المحامي زكي كمال - تصوير: موقع بانيت
ومختلفة هي الإجابات عنها تتعلّق كلّ منها بموقع المُجيب السياسيّ والقضائيّ والقوميّ وتوجّهاته وميوله، لكنها في مجملها وبتنوّعها تطرح على المحكّ قضايا بالغة الأهميّة تتعلّق بكيان الدولة ومبناها السياسيّ ونظام الحكم فيها، ومواقف مواطنيها ونزوعهم إلى التطرّف القوميّ، أو حتى التزمّت الدينيّ والقوميّ وتقديسهم لحكام التوراة وسلطة الرجل الواحد، وليس فقط الحزب الواحد (أو الائتلاف الواحد)، وقبولهم بتجيير كافّة حقوقهم وظروف معيشتهم لخدمة رجل واحد وموقف واحد، ومن منطلق كراهيّة عمياء لما يمثّله الطرف الآخر، تصل حدّ إنكار حقّه في الممارسة السياسيّة والحزبيّة وحقّه في حريّة الرأي والقرار والميول والموقف السياسيّ، بل اعتماد مصطلحات تتهم المختلف بالخيانة والقضاء بالتحيز السياسيّ، والإعلام بعدم النزاهة حتى الرسمّي والحكوميّ منه لمجرد أنه تجرّأ على توجيه الانتقاد لزعيم فوق الانتقاد، ولتوجهات يعتبرها خطيرة، وإن حظيت الأحزاب والهيئات بأغلبيّة برلمانيّة واضحة، وأغلبيّة أصوات ضئيلة في الانتخابات الأخيرة. وتريد من الجيش والشرطة أن يتحوّلا من هيئات للحفاظ على الأمن الخارجيّ والداخليّ إلى هيئات لقمع المعارضة الداخليّة، وتنفيذ مآرب، بل نزوات الوزير المسؤول عنها، وذلك وسط أصوات وتصريحات تتراوح بين الذهول من السرعة التي تحقّقت فيها كافّة التهديدات التي أطلقها الليكود واليمين والمستوطنون في عهد حكومة التغيير، والتي لم تعمر اكثر من عام ونصف، بدءًا بالتهديدات للجهاز القضائيّ، والحديث عن " ضرورة تنظيفه وتنقيته وتعقيمه بمئات اللترات من مواد التنظيف والأكونوميكا" مرورًا بتصريحات الوزير السابق الليكودي دافيد أمسالم "بدهس ودوس وتحطيم المعارضة"، وانتهاءً بالحديث عن استعادة السلطة ومقاليد الحكم بكافّة الوسائل وسط رفض لأبسط قواعد اللعبة البرلمانيّة ونقصد المشاركة في عمل البرلمان"، وتصريحات تلت الانتخابات ملخّصها "جئنا لنحكم". وبكلمات أخرى "جئنا" لننفرد بالسلطة ولننفذ دكتاتورية الأغلبية دون وازع أو رادع، وعبر سنّ القوانين التي تمكّننا من ذلك متجاهلين أعرافًا سائدة وقوانين قائمة وتركيبة تكرّس توزيع الصلاحيّات وفصل السلطات ونزاهة القضاء وحريّة الإعلام، ومن الجانب الآخر تصريحات من المعارضة بعضها لا يقلّ حدّة حول اعتبار الحكومة الحاليّة، وبسبب مواقفها ووزرائها غير شرعيّة، واعتبار قراراتها تهدم الديمقراطيّة، وتنتهج انتهاك حقوق المعارضة وغير ذلك.
