ أحداث الأسبوع الأخير خاصّة، أكّدت غير ذلك، رغم وقوعها في ثلاثة مواقع متفرّقة تبدو بعيدة أوّلها باريس وتصريحات وزير الماليّة الإسرائيليّ بتسلئيل سموتريتش زعيم الصهيونيّة الدينيّة، والأب الروحي للنائب سمحا روطمان، بأن لا وجود للشعب الفلسطينيّ، وأن الفلسطينيّين هم أمّة اختلقها العرب منذ مئة عام نكاية وعداوةً للحركة الصهيونيّة، وثانيها البرلمان الإسرائيليّ، وما يشهده من استمرار للتشريعات دون توقّف، وبضمنها تلك التي تحاول شرعنة تعيين أرييه درعي وزيرًا رغم إدانته مرّتين بتهم جنائيّة وسجنه مرّة واحدة، والقانون الذي يمنع الإعلان عن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غير أهْلٍ لقيادة إسرائيل، ولإقراره قانونا يلغي الانسحاب من طرف واحد منذ العام 2005 من مناطق شمال الضفة الغربيّة، وبالتالي يجيز للمستوطنين العودة إلى تلك المناطق وإعادة بناء المستوطنات في المساحة الواقعة بين مدينة جنين التي تعتبر منذ سنة ونصف منطقة حسَّاسة ومتوتّرة أمنيًّا تشهد اجتياحات عسكريّة إسرائيليّة متواصلة وشبه يوميّة، ومدينة نابلس بما فيها من توتّر وتواجد مسلّح لجماعات فلسطينيّة منها "عرين الأُسود" وغيرها لا تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنيّة، وإلى ذلك يضاف تهديد ووعيد الوزير، مع وقف التنفيذ، دافيد أمسالم لقادة الشرطة والمفتّش العام كوبي شبتاي في مقدّمتهم، بأنه ستتمّ محاكمتهم إذا لم ينفّذوا تعليمات المستوى السياسيّ، ولم يقمعوا المظاهرات الاحتجاجيّة والخطوات الشعبيّة المناهضة للانقلاب القضائيّ، بغض النظر عن القوانين التي تحكم الشرطة (قانون الشرطة)، وعن قرارات المحاكم حول حريّة التعبير والتظاهر، متّهمًا المحاكم والمفتّش العام للشرطة بالتحيُّز للمتظاهرين والتساهل معهم. وهو نفس اتّهام وزير الأمن القوميّ ايتمار بن غفير لقائد شرطة تل أبيب الضابط عميحاي إيشد والذي استخدمه الوزير ذريعة لتنحيته عن منصبه، وهو ما تواصَلَ في استوديوهات قناة تلفزيونيّة تخدم الليكود واليمين ، تحدث فيها وزير القضاء ياريف ليفين فكشف المستور وأماط اللثام عن وجه الانقلاب الدستوريّ، وأزال القناع الذي حاول قادته وضعه سعيًا إلى خداع كلّ الناس كلّ الوقت، لكن ليفين وهو أشدّ الداعمين للانقلاب القضائيّ – الدستوريّ، وأكثر الرافضين لأيّ تنازل، أو تأجيل في حمى التشريع، أصرّ وبخلاف غرائز السياسيّ وأنماط تصرّفه التي تتّسم بالمخادعة وتجنّب قول الحقيقة، أو تحريفها على الأقلّ، أصرّ على قول الحقيقة مختصرًا ذلك بجملة واحدة تطرّق فيها إلى احتمال قيام محكمة العدل العليا بشطب القوانين التي سنّها البرلمان حول تركيبة وتشكيلة لجنة اختيار القضاة، وهي التركيبة التي تحوّلها قوانين