المحامي زكي كمال
شهدت العلاقات الروسيّة الإسرائيليّة في الأسابيع الأخيرة توتّرًا شديدًا تسرّبت حوله بعض الأنباء إلى وسائل الإعلام الإسرائيليّة والعالميّة، التي اكتفت بوصفه على أنه خلاف حول نشاط الوكالة اليهوديّة في روسيا وتهديد روسي بوقف نشاطها هناك، إلا إذا تمخضت إجراءات قضائيّة تجري في روسيا بمشاركة مندوبين قضائيّين إسرائيليّين. وقد أجّلت روسيا منحهم تأشيرات الدخول اليها، بشكل متعمّد، كما قالت مصادر سياسيّة إسرائيليّة، كرّرت التصريحات الرسميّة بأن الحديث يدور عن قضية إجرائيّة تتعلّق بتأشيرات على الوكالة اليهودية التزوّد بها وتوفيرها بغية مواصلة نشاطها، وهي تصريحات قبلها الجميع دون اعتراض أو تمحيص، أو محاولة لفحص الوقائع والمعلومات أو ما وراءها، وصولًا إلى الحقيقة. وهي بعيدة كل البعد عن "المحاولات الحكوميّة والرسميّة الناجحة" لتخفيف حدّة الخلاف، أو "لتقليص أهمّية الموضوع بشكل مقصود وعرضه، وكأنه إجرائيّ، وهو أبعد ما يكون عن الإجرائيّ، وأهم بكثير من أن يكون حدثًا عابرًا أو خلافًا مؤقّتًا ،أمكن حلّه سواء كان موضوعه مواطنا إسرائيليا، أو مؤسسة إسرائيليّة أو غيرها، عبر المحاكم الروسيّة كما حدث أكثر من مرة آخرها قضية المواطنة الإسرائيليّة نعما يسسخار، التي حكمت عليها المحكمة الروسية بالسجن لسنوات طويلة بعد إدانتها بحيازة المخدرات، أو حتى قضية الأراضي في ساحة القديس سيرجي في القدس، التي قررت حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو إعادتها إلى روسيا فلاديمير بوتين ردًّا على "جميل" إطلاق سراح السجينة المذكورة.
صحيح أن القضية في ظاهرها تبدو إجرائيّة- قضائيّة، كما أنها في توقيتها تبدو خلافًا طبيعيًا، لكنها ليست كذلك إطلاقًا، بل إنها قضية جوهريّة تصل حدّ المصيريّة تمسّ عصب دولة إسرائيل، وتقض مضاجع الساسة في إسرائيل منذ إقامتها، بل قبل إقامتها ومضاجع من تنبّأ بقيامها منذ أواخر القرن التاسع عشر، وهي قضية الأغلبيّة اليهوديّة فيها وإمكانيات هجرة اليهود إليها من دول العالم عامّة والاتحاد السوفياتي سابقًا وروسيا اليوم خاصّة، أو تلك الدول التي تعتبرها إسرائيل ومعها ، ومن أجل عينيها ومصالحها، طبعًا أمريكا دولًا غير ديمقراطيّة، أو " دولًا لا تحترم حقوق الإنسان" ، ناهيك عن أن مراجعة تاريخيّة سنعود إليها لاحقًا تؤكد أن قضية الأغلبيّة اليهوديّة، قربها أو بعدها، هي ما يحكم سياسات إسرائيل الخارجيّة تجاه النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، والداخلية خاصّة تجاه المواطنين العرب فيها، وبالتالي فإن ما يحدث حاليًّا من محاولة ورغبة روسيّة لفرض قيود على نشاط الوكالة اليهوديّة، هو كلمة حق يراد بها باطل، أو أن هذه الرغبة هي وسيلة لتحقيق غاية مختلفة، وأن نشاط الوكالة اليهوديّة في روسيا هو "وسيلة" لتحقيق أهداف إسرائيليّة كبيرة قبلتها روسيا مضطرة لسنوات طويلة، وكفّت عن ذلك اليوم، وهذا ما تؤكّده الردود الإسرائيليّة الحكوميّة التي جاءت من رئيس الوزراء يائير لبيد ووزير ماليّته أفيغدور ليبرمان ووزير أمنه بيني غانتس، وقادة المعارضة وغيرهم خاصّة من الخبراء في الشؤون الأمنيّة والاستراتيجيّة،... وليس القضائيّة والقانونيّة. وتكفي الإشارة إلى تحذير رئيس الوزراء يائير لبيد من أن وقف نشاط الوكالة اليهوديّة ستكون له أبعاد كبيرة على العلاقات الروسيّة الإسرائيليّة، وسيشكّل حدثًا خطيرًا من شأنه التأثير على العلاقات بين البلدين، وتوجيهاته بإعداد فريق قانونيّ، ليكون مستعدًا للسفر إلى موسكو فور موافقة روسيا على إجراء محادثات بهذا الشأن، يقابله الردّ الروسيّ على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن تحرّك وزارة العدل الروسيّة ومطالبتها بإغلاق مكاتب الوكالة اليهوديّة، جاء بعد انتهاك الوكالة للقوانين الروسيّة. ونفيه صحّة التكهّنات بأن موسكو تسعى لمنع هجرة "العقول المميزة" من روسيا إلى إسرائيل، علمًا أن 17 ألف شخص غادروا روسيا إلى إسرائيل منذ مطلع العام حتى الآن، وهو ما يعادل ضعف العدد المسجّل العام الماضي.