وفي السياسة كما في السياسة، هناك أهميّة بالغة في حالات الأزمات، للانتباه إلى المعاني والمغازي، أو إلى ما وراء الأفعال، فهذه التصريحات تعكس الحالة النفسيّة والاجتماعيّة والمجتمعيّة للدولة، وهي أقلّ دبلوماسيّة أكثر صدقًا وصراحةً ووضوحًا. وهي بذلك أكثر تأكيدًا لحقيقة الشعور السائد، وأصدق تعبيرًا عن مشاعر الكراهية والإقصاء السائدة، بل مشاعر الخوف وحتى الرعب التي تعيشها البلاد، وسط بلطجيّة تعكس بأجلى صورة العنف الذي يسري في عروق المجتمع الإسرائيليّ بكافّة مركّباته من العرب واليهود والسياسيّين ورجال الإعلام، وفي كلّ مكان. وهي تجسيد تامّ للتعريف القاموسيّ لمصطلح البلطجيّة والعنف ومعناه أنها استراتيجيّة دائمة وثابتة من التصرّفات التي تتبع عادة استخدام القوّة وإظهارها بشكل دائم كوسيلة وحيدة، أو أولى لتحقيق الأهداف حتى لو تخلل ذلك، أو استوجب ذلك، استخدام العنف بشكل فعليّ. وهو ما بدأت بذوره بالبروز خلال اغتيال رئيس الحكومة الأسبق اسحق رابين عام 1995، والذي كان كما يبدو وعبر طلقات ثلاث من مسدس القاتل يغئال عمير، بداية عهد البلطجيّة ( الزعرنة) والعنف السياسيّ والحزبيّ والأيديولوجيّ داخل إسرائيل، والتي رفعت رأسها خلال المظاهرات الاحتجاجيّة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قبل الانتخابات التي أسفرت عن حكومة التغيير، وشملت وصف المتظاهرين بالفوضويّين ووصمهم بأنهم يساريّون يحصلون على دعم ماليّ من منظّمات معادية لإسرائيل. هذا ما حدث منذ انطلاق حكومة نتنياهو السادسة، وتحديدًا تولي ايتمار بن غفير منصب وزير الأمن القوميّ، الذي كرَّس كافّة جهوده لمنع المظاهرات الاحتجاجية ضد نوايا حكومته المتعلّقة بالجهاز القضائيّ والمحاكم ومحاولة فرض مواقفه على الشرطة والانشغال بصغائر الأمور، وتحديدًا تلك التي تشكِّل إرضاءً لناخبيه من المتطرفين الذين يرفعون رايات العنصريّة والتطرّف ضدّ كلّ ما هو مختلف خاصّة من العرب واليساريين وسلطات القضاء، لكنّ الأهمّ من ذلك أن معظم المصطلحات من طرفي المعادلة (الائتلاف والمعارضة) والتي تشمل مصطلحات غير مسبوقة في حدّتها ووضوحها وتكرارها وعدم الاعتذار عنها مهما كانت متطرفة، تؤكّد حقائق واقعة وواضحة وضوح الشمس، حاولت إسرائيل لغايات كما يبدو في نفس يعقوب، إخفاءها، ومنها ما يتعلّق بهشاشة وربما زيف ديمقراطيّتها وكونها بعيدة كلّ البعد عن الصورة التي حاولت عرضها أو صياغتها لنفسها وللغير، حول كونها علمانيّة منفتحة تقبل التعدديّة وتضمن حقوق المعارضة والأقلياّت وتنفذ بحذافيره مبدأ فصل السلطات، ومنها ما يتعلّق باعتبار إسرائيل نفسها منارةً للأغيار، بل دولة أوروبيّة الثقافة والحضارة ونظام الحكم والجهاز القضائيّ وجدت نفسها في غير مكانها وكأنها "فيلا وسط غابات" ، لتتضح الحقيقة الساطعة، وهي أن إسرائيل تحوّلت منذ زمن طويل من حيث الخطاب السياسيّ الداخليّ والتوجّهات ورفض الديمقراطيّة والتعدديّة والميل إلى العنف إلى أشبه ما تكون بدولة شرق أوسطيّة، أو دولة عالم ثالث، يستخدم قادتها وإعلاميّوها وسياسيوها مصطلحات العالم الثالث، أو عبارات كانت حصرًا على دول الشرق الأوسط الأخرى، ومنها مصطلحات التخوين والغوغائيّة والفوضويّة، وإخضاع الجهاز القضائيّ والحرب الأهليّة أو العصيان المدنيّ، وتصريحات يتباهى فيها وزير الأمن القومي بكون الشرطة سمحت للمتظاهرين والمحتجين بالتظاهر، وكأن ذلك مِنَّة منه وَحَسنَة وليس حقًا أساسيًا تضمنه التشريعات والقوانين (حتى اليوم على الأقل) ويصونه الجهاز القضائيّ (حتى اليوم على الأقلّ)، ومصطلحات تؤكّد مشاعر الخوف والانقسام التي تسيطر على إسرائيل وتصل