الانقلاب القضائيّ إلى تركيبة سياسيّة مئة بالمئة، وتجعل قضاتها أداة طيّعة في أيدي السياسيّين عامّة ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وملفّاته الجنائيّة خاصة، حيث قال ليفين إن قيام محكمة العدل العليا بإلغاء، أو شطب هذه القوانين واعتبارها غير دستوريّة، هو خطوة خطيرة يعتبرها تجاوزًا لكافّة الخطوط الحمراء، وأنه لن يلتزم بقرار محكمة العدل العليا في هذه الحالة، وهو تصريح أغضب بعض قادة حزبه، ومنهم سفير إسرائيل السابق في الأمم المتحدة داني دانون الذي رفض في لقاء صحفيّ إذاعيّ استنكار تصريحات زميله الليكوديّ والإعلان جهرًا أن حكومة الليكود ستنصاع لقرارات محكمة العدل العليا، بل اكتفى بالقول إنه كان على ليفين أن يمتنع عن الردّ على هذا السؤال، وأن هناك أسئلة من المفضّل عدم الردّ عليها مضيفًا قوله، الذي يمكن تفسيره على أنه تهديد أو تحذير، بأنه واثق من أن قضاة المحكمة العليا لن يشطبوا هذه التشريعات!!! وهو ما أكّده الليكود نفسه ببيان رسميّ جاء فيه، وردًّا على تصريح الوزير نير بركات وزير الصناعة أنه سينصاع لقرارات المحكمة العليا، أنه ليس من حقّ المحكمة العليا التدخّل في تشريع يتعلّق بتركيبة لجنة اختيار القضاة، وثالثها وزارة الماليّة الإسرائيليّة التي يتولاها سموتريتش سابق الذكر، والذي التقى هذا الأسبوع كبار خبراء الوزارة ومسؤوليها الذين أطلعوه على نتائج أبحاث ودراسات أسفرت عن معطيات خطيرة مفادها أن استمرار التشريعات الحاليّة والمسّ باستقلاليّة المحكمة العليا خاصّة، والجهاز القضائيّ عامّة، سيكبد دولة إسرائيل خسائر قيمتها مئات مليارات الدولارات عبر استثمارات "ستغادر " إسرائيل، وامتناع شركات عن أيّ استثمارات جديدة فيها، وتخفيض مستوى التصنيف الائتمانيّ للدولة، ما يعني صعوبة حصولها على قروض من البنك الدوليّ، أو مصارف ودول أخرى، ورفع الفائدة المطلوبة من إسرائيل، وبالتالي زيادة المديونيّة وزيادة الأعباء الاقتصاديّة، ورفع الأسعار لمختلف السلع، وإثقال كاهل المواطن مع رفع نسبة الضرائب المفروضة عليه، وتجميد الرواتب والمدخولات ووقف المشاريع الحكوميّة وغير ذلك، دون أن يعير الوزير سموتريتش تلك المعلومات، والتي تنضمّ إلى تحذيرات مشابهة لكبار المسؤولين في قطاع الهايتك وأرباب الصناعة والمستثمرين، وليس ذلك فحسب، بل إنه أصدر بيانًا جاء فيه أن النقاش أكّد متانة الاقتصاد الإسرائيليّ وقوّته، وانتقد الأنباء التي رشحت عن كبار المسؤولين عن الميزانيات في وزارته ورؤساء الأقسام الأخرى وكبار خبراء الوزارة، ووصفها بأنها تسريبات ليتواصل التغاضي عن كافّة شارات التحذير الاقتصاديّة المحليّة والعالميّة التي تحاول قرع أجراس الإنذار من الانقلاب الدستوريّ.
