المحامي زكي كمال
وبنفس الطريقة التي رأى بها النور، إلا أن هذا الانسحاب الذي ما لبث أن تبخر وكأنه لم يكن، أو أصبح في خبر كان بسرعة البرق، وبغض النظر عن نتائجه وتبعاته قصيرة المدى منها، أو البعيدة، يحتّم طرح أسئلة كثيرة وتساؤلات أكثر حول تركيبة ومبنى الائتلاف الحكوميّ الحاليّ، وحول الاستنتاجات الراهنة والسلبية منه، والمتعلقة بمستقبل الشراكة العربيّة اليهوديّة في حزب واحد، أو ربما داخل ائتلاف حكوميّ مستقبليّ، وحول طريقة اختيار المرشّحين في معظم الأحزاب، خاصّة في تلك المواقع المضمونة، أو التي يحلو للبعض تسميتها بأنها " مُحَصَّنَة "، أي تلك المواقع التي يحقّ لرئيس الحزب تعيين من يريد فيها دون العودة إلى مؤسّسات الحزب، مع الفارق الكبير في طريقة وجدوى هذه الخطوة بين الليكود قائد المعارضة اليوم مثلًا، وبين حزبي " يمينا " و" ميرتس " الشريكين في الائتلاف، مع الإشارة إلى أن زعبي لم تكن عضو الكنيست المُحصَّنة، أو المعينة الأولى التي تعلن انسحابها من الائتلاف، فقد سبقتها في ذلك النائب عيديت سيلمان رئيسة الائتلاف الحكوميّ والعضوة في حزب " يمينا "، حزب رئيس الحكومة نفتالي بينيت، وبينهما، زعبي وسيلمان، نقاط التقاء وتشابه كثيرة ليست شخصيّة، لكن حزبيّة وائتلافيّة كثيرة، وإلى ذلك يجب أن نضيف الأسئلة الكثيرة والكبيرة، بل والخطيرة حول الردود على انسحاب غيداء ريناوي زعبي خاصّة من الأحزاب العربيّة.
" أبعاد ودلائل "
إذًا، عادت عضو الكنيست غيداء ريناوي زعبي إلى الائتلاف الحكوميّ برئاسة نفتالي بينيت، وذلك في ختام جلسة مطوّلة، ليس مع رئيس الحكومة نفسه، بل مع خلفه المرتقب، أو رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية الحالي يئير لبيد، وهو أمر له أبعاده الكبيرة ودلائله العديدة، فهو تأكيد لحالة غير طبيعيّة تمّت فيها اتفاقيّات ائتلافيّة بين أحزاب معيّنة في الائتلاف وبين حزب " يش عتيد" ورئيسه يئير لبيد، الذي كان المرشح لتشكيل الحكومة بعد فشل بنيامين نتنياهو في مهمّته، دون أن يكون رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت شريكًا فيها، ما يثير الأسئلة حول الالتزام المتبادل ببنود هذه الاتفاقيّات بين هذه الأحزاب: ميرتس، الموحدة، العمل، كاحول لفان، يسرائيل بيتينو، وتكفاه حدشاه برئاسة جدعون ساعر، وبين رئيس الحكومة الحاليّ بينيت، فالتزام هذه الأحزاب كان أمام لبيد والتزامه أمامها، أما بينيت فهو خارج هذه المعادلة، وعلّلت زعبي انسحابها بأن الاحتجاج على عنف الشرطة الإسرائيليّة خلال جنازة الصحفيّة المرحومة شيرين أبو عاقلة، واحتجاج على ما جرى في شهر رمضان في المسجد الأقصى، إضافة إلى ممارسات الحكومة يمينيّة التوجه التي وصفتها زعبي بأنها تعزّز اليمين وتدوس باقي الشركاء، وتواصل بل تعمق التمييز ضد المواطنين العرب، لتأتي عودتها مكلّلة ببيان قالت فيه إنها تعود إلى الائتلاف، لأن البديل عنه هو حكومة يكون فيها ايتمار بن غفير وزير الأمن الداخليّ، وبتسلئيل سموتريتش وزيرًا صاحب نفوذ كبير وبنيامين نتنياهو رئيسًا، وهو ما لا تسمح ولن تسمح به، مضيفة أنها اتّخذت هذا الموقف من أجل تحقيق مكاسب تلبّي احتياجات المجتمع العربيّ، وذلك أن مارس عدد من قادته المحليّين ضغوطًا شديدة عليها للقيام بذلك، إضافة إلى زيارتها من قبل الدكتور منصور عباس رئيس القائمة الموحدة، وكذلك زميلها الوزير عيساوي فريج، وهي عودة رحّب بها يئير لبيد قائلًا: " أجرينا حوارًا صريحًا وواضحًا حول الحاجات الحقيقيّة للمجتمع العربيّ مع غيداء ورؤساء السلطات المحليّة . وضعنا الجدل وراء ظهورنا وعائدون للعمل ضمن الحكومة ".