"القضية ليست جديدة"
وهنا بيت القصيد، فالقضية ليست جديدة، بل إنها قديمة جدًا قوامها رغبة إسرائيل في أن يهاجر إليها أكبر عدد من اليهود الروس الذين يمتازون في مجالات العلوم والطب والتقنيات المتقدّمة والصناعات العسكريّة والموسيقى، وليس مجرد الاهتمام باليهود الذين يقيمون في روسيا، ومحاولة سدّ أيّ نقص في الخدمات خاصّة تلك التي تتعلّق بالشؤون الدينيّة وغيرها، أو بسد احتياجات أخرى، كما تحاول السلطات الإسرائيليّة الادعاء، بل أكثر من ذلك فنشاط الوكالة اليهوديّة في روسيا وهجرة اليهود منها إلى إسرائيل قديمة للغاية، وهي ليست إسرائيليّة فحسب، بل إنها أمريكيّة أيضًا ( بدوافع وبتشجيع إسرائيليّ ويهوديّ) ، تعود إلى سبعينات القرن الماضي. فالوكالة اليهوديّة التي تأسست عام 1929، تهتم بتشجيع، بل تنظيم الهجرة اليهودية إلى إسرائيل. بدأت نشاطاتها في روسيا في عام 1989 قبل عامين من سقوط الاتحاد السوفياتي، أما بعد سقوطه، وبعد تولي فلاديمير بوتين مقاليد السلطة في روسيا، فقد وصل إلى إسرائيل نحو مليون يهودي من أنحاء الاتحاد السوفياتي السابق. والحقيقة أن قضية الهجرة اليهودية من روسيا "أقدم من ذلك بكثير"، تولت الولايات المتحدة مهمّة ضمانها قبل إقامة العلاقات بين إسرائيل وروسيا عام 1992، فهي تعود إلى تعديل "وثيقة جاكسون-فانيك"، وهي وثيقة تعود إلى زمن الحرب الباردة حاولت تحديد معالم ومدى العلاقات التجارية الروسيّة-الأمريكيّة، عبر تعديل القانون الأمريكيّ للإصلاح التجاريّ عام 1974 بشكل يمنع منح، أو تقديم تساهلات، أو تقديم قروض حكوميّة للاتحاد السوفياتي وبعض الدول الأخرى التي تفرض قيودًا على هجرة مواطنيها اليهود، إضافة إلى فرض قيود "ومعيقات" على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة من البلدان التي لا تطبّق اقتصاد السوق، ليربط حجم التجارة بين هذه الدول والولايات المتحدة بمدى حريّة الهجرة اليهوديّة، وهو تعديل ربط سياسات الهجرة المفتوحة من الدول الشيوعيّة آنذاك بعلاقاتها التجاريّة والاقتصاديّة مع الولايات المتحدة. ونجح هذا البند في الضغط على الكرملين، لتخفيف القيود المفروضة على اليهود السوفييت الراغبين في الوصول إلى إسرائيل والولايات المتحدة ، عبر "ضغوطات وقيود اقتصاديّة" ومن ثمّ سياسيّة، فرضتها أمريكا على الحكومة السوفياتيّة "بحجة" قانون حقوق الإنسان، ما مهّد الطريق أمام مواطني الاتحاد السوفياتيّ والدول الشرقيّة للهجرة إلى الخارج، وهو ما استمر حتى عام 1985، أي حتى أعلن الاتحاد السوفياتيّ "بداية" حريّة الهجرة في الاتحاد السوفياتيّ، إذ فقد تعديل جاكسون- فانيك معناه الأصليّ، لكنه لم يلغ حتى العام 2012 في عهد الرئيس باراك أوباما.