"حالة سياسيّة جديدة"
المواقع الثلاثة السابقة تشير، بل ترسم معالم ما ستكون عليه إسرائيل بعد هذا الانقلاب في الحكم الذي تقوده الحكومة الحاليّة، فسياسيًّا وكما تؤكّد أقوال الوزير بتسلئيل سموتريتش، والتي قيلت من خلف منصّة خطابة تحمل خريطة أرض إسرائيل والتي ضمّت أيضًا المملكة الأردنيّة الهاشميّة، وأثارت غضب المملكة قيادةً وشعبًا ممّا اضطرّ مستشار الأمن القوميّ الإسرائيليّ تساحي هنجبي ، إلى إبلاغ الأردن التزام إسرائيل بالاتفاقيّات الثنائيّة الموقّعة وسلامة وسيادة الأردن الإقليميّة والجغرافيّة. لكنّ هذا الأمر إذا ما أضيف إلى الغاء قانون الانسحاب من طرف واحد من شمال الضفة الغربيّة وتصريحات الوزير التي تنفي وجود الشعب الفلسطينيّ، والتي أثارت غضب فرنسا واستهجانها وكذلك غضب الولايات المتحدة حليفة إسرائيل الاستراتيجيّة، والتي أكّدت مرة أخرى التزامها بحلّ الدولتين، تعني عمليًّا حالة سياسيّة جديدة تعني تقديس الأرض وليس الإنسان، تنتهي فيها إلى غير رجعة محاولات حل القضيّة الفلسطينيّة سياسيًّا، أو الاعتراف بحقّ الفلسطينيّين بدولة مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، أو أيّ كيان سياسيّ أو حتى كانتونات تسيطر إسرائيل على أرضها ومائها وهوائها، فهم ليسوا شعبًا في نظر سموتريتش وبصمت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وربما موافقته، على أن إسرائيل تنازلت عن أيّ اقتراح، أو حلّ وأنها حسمت أمرها نهائيًّا على ضمّ الضفة الغربيّة وإلغاء القرارات الحكوميّة السابقة، والعودة إلى مناطق كانت الحكومة برئاسة أريئيل شارون قد أخلتها وليس ذلك فقط، بل ربما اعتبار الضفة الغربيّة جزءًا لا يتجزّأ من أرض إسرائيل، وبالتالي فإن السيطرة عليها هي ليست احتلالًا، بل عودة إلى مهد الآباء والأجداد، كما قالت الوزيرة أوريت ستروك من حزب القوّة اليهوديّة ورئيسه إيتمار بن غفير. الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، بل إن عرض وزير بارز في الحكومة يسيطر على الإدارة المدنيّة حاكمة الضفة الغربيّة، خريطة أرض إسرائيل تشمل المملكة الأردنيّة الهاشميّة يشكّل تأكيدًا لمواقفه وطروحاته التي تنادي باعتبار التوراة قانونًا وشريعة وخطّة عمل سياسيّة ودينيّة واقتصاديّة، أي اعتبار الأردن ودولًا عربيّة أخرى بين النهرين جزءًا من "أرض إسرائيل التوراتيّة التي وعد الله بها الشعب اليهوديّ". وهذا ربما بحاجة إلى خطوات تتّخذها إسرائيل كي يتحقّق، لا تقف عند حدّ إلغاء قرارات الحكومة السابقة، بل إلغاء اتفاقيّات حتى لو كانت الولايات المتحدة عرّابتها والراعي لها كاتفاقيّات أوسلو من العام 1993 وهو ما أراد سموتريتش إيصاله إلى البيت الأبيض، كما جاء في خطابه، فهل ستكون الخطوة التي تلي إلغاء اتّفاقيّات أوسلو، وإنهاء عهد السلطة الفلسطينيّة كما يريد اليمين المتطرف، إلغاء اتفاقيّات وادي عربة من العام 1994. وهي خطوات لا تكفي الوسائل السياسيّة والبرلمانيّة لتحقيقها، بل إن هناك حاجة ماسّة لغطاء قضائيّ يمنحها الشرعيّة، وهو ما لا يمكن لسموتريتش وزملائه الحصول عليه اليوم وبتركيبة المحكمة العليا الحاليّة، ومن هنا سعيهم للسيطرة على لجنة تعيين القضاة وضمان تعيين قضاة يدينون لهم بالولاء ولمواقفهم السياسيّة بالخضوع والقبول، ويمتنعون عن إلغاء قراراته، ويقبلون إرضاءً له ولحكومته بأن يتمّ إلغاء اتفاقيّات دولية غير آبهين بردود الفعل الدوليّة مهما كانت، في خطوة ستحسم النقاش الدائر اليوم في إسرائيل بين العلمانييّن وأحزاب المركز واليسار من جهة، وبين الحركات الاستيطانيّة