الأسئلة حول ما سبق كثيرة ومنها: إذا كان الأقصى وعنف الشرطة وجنازة شيرين أبو عاقلة وتعزيز التوجّهات اليمينيّة وتهميش الآخرين، وعدم القدرة على تلبية احتياجات المجتمع العربيّ العمود الفقريّ والغطاء الشرعي المبدئيّ والأيديولوجيّ لرسالة الانسحاب من الائتلاف، فأين هي كلّها باستثناء تلبية احتياجات المجتمع العربيّ، من مضامين رسالة العودة؟ وماذا يعني ذلك حول مدى مصداقيّة وصدق الأسباب التي ساقتها زعبي للانسحاب من عدمه؟ فهل هي انسحبت لأسباب مبدئيّة أمكن ربما فهمها، ومناقشة جدوى الخطوة، أو تأثيراته وأبعاده أم أنها استقالت أو انسحبت، ثم تراجعت لأسباب في نفسها وغايات في نفس يعقوب؟ وإذا كانت العودة جاءت، لأن البديل لحكومة التغيير، هو حكومة برئاسة نتنياهو وعضوية إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، فهل اتضح ذلك فجأة للنائبة في البرلمان غيداء ريناوي زعبي، وهي لم تكن تعرف هذه الحقيقة قبل ذلك؟
وفوق كلّ ذلك يُسأَل السؤال، لماذا أرسلت زعبي رسالة انسحابها إلى رئيس الحكومة الحالي الذي لم يوقّع معها، أو مع حزبها أيّ اتفاق ائتلافيّ ورئيس الحكومة البديل، قبل أن تُرْسَل، أو دون أن تُرسل أولًا لحزبها، كما يقتضي العقل والمنطق والتصرف المبدئيّ، واحترام الأُطُر والهيئات الحزبيّة واحترام الترتيب الهرميّة لكل حزب وحزب؟
ولماذا لم تُرسل زعبي رسالة الانسحاب إلى رئيس حزبها وهو الذي عيَّنها في موقعها الرابع المتقدّم في الحزب، رغم أنها ليست ولم تكن عضوًا في حزبه وإنما جاء تعيينها استجابة لتوصية رجل الأعمال يوسي كوتشيك الذي كان المسؤول عن مفاوضات " ميرتس " الائتلافيّة في محاولة واضحة لإبعاد النائب عيساوي فريج، العضو المخضرم في " ميرت" الذي لا تسود أواصر المحبّة بينه وبين رئيس حزبه نيتسان هوروفيتس، وذلك في محاولة لضرب عصفورين بحجر واحد، فهي سيّدة وعربيّة وناشطة اجتماعيّة، أليس هذا ما تريده ميرتس؟
" فارق جوهري "
هنا وجه الشبه الأساسيّ، ولكن ليس الوحيد بين غيداء ريناوي زعبي، وبين عيديت سيلمان المنسحبة من الائتلاف، فسيلمان كما زعبي هي" عنصر خارجيّ " عن حزبها، أي أنها ليست عضوًا معروفًا في حزبها " يمينا "، وليست معروفة لمعظم نشطاء الحزب، بل إنها تعيين لرئيس الحزب نفتالي بينيت، لكنها ورغم ذلك لم تواصل إخلاصها لمن عيّنها ومن أوصلها إلى رئاسة الائتلاف الحكوميّ - كما زعبي- كما أنها حين قرّرت الانسحاب لم ترسل له رسالة الانسحاب قبل تسريب محتواها إلى الإعلام، تمامًا كزعبي التي رفضت يوم الخميس 19.5.2022 لقاء رئيس حزبها، ومن منحها موقعها في الحزب رغم أنه سافر من تل أبيب إلى مكان إقامتها، مدينة نوف هجليل، خصيصًا للقائها لكنها فضلت بدل لقائه، أن تحلّ ضيفة على قناة تلفزيونيّة لإجراء لقاء صحفيّ صبّت فيه النار والحديد على الحكومة ورئيسها وأحزابها مؤكّدة انسحابها الذي يستند إلى موقف مبدئيّ "من أجل الأقصى وما شهده شهر رمضان وأحداث العنف في جنازة شيرين أبو عاقلة وتهميش المواطنين العرب " رافضة باشمئزاز محاولات أو تلميحات ملخصها أن الانسحاب جاء لأسباب شخصيّة وهي التأخير الذي شهدته عمليّة تعيينها قنصلًا في شنغهاي، بقرار قبل أشهر من وزير الخارجية يئير لبيد، والذي أخّرته مفوّضيّة خدمات الدولة، وربما هذا سبب إرسالها رسالة الانسحاب إليه؟.