وإذا كان" هاجس الهجرة اليهوديّة وأبعاده الديمغرافيّة" قد أشغل الولايات المتحدة بطلب من إسرائيل في سبعينات القرن الماضي، فإنه هاجس أشغل قادة إسرائيل منذ إقامتها وقبل ذلك، والدليل على ذلك هو ما كشفه المؤرخ الدكتور دان شيفطان في كتابه :" الأهداف القوميّة لإسرائيل، منظور شامل"، من مضمون الرسالة التي أرسلها حاييم أرلوزوروف، عام 1932 إلى الرئيس الأول لاحقًا لدولة إسرائيل، حاييم وايزمان، والذي اكّد فيه أهميّة العامل الديمغرافيّ، أي أهميّة زيادة، أو ازدياد أعداد اليهود في إسرائيل حتى في السنوات التي سبقت إقامتها، مؤكّدًا إحباطه من كون عدد اليهود أقلّ من عدد العرب الفلسطينيين في البلاد، ومن أن تفوّق اليهود عددًا على العرب بين النهر والبحر هو غاية لن تتحقق بسبب رفض اليهود الهجرة إلى فلسطين، ورفض البريطانيين فتح الأبواب على مصراعيها أمام الهجرة اليهودية، ومعارضة دول أخرى في العالم لهجرة مواطنيها اليهود، مؤكّدًا أهميّة التغلّب على هذه المعضلة، أي العمل على ضمان أغلبيّة يهوديّة تضمن طابعًا يهوديًّا للدولة، عبر إمكانيات عديدة أقلّها قبولًا من طرفه هو "انتظار حدوث أو تحقق الأغلبية ببطء ما قد يعني عدم تحقّقها، أو انهيار الصهيونيّة، وتقليص المساحات التي يسيطر عليها اليهود في فلسطين، أو السيطرة على البلاد وتطبيق طريقة حكم تضمن الحريّة، أو الإمكانيّة الثالثة، وهي ما لا يفضله وفقًا لأقواله. وهي تنص على أن يتم ضمان الأغلبيّة اليهوديّة عبر "مرحلة انتقاليّة تحكمها حكومة أقليّة قوميّة تستولي على أجهزة الدولة والجيش والمناصب الإداريّة، وذلك لمنع سيطرة الأغلبيّة غير اليهوديّة عليها، ومنع أيّ تمرّد ضد اليهود"، أي بكلمات أخرى أنه "يجب ضمان الأغلبيّة اليهوديّة حتى لو حتَم ذلك فرض نظام دكتاتوريّ يهوديّ يرفض ويناقض الفكر الديمقراطيّ"، أي أن أرلوزوروف يقترح أنه في وقت الشدائد يمكن "التخلي عن النظام الديمقراطيّ -اليهوديّ لصالح النظام أو الطابع اليهوديّ القوميّ"، وهو عمليًّا ما يشمل حرمان الأقليّات من حقوقها واعتبار مواطنيها من الدرجات الدنيا، ما يؤكد أنه ما أشبه الأمس ( عام 1932) باليوم ( عام 2018) وقانون القوميّة الذي يلغي المساواة، ويمنع منح المواطنين العرب حقوقهم واعتبارهم من "مواطنين كاملي الحقوق "وهو ما يكشف ربما خبايا أفكار قادة الحركة الصهيونيّة، وملخصها أن الديمقراطية ليست غايتهم، بل وسيلتهم للسيطرة على الغير، لتحقيق أهداف مستقبليّة عبر قمع فئات ومجموعات سكانيّة وقوميّة بحجّة الحفاظ على " يهوديّة الدولة".