والأحزاب المتزمّتة والمتطرّفة دينيًّا، وهنا أحد مكامن الخطر الذي يجب أن تنتبه إليه الأقليّة العربيّة في البلاد، فالمحكمة العليا خاصّة والجهاز القضائيّ عامّة لن تكون بعد، السور الواقي أو المدافع عن الحقوق، بل إنها ستقبل صاغرة كلّ قرار حكوميّ، بل ستمنحه الغطاء الشرعيّ، وبالتالي ورغم أنها لم تنصف المواطنين العرب في كثير من الأحيان والمواقف نذكر منها عدم تنفيذ قرارها من العام 1949 حول إعادة مواطني قريتي إقرث وبرعم، وشرعنتها، بمعارضة قاضٍ واحد هو القاضي العربي جورج قرا، لقانون القوميّة الذي يكرِّس يهوديّة الدولة ويغلبها على الديمقراطيّة ، متذرّعة بأن لا يلغي الطابع الديمقراطيّ للدولة (رغم تحذيرات الكثيرين) . وهو الذي أعتبره أنا بمثابة القانون الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الدكتاتوريّة وهدم الديمقراطيّة حتى لو كانت شكليّة، وفسح المجال أمام تشريعات تجعل الديمقراطيّة مشروطة باليهوديّة أو تابعة لها، أي أنه" الفجوة في السياج التي استهوت السارق". وهذا ما كان على النوّاب العرب في البرلمان أن يضعوه نصب أعينهم وبالتالي عدم الوقوف موقف المتفرّج من الاحتجاجات الشعبيّة، بل الوقوف صفًّا واحدًا مع أولئك الذين يدافعون عن استقلاليّة القضاء وإبعاده عن السياسة والولاء الحزبيّ، وإبقائه على علاته ونواقصه مدافعًا، ولو بشكل محدود الضمان عن حقوق الأقليّات، ومنها الأقليّة العربيّة، ومنع مزيد من الغبن عليها استمرارًا لقانون القوميّة الذي يجعل إسرائيل دولة لليهود، ويمنع إقامة مدن لغير اليهود ويكرِّس الفوقيّة اليهوديّة. وهو ما تريد الحكومة الحاليّة استغلاله حتى النهاية، ووضع المحكمة العليا أمام اختبارات قضائيّة متكرّرة تمسّ بحقوق الأقليّات منها قانون منع إدخال الخبز إلى المستشفيات في فترة عيد الفصح اليهوديّ، وقوانين أخرى تمسّ نزاهة القيم وتتنازل عن نقاء اليدين وعدم ارتكاب المخالفات الجنائيّة، والسؤال يبقى :هل ستجرؤ المحكمة على إلغاء قوانين تسنّها الكنيست ؟ خاصّة إذا كانت تتعلّق بشخص رئيس الوزراء وإمكانيّة إعلانه غير أهل لإدارة شؤون الدولة، أو تمنحه الصلاحيّة وهو المتهم بثلاثة ملفّات جنائيّة خطيرة لتعيين القضاة في مختلف المحاكم، فكم بالحريّ إذا كانت القوانين، أو الاتفاقيّات تتعلّق بالفلسطينيّين، أو بالمواطنين العرب، أو المثليين، أو اليساريين؟ أو أيّ أقليّة أخرى.
"بداية الصدام بين السلطتين"
ما حدث في البرلمان من إقرار لقوانين تجيز لمدان جنائيّ إشغال منصب وزير تشكّل تكريسًا لحالة تضعضعت فيها المقاييس الخُلُقِيّة في الحكومة والبرلمان. وأصبح السجل الجنائيّ سمة ملازمة للكثيرين من الوزراء والنوّاب والموظّفين الكبار ورجال الدين اليهود، بل أصبحت زيارة وزير القضاء لشخص له ماضٍ جنائي ّحافل قبع في السجن أربع مرّات بتهم خطيرة ولقاؤه علنًا بحضور نجله الذي أدين قبل 7 أعوام فقط بمحاولة قتل، والاحتفال معهما بعيد المساخر "بوريم"، أمرًا عاديًّا وقبولًا لا ضير فيه ولا ضرار، فالغاية هي كسب تأييد هذا المدان جنائيًّا، والذي يسيطر على مئات أصوات منتسبي الليكود في مدينته هرتسليا. أما التهديد الواضح للمفتش العام للشرطة وتحذيره من أن ينتبه كي لا يكون بين من سيتم اعتقالهم والتحقيق معهم، لأنهم سمحوا للمحتجّين على الانقلاب الدستوريّ بالتظاهر، فهو ما ينتظر كافّة موظفي الجمهور، ومنهم القضاة وأفراد الشرطة والمسؤولين في الوزارات وجهاز التربية والتعليم وربما الجيش والشاباك إذا ما نجح الانقلاب الدستوري، فعندها سيصبحون عرضة للاعتقال والتحقيق وربما