في عرف البعض حدّ الخوف من التحول الى دولتين بعد حرب أهليّة، كما جاء في تصريح رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ، الذي قال إن وثيقة الاستقلال هي البوصلة (تتحدث عن ديمقراطيّة ومساواة للجميع بغض النظر عن الانتماءات السياسيّة والحزبيّة والقوميّة)، وأنه لن يسمح لأحد بالمسّ بها مضيفًا جملة لم نسمعها من شخصيّة مرموقة صاحبة باع طويلة شخصيّة وعائليةّ في السياسة والحكم وحتى الجانب الدينيّ، حين قال إن لا وطن آخر له وللجميع في إسرائيل، وهي مصطلحات تكشف، خاصّة على ضوء محاولات هرتسوغ الحثيثة للتوسط وخفض ألسنة اللهب واللقاءات التي كشف أنه أجراها مع رئيسة المحكمة العليا القاضية إستير حايوت ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وقادة المعارضة ووزير الأمن القوميّ ( حذره من أخطار استخدام مصطلحات التخوين والخطاب العنيف قوميًّا وسياسيًّا)، تكشف حقيقة الوضع المقلق والمخيف وحجم الرعب السياسيّ الذي يشعر به رئيس الدولة( من حزب العمل وتم انتخابه بدعم من الليكود، وله علاقات مميّزة مع قادة طرفي النقيض في الخريطة السياسيّة الإسرائيليّة) جرّاء ما أنتجته الانتخابات الإسرائيليّة الأخيرة، وتشكيل ائتلاف يمينيّ دينيّ وسياسيّ وقوميّ متطرّف، يجمع بين أحزاب يمكن وصفها بأنها متزمّتة دينية( المتدينين الصهاينة والحريديم) والعداء للديمقراطيّة والسعي إلى تحويل إسرائيل إلى دولة لليهود واشتراط حقوق الأقليّة العربيّة بالولاء وإقصاء المثليين وغيرهم، ومتطرّفة علمانيّة سياسيّة( الليكود) يرأسها نتنياهو بشخصيته الانتهازيّة، خاصّة وأن هدفه المركزيّ هو ضمان مستقبله الشخصي والهرب من حكم القضاء وكلمة العدالة التي تحاكمه بثلاث لوائح اتهام، وكذلك ضمان مستقبل عائلته، وهو ما جعله يقدّم التنازلات، بل ويستجيب لكافّة نزوات الأحزاب الدينيّة واليمينية بما فيها، تلك المتعلّقة بتغيير أسس النظام القضائيّ، وتحويل الجيش الإسرائيليّ إلى جيش له قيادتان إحداهما وزير الأمن والثانية هي الوزير بتسلئيل سموتريتش المسؤول عن الإدارة المدنيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة وسعيه إلى جعل الاحتلال حالة دائمة، وجعل الأراضي الفلسطينيّة عبر الضمّ جزءًا من إسرائيل، وليست وديعة يجب إعادتها، هذا طبعًا إضافة إلى مصطلحات تلمح إلى احتمال الحرب الأهليّة أو التصدّع الكبير، وعبارات يكرّرها الإعلام العبريّ منها "إسرائيل تحترق"، "الديمقراطيّة تنهار"، نتنياهو نقل الدولة من "النور إلى الظلام". وهي جمل لم يكن أحد ليصدق أنها تُقال في إسرائيل، بل ربما في دول أخرى، كلّ هذا قبل أن تتخذ الأمور ذلك المنحى الخطير الذي عبّرت عنه تصريحات تسفي فوغل الجنرال المتقاعد من الجيش، والعضو في حزب إيتمار بن غفير الدينيّ المتطرف حين طالب باعتقال قادة المعارضة الأربعة يائير لبيد، بيني غانتس، موشيه يعلون ويائير غولان( الأخير دعا إلى عصيان مدنيّ ردًّا على ما يحدث من مسّ بالديمقراطيّة وتحطيم للجهاز القضائيّ عبر التعديلات القضائيّة المرتقبة) مؤكّدًا( فوغل) أنه يعتبرهم خونة لدولة إسرائيل يجب ملاحقتهم ووضع الأصفاد على أيديهم ( ليردّ بن غفير بأنه لا مبرر لوضع الأصفاد على أيدي الأربعة، ولكن عليهم أن يمتنعوا عن انتقاد الحكومة وقيادة الاحتجاجات) في تصريح يؤكّد عمق تطرّفه ورغبته في منع كلّ انتقاد أو احتجاج، في حالة يؤكّد كثيرون فيها أن إسرائيل تقترب من وضع يمكن فيه فقدان السيطرة على ألسنة اللهب وقوة نيران الكراهيّة والعداء او التحكم بوجهة ومسار الأحداث المتسارعة والدوس على الفرامل لمنع الانزلاق وحرق الأخضر واليابس أو حرق الدولة.