" الموَّال الأول"
وما أشبه الأمس باليوم، فالحفاظ على الأغلبيّة اليهوديّة في الدولة، أو الحفاظ على يهوديّة الدولة أصبح" الموَّال الأول" الذي يغنيه اليمين في إسرائيل مسوّغًا بذلك كافّة موبقات التمييز ضد العرب في إسرائيل، واستمرار احتلال الضفة الغربيّة ومواصلة الاستيطان والسعي إلى دولة ثنائيّة القوميّة، وصولًا إلى حالة تكرس الدولة فيها حقوق الأغلبيّة اليهوديّة إن بلغت ذلك الهدف، أو تفوق اليهود دون بلوغهم موقع الأغلبيّة الديمغرافيّة، أي دولة أقرب إلى دولة "العرق المتفوق"، التي تحدد حقوق مواطنيها وفق انتمائهم العرقيّ والدينيّ، حتى لو تم ذلك عبر اضطهاد ونظام حكم بعيد عن الديمقراطيّة، ربما يسمح أو يشرعن الطرد والإبعاد تمامًا، كما يريد عدد من قادة اليمين المتطرف والمستوطنين، من منطلق أن الديمقراطية هي الغطاء لتحقيق الأهداف التي تتلخص في ضمان الأغلبيّة والسيطرة اليهودية، إضافة الى ربط" التمييز المفضِّل للأقليّات"،او منحهم الحقوق منوط بقرب إسرائيل، أو بعدها من تحقيق هذا الهدف. ولذلك ليس من الغريب أن تكون الفترة التي حصل فيها المواطنون العرب داخل إسرائيل على أكبر قدر من الميزانيات منذ قيام الدولة، هي الفترة التي تدفّقت فيها الهجرة اليهوديّة من روسيا إلى إسرائيل، والتي كان من المتوقع أن تتواصل، بل أن تتعزّز على خلفيّة اتفاقيات أوسلو التي تيمن بها مؤيّدوها خيرًا، واعتبروها بداية عهد السلام الذي لم يتحقق، أي أن المساواة ومحاولة تحسين أوضاع المواطنين العرب في البلاد، تزامنت مع مرحلة تيقّنت فيها إسرائيل من أنها تقترب من ضمان أغلبيّة يهوديّة واضحة داخل الخط الأخضر، او ضمن دولة إسرائيل بحدودها التي كان من المقرّر، أو المتوقع أن تضمنها اتفاقيات أوسلو.
"الهدف السهل"
صحيح أن هناك من يرى أسبابًا سياسيّة وراء الإجراء الروسيّ، إذ يتردّد أن موسكو غير راضية عن موقف اسرائيل من الحرب في أوكرانيا، كما قال السفير الإسرائيليّ السابق في روسيا تسفي مغين، الذي أكَّد أن الأمر لا يتعلّق بالوكالة اليهوديّة، وأن الروس اختاروا الوكالة اليهوديّة باعتبارها الهدف الأسهل، مستغلين وجود أزمة في العلاقات الثنائيّة، تؤكّدها الانتقادات من الجانب الروسيّ لمواقف وتصرّفات إسرائيل، (لا سيما بعد أن وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد -وقت أن كان وزيرًا للخارجيّة- الصور القادمة من أوكرانيا بأنها مروعة، واتهم روسيا بشنّ حرب على المدنيّين) سواء تعلّق الأمر بسوريا أو إيران، مضيفًا أن سياسة روسيا تغيّرت، وربما تغيّرت مصالحها في الشرق الأوسط، فرغم أن الحرب في أوكرانيا أعطت بعدًا جديدًا للأزمة بين البلدين فإن جذور الخلافات تمتدّ إلى الساحة السوريّة، إذ لا توافق موسكو على الضربات الإسرائيليّة ضد سوريا، ناهيك عن مواقفها المتفهّمة لموقف ايران (التي زارها فلاديمير بوتين مؤخّرًا للقاء رئيسها إبراهيم رئيسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من الاتفاق النووي)، وذلك خلافًا لمواقف إسرائيل والولايات المتحدة، علمًا أنه في سياق تطوّر العمليّة بدأت إسرائيل في مساعدة أوكرانيا ومدّها بشكل شبه علنّي بالأسلحة والإمدادات الطبيّة والعسكريّين والمعلومات الاستخباريّة، وبالتالي قررت موسكو الضغط على إسرائيل من خلال "ضرب منظّمة غير حكوميّة" أو " طرف ثالث" خاصّة، وأن الوكالة اليهوديّة تم تسجيلها منذ سبعينات القرن الماضي كمنظّمة أمريكيّة، لتسهيل عملها في الاتحاد السوفياتيّ الذي سادت القطيعة بينه وبين إسرائيل في حينه، واكتفت النخبة الحاكمة الشيوعيّة بعلاقات حميمة مع الدول العربيّة ومدّتها بالأسلحة حتى العام 1973، وبعدها بشكل أقلّ.