فصلهم من مناصبهم لمجرّد أنهم لم يرقصوا وفق أنغام عزفها الوزير خاصّة، إذا تم ذلك بعد السيطرة المطلقة على المحاكم عامّة ومحكمة العدل العليا خاصّة، ومنعه منع الدفاع عنهم أو تقليم أظافره، لكن الأنكى من ذلك هو إعلان وزير القضاء ياريف ليفين، وهو المسؤول عن جهاز القضاء والمكلّف بالدفاع عنه، أنه لن ينصاع لقرار محكمة العدل العليا إذا قرّرت إلغاء قوانين سنّتها الحكومة الحاليّة وتعتبرها المحكمة غير دستوريّة، وهو تصريح خطير بحكم شخصيّة ومنصب من قاله، لكنّه ليس الأول فقد سبقه إعلان رئيس الكنيست الأسبق يولي ادلشتاين استقالته من منصبه رافضًا تنفيذ قرار محكمة العدل العليا الذي ألزمه بعقد جلسة للكنيست عشية بدء عهد حكومة التغيير، ما يعني أن الائتلاف الحالي قرّر التمرّد على قرارات القضاء معتبرًا إياها غير ملزمة، بل ربما مجرّد توصية . وهي بداية الصدام بين السلطتين القضائيّة - قبل هدمها- والتنفيذيّة أي الحكومة ومعها التشريعيّة أي البرلمان نحو فراغ دستوريّ وقضائيّ، تسود فيه الفوضى ويضطرّ مئات آلاف الجنود وأفراد الشرطة وضباط الشاباك والموساد وقادة الأجهزة الأمنيّة الأخرى، اختيار أحد أمرين فإما الانصياع للقانون، وهو فوق الجميع، أو الانصياع لمواقف وقرارات سياسيّة غير قانونيّة، وهو ما حذِّر منه قادة الشرطة والجيش والأجهزة الأمنيّة وجنود الاحتياط مؤكّدين أنهم سينصاعون للقانون، ما سيعني صدامًا خطيرًا وفاتحة يستغلّها وزراء لتنفيذ أجندات تعتمد على تأسيس ميليشيات خاصّة كالحرس القوميّ الذي يريد إيتمار بن غفير تأسيسه للدفاع عن اليهود خاصّة في المدن المختلطة كاللد وعكا حيفا وتل أبيب وغيرها.
وإذا كان إعلان وزراء من الليكود نيّتهم تجاهل قرارات المحاكم والجهاز القضائيّ والمسؤولين وأصحاب الاختصاص في المؤسّسات الاقتصاديّة ما زال في طور " النية" فإنه وصل حالة التنفيذ في وزارة الماليّة ووزيرها بتسلئيل سموتريتش، الذي قرّر تجاهل كافّة الشارات الحمراء حول الأخطار الاقتصاديّة المحتملة، بل شبه الأكيدة للانقلاب الدستوريّ ومنها تحذيرات وكالات دوليّة للتصنيف الائتمانيّ، واعتبار تقارير المسؤولين المدروسة مجرّد قصاصات ورق وتسريبات سيّئة وتحييدها، بل إلغاء وجودها قائلًا:" بمشيئة الله ستخرج إسرائيل من الانقلاب القضائيّ أشدّ مناعة وأقوى اقتصادًا". وهو ما تفنّده المعطيات الاقتصاديّة وانخفاض قيمة العملة الإسرائيليّة وسحب إيداعات بمليارات الدولارات من المصارف الإسرائيليّة ووقف استثمارات أجنبيّة، بل قيام شركات هايتك إسرائيليّة بنقل مراكز عملها من إسرائيل إلى أوروبا وأمريكا، وتحذيرات من خسائر فوريّة قدرها 30 مليار دولار تليها 270 مليارًا خلال السنوات الخمس القادمة، فالأهمّ بالنسبة له هو تمرير الانقلاب القضائيّ، وليذهب الاقتصاد إلى الجحيم ولترتفع الأسعار والفوائد المصرفيّة كما تشاء، وليزداد عدد الفقراء، ولتنتهي حرية الرأي والحرية الأكاديميّة وليستفحل العنف في المجتمع العربي وضد النساء ، ما دام الهدف الأول للوزير ضمّ الضفة الغربيّة وتكريس أرض إسرائيل الكبرى وفرض أحكام الشريعة اليهوديّة، وما دامت الوسيلة لذلك هي هدم الجهاز القضائيّ وتدجين القضاة بفعل نشاط دام سنوات ينفذه مركز كوهيليت القضائيّ اليميني بتمويل الملياردير الأمريكيّ جيفري ياس بملايين، بل عشرات ملايين الدولارات، ولتكن النتيجة هي انتصار أرض إسرائيل الكبرى ، وهي يهوديّة تتّسم بالفوقيّة والعنصريّة والاحتلال تسعى إلى بناء الهيكل الثاني على دولة إسرائيل سواء كانت ديمقراطيّة ويهوديّة، أو حتى يهوديّة وديمقراطيّة.