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الفارق الجوهريّ في قضيّة " تعيين" أعضاء كنيست في أماكن مُحَصَّنة، فهي عمليّة يمارسها رئيس الحزب لدعم سيطرته وتعيين مؤيّديه، وها هو بنيامين نتنياهو يمارسها بشكل يمكن اعتباره ممتازًا عبر تعيين نواب منهم مثلًا عضو الكنيست غاليت داستل أطبريان، التي تدافع عنه كلبؤة تدافع عن أشبالها، ولا تترك أي فسحة لمناوئيه وخصومه داخل الحزب وخارجه للنيل منه، وتطيعه طاعة لا سابق لها شاكرةً ممتنّة لمنحها منصب عضو الكنيست، وبالتالي يمكن اعتبار نتنياهو في هذا الشأن معلّمًا وخبيرًا يمكنه تلقين نفتالي بينيت ونيتسان هوروفيتس دروسًا في كيفيّة بناء القوائم البرلمانيّة وضمان الانضباط الحزبيّ.
يصرّ كثيرون على أن قرار انسحاب غيداء ريناوي كان مفاجأة، بل صاعقة للحكومة، التي لم تتوقّع أن يشكّل نائب عربيّ خطرًا على ائتلافها، بعد أن نجحت خلال العام الأخير في الإقناع بأنها تسعى بشكل حثيث إلى تقديم كلّ ما يطلبه المجتمع العربيّ لضمان مساواته، ومحاربة ظاهرة العنف التي باتت تهدّده، وانتشار الأسلحة فيه من دون خطوات رادعة من قبل الحكومات السابقة، ويتجاهلون ما لهذا الانسحاب وما رافقه وتأثيراته وأبعاده، فهو يعني في نظر الكثيرين الدليل على أن " تجربة " مشاركة العرب، أحزابًا وأفرادًا، في أيّ ائتلاف حكومي حاليّ أو مستقبليّ قد منيت بالفشل.
وهنا تختلف التحليلات فبعضها " ثقافيّ اجتماعيّ " يدَّعي أن المواطنين العرب في إسرائيل، ورغم أنهم يعيشون فيها منذ 74 عامًا، لم يتعلّموا، أو لم يذَوِّتوا قيم وأُسس اللعبة الديمقراطيّة والبرلمانيّة الديمقراطيّة، وأنهم لا يستطيعون، وليس بمقدورهم تحمّل الرأي المختلف، أو الممارسة المختلفةـ وأن الاعتبارات الشخصيّة هي الأهمّ بالنسبة لهم، فضلًا عن أنه لا يمكن الثقة بممثّليهم في الأحزاب اليهوديّة حتى لو تم تعيينهم من قبل رؤسائها، وأنهم يتّخذون خطواتهم بدافع " الأنا والكرامة المجروحة " دون أدنى نظرة إلى المدى البعيد ، فانسحاب ريناوي لا تقتصر تبعاته وآثاره، على إبقاء الحكومة في " ائتلاف هشّ " لا يمكنه الحسم بأيّ تصويت في الكنيست، تصل اتفاقيّة الائتلاف بين حزبَي بينيت وكتلة لبيد، التي تتشكّل من أحزاب " ييش عتيد " و" كاحول لفان " و" يسرائيل بيتينو " و" العمل " و" ميرتس " و" القائمة الموحّدة "، وهو يعني عمليًّا تغيير الخريطة الحزبيّة بمعنى إن حلّ الكنيست وسقوط الحكومة بسبب انسحاب عضو ممّن وقّعوا اتفاقًا ائتلافيًّا مع حزب " ييش عتيد" يعني أن يبقى نفتالي بينيت رئيسًا للحكومة الانتقاليّة، وهو الذي وصفته غيداء ريناوي زعبي بأنه يكرّس توجهات اليمين ويهمّش المواطنين العرب. فهل هذا فعلًا ما أرادته ريناوي زعبي؟ بل ربما هذا ما أرادته؟
" الغاية تبرر الوسيلة "