" الفيل الكبير"
أحزاب الحكومة الجديدة بمن فيهم وزير القضاء يريف ليفين المقرب من نتنياهو ويضرب بسوطه، يؤكد أنه لن يتراجع عن " إصلاحاته القضائيّة" التي ستطلقها الحكومة الجديدة، خاصّة تلك المتعلّقة بجعل المستشارين القضائيين في الوزارات تعيينات سياسيّة، واعتبار مواقفهم القضائيّة مجرّد توصيات غير ملزمة، تتصرّف وفق التشبيه "فيل في حانوت من الخزف" تحطّم كلّ شيء لا لسبب إلا لأنها تستطيع ولأنها كبيرة، ولأن ما من أحد يستطيع ايقافها عند حدّها، وذلك وسط صمت مطبق من نتنياهو " الفيل الكبير" في الحكومة، وواضع خطوط مسيرتها ومن اختار شركاءه، لكنّه اختار " ارتداء ثوب براءة الأطفال" مؤكّدًا أنه لن يتدخّل فيها بحكم تناقض المصالح، لكونه متهمًا بتهم جنائيّة، لكن حال الليكود بقيادة نتنياهو وتأليهه في هذا الشأن وكذلك محاولات وزير الاتصالات شلومو كارعي، وهو من أقرب المقربين إلى نتنياهو وزوجته سارة والذي يهدّد بإغلاق هيئة البث الرسميّة، لأنها تنتقد رئيس الوزراء، ولأنها غير متوازنة من حيث تقاريرها الإخباريّة، يشبه إلى حدّ ما الحال في حكاية" الفيل يا ملك الزمان" للكاتب سعد الله ونوس، والتي تعرض واقعًا مريرًا وسوداويًّا لحاكم أوحد لا يأبه لحال رعاياه، بل لمصالحه الشخصيّة فقط ومجتمع( حزب الليكود وأعضائه) يضطر خوفًا من بطشه إلى قبول الظلم والتصفيق له حتى لو دهس فيله أحد الأطفال. ولا يجرؤ أحد حتى على الشكوى أمام الملك الظالم المستبد وفيله المدلل الذي يعبث فسادًا في أملاك الناس، لينتهي خوف الناس منه إلى التماشي معه واقتراح إحضار فيل آخر يخفّف عن فيله وحدته وينجب فيلة إضافيّة، مع فارق بسيط وهو أن فيل نتنياهو الذي يعيث في الجهاز القضائيّ( يريف ليفين) ليس وحيدًا، بل انضمّت إليه فيلة أخرى منها إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وغيرهما من أولئك الذين يعتبرون الديمقراطيّة عبئًا، وحقوق الإنسان توصية غير ملزمة وسلطة القضاء قيدًا والاحتجاج خيانة، وتسييس الجهاز القضائيّ وسلبه الأدوات الرقابية على السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، وتقييد المحاكم أمرَا لا بدّ منه، ونزع الأدوات القانونيّة التي تُمكن القضاة من الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ، ضمن حكومة تسعى إلى تغييرات منها أن تكون للأغلبيّة البسيطة في الكنيست (61 صوتًا) سلطة إلغاء أحكام المحكمة العليا فعليًّا، أي تمكين الحكومة الحاليّة من تمرير تشريع دون الخشية من إسقاطه، إذ يخشى المعارضون من أنْ تستخدم الحكومة الجديدة تلك التغييرات لإلغاء المحاكمة الجنائيّة الجارية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على الرغم من أن الحكومة لم تقل أنها ستفعل ذلك علانيّة، لكنها ألمحت الى ذلك عبر حديث عن مشروع قانون يلغي عمليًّا تهمة خيانة الائتمان، وإلغاء بند "الاحتيال وخيانة الأمانة" في القانون الجنائيّ والعقوبات، بحيث يتحوّل السياسيّ والموظّف الحكوميّ إلى رجل فوق القانون. وإلغاء هذا البند سيفضل المصلحة الشخصيّة للمسؤولين على الصالح