في هذا السياق، يجب الالتفات إلى تصريحات مدير مركز التحليلات السياسيّة دينيس كركودينف، أنه عندما كانت روسيا ترغب في نقل عدم رضاها عن العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة ضد أهداف إيرانيّة في سوريا فإن موسكو كانت تتجاهل حركة الأسلحة المتطوّرة روسية الصنع من سوريا إلى مستودعات حزب الله في لبنان، وهذا ما يمكن أن يتكرّر، كتعبير عن الاستياء من نشاط بعض المنظّمات الموالية لإسرائيل في روسيا، خاصّة وأن القيادة في إسرائيل شهدت تغييرًا ساهم في زيادة التوتر الروسيّ-الإسرائيليّ، بعد تغيُّر شخصية صُنَّاع القرار الإسرائيليّ، لا سيما مع طيّ صفحة بنيامين نتنياهو الذي سجّل أكبر عدد من الزيارات للكرملين قياسًا إلى غيره من زعماء العالم، في حين حاول نفتالي بينيت إجراء وساطة فاشلة بين موسكو وكييف لوقف الحرب المشتعلة، ناهيك عن تعليق إسرائيل قرار رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو منح روسيا الوصاية على أرض الكنيسة الأرثوذكسيّة في القدس، مقابل يائير لبيد الذي لم يتردّد في انتقاد روسيا وبكلمات قاسية بعد اندلاع الحرب على أوكرانيا، أي أن يائير لبيد يتصرّف بشكل مختلف كليًّا عن سابقيه، فهو صاحب مواقف مؤيّدة للغرب ومناهضة للروس ، بعكس ما جرت عليه العادة الإسرائيليّة في محاولة رضى الجميع، حتى الأطراف المتناقضة، ممّا دفع العديد من المحافل الإسرائيليّة للحديث عن مسؤوليّة شخصيّة تتعلّق بشخصيّة لبيد في إشعال الخلاف المتفاقم مع بوتين، بينما يتّهم كثيرون روسيا أنها بمسألة الوكالة اليهوديّة تحاول ممارسة ضغط مستمرّ على إسرائيل لانتزاع مواقف سياسيّة مختلفة، خاصّة في خضمّ تطورات الحرب الأوكرانيّة، والانحياز الإسرائيليّ لصالح واشنطن، انطلاقًا من فهم إسرائيل أن استقلال المحاكم في روسيا هو على الورق، وأنها ستفعل ما يأمرها به بوتين فإذا قرّرَت موسكو حقًّا إنهاء نشاط الوكالة اليهوديّة لديها، فإن إسرائيل مُطالَبة بالاستعداد لأزمة طويلة.
"بيضة قبان"
إذن ، هذه هي صورة الوضع الحقيقيّة، فروسيا تريد نقل رسائل سياسيّة إلى إسرائيل، وأن تبلغها أنها لم تعد تلك الدولة التي تخضع لإملاءات اقتصاديّة وسياسيّة أمريكيّة تلزمها بقبول وجود هيئة ما تعمل في وضح النهار على تشجيع مواطنين روس على الهجرة، معظمهم من أصحاب رؤوس الأموال والكفاءات العلميّة الفائقة، أمّا إسرائيل فتدرك أن وقف عمل الوكالة اليهوديّة يعني أن تفقد إسرائيل مصدرًا يصل منه عشرات ومئات آلاف اليهود من روسيا، يشغلون المناصب المرموقة ويشكّلون "بيضة قبان" مقابلة للفلسطينيّين تضمن أغلبيّة يهوديّة لإسرائيل استعدادًا لحلّ، أو لوضع مستقبليّ تتحوّل فيه إسرائيل إلى دولة واحدة بعد أن ماتت فكرة الدولتين، يحظى اليهود بكل الحقوق، بينما يتم اعتبار الفلسطينيّين والعرب مواطنين أقل حقوقًا حتى لو تم ذلك عبر تنازل إسرائيل عن طابعها الديمقراطيّ لصالح طابعها اليهوديّ. وقانون القوميّة هو أول الغيث يليه تصريحات لم نسمعها منذ سنوات تتحدث علنًا، وعلى لسان عضو في البرلمان هو إيتمار بن غفير، أنه سيعمل في الكنيست القادمة على سنّ قوانين تضمن الأغلبيّة اليهوديّة والتفوّق الديمغرافيّ اليهوديّ حتى لو كانت هناك حاجة لتحقيق هذا الهدف إلى ترحيل العرب، وفرض نظام غير ديمقراطيّ، وهو ما تنبّأ به أرلوزوروف في ثلاثينات القرن الماضي، أي قبل نحو مئة عام... ويبقى السؤال: هل ستتمخض الانتخابات البرلمانيّة القادمة عن ائتلاف يقدّس "يهوديّة الدولة ويقدّم حقوق الإنسان والديمقراطيّة" قربانًا لها، ويجعل نبوءة أرلوزوروف ( واليمين والمستوطنين اليوم) قريبة من التحقيق أم أن حلم دافيد بن غوريون (وما بقي من اليسار اليوم) بدولة ديمقراطيّة هو ما سيتحقّق؟
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il.