في هذا السياق، تأتي أو أتت، ردود الفعل الصادرة عن القائمة المشتركة، المحسوبة عدديًّا دائمًا، وتصويتيًّا في بعض الأحيان، مع المعارضة، وهي تصريحات رحّبت بالانسحاب واعتبرته عملًا وطنيًّا وخطوة مبدئيّة سامية طالب أعضاء المشتركة الصمود عليها، والتمسّك بها وعدم التراجع عنها تعني حلّ الكنيست وإنهاء عهد حكومة نفتالي بينيت والتي تضمّ أيضًا القائمة العربيّة الموحّدة التي تحوّلت خلال الحملة الانتخابيّة الأخيرة ومنذ تشكيل الحكومة، إلى عدوٍّ لدود يتّخذ مواقف مهادنة يصل البعض حدّ اتهامها بالخيانة، وليس فقط من قبل يحيى السنوار، والسؤال من أين جاءت " تبريكات المشتركة " (باستثناء العربيّة للتغيير) ؟ ولماذا جاءت هذه التبريكات التي لو كانت المشتركة تدرك عواقبها لما فعلتها، وربما هي تفعلها رغم أنها تدرك عواقبها ونتائجها وهي لا تكترث لها؟ فكيف يمكن لعضو الكنيست أيمن عودة رئيس المشتركة، الذي كان قبيل الانتخابات السابقة وقبلها وقبلها قد كرّر مرارًا وتِكرارًا أن رئيس الوزراء في حينه، بنيامين نتنياهو، أخطر وأكبر المحرّضين على المواطنين العرب، وأنه اعتبر المواطنين العرب في إسرائيل العدو رقم واحد، وأنه حرض ضد المواطنين العرب، واعتبرهم رعايا يمكن منحهم لقاحات ومزايا اقتصاديّة مقابل أصواتهم، مذكّرًا بتأييد نتنياهو لقانون القوميّة، أن يشجّع عضوًا في الائتلاف الضيّق والهشّ على تركه، وهو يدرك في قرارة نفسه وعقله أن نتنياهو هو رئيس الوزراء القادم، وأن الإنجازات التي تحققت للمواطنين العرب خلال عهد الائتلاف الحاليّ، حتى لو كانت قليلة للغاية، ستذهب أدراج الرياح، وأن قانون القوميّة سيكون دستور إسرائيل الجديد، بل إنه سيتمّ " تعزيزه " لتصبح إسرائيل دولة لليهود، وليس دولة يهوديّة ولا ديمقراطيّة، وأن المواطنين العرب سيتحوّلون إلى مواطنين مع وقف التنفيذ، أو مواطنين تكون مواطنتهم مشروطة يمكن سحبها، بل طردهم وإبعادهم، دون حقوق جماعيّة أو مدنية أو أُخرى، فلماذا تبريكاتها هذه، إلا إذا كانت المشتركة وأيمن عودة خاصّة يريدون أن تنهار حكومة بينيت بسبب مشاركة الموحدة فيها، حتى لو كان الثمن الواضح هو أن يعود نتنياهو إلى رئاسة الحكومة.
فالغاية، وهي ضرب الموحدة ومحاولة إثبات فشل مشاركتها في الائتلاف، تبرّر الوسيلة وهي إعادة نتنياهو إلى الحكم، وهو ما كان سيحدث لو انسحبت غيداء ريناوي زعبي من الائتلاف، أو سقطت الحكومة بسبب قانون تمويل التدريس الجامعيّ للجنود المسرّحين ( وغالبيتهم الساحقة من اليهود )، الذي تغيّبت الموحدة عن قاعة البرلمان خلال التصويت عليه، تمامًا كما اضطر الليكود للتغيّب عن قاعة الكنيست خلال التصويت عليه، رغم تصريحات قادته ومنهم الوزيرة السابقة ميري ريغف أكبر الموالين لبنيامين نتنياهو، وإحدى الطامحات إلى الاستيلاء على عرش الليكود، والتي جاء فيها المهمّة الأولى للمعارضة الحاليّة هو إسقاط الحكومة، وبالتالي يجب التصويت ضد أي اقتراح أو مشروع قانون تطرحه، حتى لو كان يتعلّق بالجنود المسرّحين، أو الناجين من براثن النازية، أو القرى والمدن الضعيفة اقتصاديًّا والأرامل والنساء المعنّفات، أو حتى من تعرضن للاغتصاب، وهي قضايا قالت ريغف إن الليكود سيعاود معالجتها وبنجاعة عندما يعود إلى الحكم بعد أن يتفكّك الائتلاف الحاليّ.