العامّ، علمًا أنها التهمة التي يواجهها نتنياهو في اثنين من ملفاته الثلاثة، إضافة إلى قانون يتيح لشخص ما إشغال منصب وزير حتى لو أدين بتهمة جنائيّة تحمل ما يسميه القانون الإسرائيليّ بوصمة العار خاصّة في المخالفات الجنائيّة كالرشوة والضرائب وغيرها، وتشريعات تحدّ من حريّة الفكر والإبداع وتشترط تمويل النتاجات الفنيّة بتبني مواقف الحكومة وسياساتها وتوجّهاتها، أي جعل الإعلام والإنتاج الإبداعيّ بوق دعاية، وبالتالي إخراس كافة أصوات الانتقاد.
"حكومة منتشية"
الحكومة الجديدة لم تكتف بتشريعات تدوس الحقوق، وتضرب عرض الحائط بالأعراف والمتبع، بل إنها تتصرّف بنفس العنجهيّة تجاه قضايا قد تقرب إسرائيل من محكمة الجنايات الدولية خاصّة إذا ما أصرّ وزير الأمن القوميّ على سن القانون الذي يمنح الحصانة من المساءلة والمحاكمة لجنود يطلقون النار على فلسطينيين ويقتلونهم، وتحول دون أن تفحص المحاكم ولجان التحقيق مجريات ما حدث، إضافة إلى تعديل أوامر إطلاق النار التي تحكم عمل الشرطة داخل إسرائيل بعكس ما كان حيث حالت تدخلات المحاكم الإسرائيليّة حتى اليوم دون قيام المحاكم الدوليّة، أو المحاكم في الدول الأوروبيّة بمحاكمة سياسيين وقادة عسكريين إسرائيليين ، وكذلك تجاه السلطة الفلسطينيّة والقضيّة الفلسطينيّة التي يبدو وكأَن إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اتخذا القرار ووضعا السياسة تجاهها خلافًا لما فعلته كافّة الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة منذ العام 1967 حيث امتنعت عن اتخاذ قرار نهائيّ بشان الأراضي المحتلة فأبقتها بين بين، أي حافظت على كفتي الميزان بين إعلانها أن الاحتلال مؤقت، وأن الضفة الغربية ليست جزءًا من إسرائيل، بل يديرها الجيش عبر إدارة مدنية خاصّة، وأعني هنا خاصّة قيام المجلس الوزاري ّالإسرائيليّ المصغّر للشؤون الأمنيّة والسياسيّة بتحويل ما يقارب 39 مليون دولار من أموال السلطة الفلسطينيّة إلى الإسرائيليين الذين يقولون إنهم تضرروا من عمليّات نفّذها فلسطينيون، وكذلك خصم أموال من المستحقّات المالية الفلسطينيّة بما يعادل ما تدفعه السلطة الفلسطينيّة كمخصصات اجتماعية لأهالي الأسرى الفلسطينيين، وتجميد مخططات البناء الفلسطينية في المنطقة (ج) وحرمان الشخصيّات المهمّة التي تقود الحرب السياسيّة والقانونيّة ضد إسرائيل من المزايا، في إشارة إلى تصاريح التنقل الممنوحة لكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينيّة، وهي خطوات أعلنت 90 دولة منها 22 أوروبية منتصف هذا الأسبوع رفضها لها باعتبارها تتنافى والقانون الدوليّ، في تزامن غير متوقّع مع منع قوات الشرطة لسفير المملكة الأردنيّة الهاشميّة في إسرائيل، السيد غسان المجالي، من دخول الحرم القدسيّ الشريف( للتذكير فقط بأن المملكة الأردنية الهاشميّة هي صاحبة الوصاية على الحرم القدسيّ والمسجد الأقصى)، بادعاء أنه لم ينسق وأن الشرطي لم يتعرّف عليه، وأنه لو انتظر عدة ثوانٍ إضافيّة لتم ترتيب الدخول، وهي كما يبدو قطرة ستكون أول الغيث في هذه الحكومة.