"منع انتحار الديمقراطيّة الإسرائيليّة"
الإجابة عن كلّ ما سبق تتعلق باحتمال قيام محكمة العدل العليا بشطب وإلغاء قرارات البرلمان الإسرائيليّ وتشريعاته الخطيرة ، والسؤال هو ليس ما إذا كانت الحكومة الحالية ستتوقّف عن محاولة المسّ بالجهاز القضائيّ فالإجابة واضحة، وهي النفي ليبقى السؤال متى سيتم ذلك، أما ما سيحدّد موعدها فهو قرارات محكمة العدل العليا خاصّة، وأنها إذا ما شطبت القوانين والتشريعات، فإنها ستواجه رفضًا من كافّة الوزراء وأعضاء الائتلاف الحاليّ، وبالتالي سيسعى الائتلاف كما أعلن الى إعادة سنّ كلّ قانون تشطبه المحكمة، وهكذا دواليك حتى ترفع المحكمة العليا يدها مستسلمة أمام تشريعات سياسيّة تشرعن الجنايات، وتفرض القيود على العدل والقضاء، وربما حرب أهليّة، ومن هنا تنبع أهميّة السؤال حول ما إذا كانت محكمة العدل العليا ستسعى إلى شطب القوانين، أم أن الخوف سيعتري قضاتها وقضاءها ويجعله خاضعًا خنوعًا، وهو أمر تختلف ربما حوله مواقف الخبراء القضائيّين والقضاة السابقين في المحكمة العليا، ومنهم نائب رئيسة المحكمة سابقًا القاضي حنان ملتسر الذي قال إن مواصلة تشريع القوانين المقترحة يجب أن يضطر محكمة العدل العليا إلى التدخل وإلغاء القوانين حتى لو كانت قوانين أساس، متناسيًا ربما أن محكمة العدل العليا لا تسرع إلى شطب القوانين، بل تكتفي أحيانًا بشطب بنود معيّنة من قانون معيّن، بينما يؤكّد القاضي المتقاعد يتسحاق زمير، وهو مستشار قضائيّ سابق للحكومة أن الحكومة لا تملك أيّ حقّ في هدم الديمقراطيّة، لكنّ محكمة العدل العليا تملك كلّ الحقّ في إلغاء قوانين أساس تمنع الرقابة القضائيّة على نشاط السلطة التنفيذيّة. ويبدو أن هذه هي الطريق لمنع انتحار الديمقراطيّة الإسرائيليّة، في حين يقول قاضي المحكمة العليا ميني مزوز وهو من أصول شرقيّة إنه كلما اشتدّت حدّة وشدّة وخطورة القوانين استوجب ذلك زيادة حدّة ومبرّرات تدخّل محكمة العدل العليا في منع هذه القوانين، فلا يحقّ لأيّ حكومة المسّ بالطابع اليهوديّ الديمقراطيّ للدولة، في حين دعت القاضية المتقاعدة دوريت بينيش إلى تدخّل محكمة العدل العليا مؤكّدة أملها أن تعود الأمور بعد ذلك إلى مجاريها، وأن تنتهي الأوضاع غير العاديّة. وهي تقصد بذلك اضطرار مئات آلاف المواطنين للخروج أسبوعيًّا إلى مظاهرات احتجاجيّة ضد الانقلاب القضائيّ. وتؤيدها في ذلك البروفيسور سوزي نفوت نائبة رئيس المعهد الإسرائيليّ للديمقراطيّة التي قالت إنه من حقّ محكمة العدل العليا شطب التشريعات التي تهدم أسس الديمقراطيّة الإسرائيليّة، وأنها واثقة من أن مصير هذه التشريعات الإلغاء، وهو نفس رأي العميد السابق لكلية القانون