هكذا هي إسرائيل اليوم، دولة تقودها حكومة منتشية بإنجاز لم تتوقعه، تحرّكها مشاعر الانتقام من كلّ ما هو ومن هو مختلف، تريد إسرائيل ديمقراطيّة شكليّة ولليهود فقط، يحكمها تيار واحد دون وازع، أو رادع قضائيّ وقانونيٍّ ودون إعلام حرّ ينتقد ويوجه، بل تريدها دولة يتم اتهام كل من يمتلك شجاعة الانتقاد بأنه خائن، واتهام الجهاز القضائيّ بأنه " حزب لا يقبل الحسم الديمقراطيّ" ، واتهام القضاة بأنهم أعداء الدولة وقادة المعارضة بأنهم الخطر الأكبر على إسرائيل، ومعارضة تدرك أن الدولة على شفا الهاوية وقريبة من نهاية الديمقراطيّة. أما المواطنون العرب فلا حديث عنهم فهم كما قال وزير الأمن القوميّ إيتمار بن غفير مرشحون للترحيل( بالحافلات أو القطارات، أو الطائرات) إلى غزة وسوريا ولبنان إذا لم يتصرفوا كالحمل الوديع والطفل المطيع، بينما الأحزاب العربيّة وخاصة القائمة الموحدة، وائتلاف الجبهة والعربيّة للتغيير فتخوض حربًا هي حرب الماضي وتتبادل التهم حول أحداث انتهت غارقة في نزاعات لا طائل منها، ولا فائدة وسط امتناع عن تأدية مهامها في مواجهة الحكومة الحالية التي لا تفرّق بين الدكتور منصور عباس، أو الدكتور أحمد الطيبي، أو أيمن عودة فكلهم في خانة الاتهام سواسية، بل في خانة التخوين زملاء وجيران أمام هذه الحكومة. وأمّا بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربيّة فإسرائيل ستضمّ الضفة الغربيّة ليصبحوا رعايا دون حقوق تُطلب منهم الطاعة العمياء وقبول الواقع، وفوق كلّ ذلك حكومة تسيطر على السلطة التشريعيّة، وتُرْهِب السلطة القضائية وتُقَلِّم أظافرها وتضعها في "خانة اليَك" وموقع الدفاع الدائم عن النفس، دون أن تتمكن من مساءلة من يخرق القانون ويرتكب المخالفات الجنائيّة، لتصبح السياسة الإسرائيليّة ساحة لأصحاب السوابق ومرتادي السجون، ما يمنع أصحاب القيم والرغبة الصادقة في العمل لمصلحة البلاد والعباد من الاقتراب من هذه الساحة الآسنة. يؤكّد ذلك ما حصل مع سقراط الفيلسوف اليونانيّ العظيم الذي رفض كلّ المناصب السياسية التي عرضت عليه، وعندما سأله أحد تلاميذه عن سبب الرفض فأجاب : لقد كنت رجلًا نزيهًا ، لذلك لم أصبح سياسيًّا .
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il