في الجامعة العبريّة في القدس باراك مدينا الذي يصف استمرار الائتلاف الحاليّ بسنّ القوانين ضمن الانقلاب القضائيّ، بأنه تجاوز لصلاحيّاته، وبالتالي يجب شطب القوانين، بينما يقول البروفيسور أمنون رايخمان من جامعة حيفا أن المحكمة ربما ستقبل بشرعنة بند أو اثنين، لكنها سترفض القوانين الهامّة للحكومة، أي قانون أرييه درعي وقانون منع إعلان رئيس الوزراء غير أهل للسلطة، وقانون منع الرقابة القضائيّة.
"فراغ دستوريّ قضائيّ"
بين هذا وذاك تتقدّم إسرائيل بخطىً حثيثة نحو فراغ دستوريّ قضائيّ يرافقه صدام خطير بين سلطات الدولة وحكومة ترفض الانصياع للقضاء والقانون وأجهزة أمنيّة تدين بالولاء للقانون، وليس لحزب ما أو حكومة ما، أو رئيس وزراء أيًّا كان، ونحو صدام كانت بوادره واضحة الأسبوع الماضي باعتداءات دهس نفّذها أتباع الحكومة ضد مناهضي الانقلاب الدستوريّ، ورشّهم بالغاز المسيل للدموع ورجمهم بالحجارة، وإطلاق المفرقعات باتجاههم، دون أن يؤدّي ذلك إلا إلى تعاظم حركات الاحتجاج وأعداد المشاركين فيها، وإصرارهم على رفض ما تقوم به الحكومة، حتى وصل الأمر إلى تحذير الكثيرين من أن استمرار حملة سنّ القوانين وما يرافقها من إعلان لجنود احتياط متطوّعين وطيّارين متقاعدين متطوّعين نيتهم وقف تطوّعهم في سلاح الجو وقوات السايبر العسكريّة، ما يعني وقف نشاط هذه الهيئات بشكل جزئيّ والمسّ بالقدرات الأمنيّة والسايبرانيّة والتكنولوجيّة والصناعيّة والماليّة لإسرائيل.. فهل ستوقف الأضرار الاقتصاديّة والأمنيّة والتكنولوجيّة والاجتماعيّة المحتملة، بل الأكيدة حمّى التشريعات والانقلاب الدستوريّ القضائيّ، أم أن قطار التشريعات انطلق بأقصى سرعة دون قدرة على الفرملة والتوقّف حتى يصطدم بالجدار ويتحطّم بما يرافق ذلك من أضرار وإصابات جسديّة لركابه، وهم مواطنو الدولة في هذه الحالة وتحديدًا أولئك الذين يحملون عبء الخدمة العسكريّة ويشغلون مناصب أمنية وتكنولوجيّة وأكاديميّة وصناعيّة مرموقة، ومعظمهم إن لم يكن كلّهم من مناهضي الانقلاب الدستوريّ - القضائيّ، أي هل سنجد في حكومة المجانين عاقلًا يقبل قرارات المحكمة العليا أيًّا كانت، لم تبهره بل لم تعمه نشوة النصر الانتخابيّ وكراهية الغير، والرغبة في الانتقام ؟؟؟
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il
من هنا وهناك
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
-
مقال: بين أروقة المدارس ( المخفي أعظم ) - بقلم : د. محمود علي
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - ستشرق الشمس
-
المحامي زكي كمال يكتب : الحروب الآنيّة بين الاعتبارات العسكريّة وهوس الكرامة القوميّة
أرسل خبرا