" جدران اجتماعية "
ويبدو أن النساء المعنَّفات والمُغْتَصَبَات لسن الوحيدات اللواتي يلحق اليمين والليكود في إسرائيل الضرر بهن، ويطالبهن بانتظار عودته إلى سدة الحكم، بل النساء عامّة، وهو ما يتضح من مواقف الوزراء في الحكومة خاصّة من أحزاب اليمين حول حقوق النساء كما تعكسها وثيقة إسطنبول ( تم توقيعها عام 2014 ووافقت عليها تركيا بل وقعتها ومن هنا اسمها، لكنّها تراجعت عن توقيعها لاحقًا)، التي تهدف إلى ضمان حقوق النساء في العالم عامّة والدول الأوروبيّة خاصّة ومكافحة العنف الجسديّ والماديّ والجنسيّ ضدها. وتؤكّد الحاجة إلى معايير قانونيّة ملائمة واضحة لضمان استفادة الضحايا من المستوى نفسه من الحماية في أيّ مكان في أوروبا. إذ بدأ وزراء العدل للدول الأعضاء في المجلس الأوروبيّ، العمل على تسريع تطبيقها ، علمًا أنها تحتّم على الدول الموقّعة عليها، تأمين تفعيل بنود هذه الاتفاقيّة من خلال التدابير الهادفة إلى حماية حقوق الضحايا، دون أي تمييز، خاصّة التمييز القائم على الجنس أو النوع أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو الآراء السياسية، أو غيرها من الآراء، أو الأصول القوميّة أو الاجتماعيّة، أو الانتماء إلى أقليّة قوميّة، أو الثروة أو الميلاد أو الميول الجنسيّة أو الهويّة الجنسانيّة، أو العمر أو الحالة الصحيّة أو الإعاقة أو الوضع العائليّ أو وضع المهاجر أو اللاجئ، أو أي وضع آخر.
وهي وثيقة يؤيّدها وزير القضاء جدعون ساعر بشدّة، ورغم ذلك يسود حولها الجدل في إسرائيل خاصّة بسبب بندها رقم 60 الذي ينصّ على أن كافة الدول التي توقع الاتفاقيّة، تلتزم بمنح كلّ سيدة تصل هذه الدول، أو تطلب دخولها على خلفيّة تعرّضها للعنف والتعنيف بكافّة أشكاله الجسديّة والنفسيّة والماليّة والجنسيّة، أو على خلفيّة المواقف السياسيّة والميول الجنسيّة، حقّ اللجوء السياسيّ، أو اعتبارها لاجئة، وهو ما يثير معارضة النواب من اليمين، وفي مقدمتهم النائب سمحا روطمان، الذي اعتبر هذا البند خطيرًا على " صبغة وهوية إسرائيل اليهوديّة " معلّلًا ذلك باحتمال تدفّق أعداد كبيرة من النساء من الدول الأفريقيّة ( أسوة باللاجئين الأفارقة الذين يبلغ عددهم نحو 150 الفًا ويقيمون في إسرائيل بشكل غير قانونيّ ) والعربيّة والآسيويّة ومناطق السلطة الفلسطينيّة، ما يمسّ بكون إسرائيل دولة يهوديّة، ولذلك، فهي خطيرة في نظره تمامًا كقانون المواطنة لمّ الشمل للفلسطينيّين، رغم أن كافّة الهيئات القضائيّة في كافّة الوزارات تؤكّد أن هذا البند يشكّل بندًا أساسيًّا لا يمكن التنازل عنه، ما يعني استمرار إسرائيل في نهج تقوقعها وإحاطة نفسها بجدار الفصل مع الفلسطينيّين في الضفة الغربية وقطاع غزة والدول المجاورة كالأردن ومصر وغيرهما، وإحاطة نفسها بجدران إنسانيّة واجتماعيّة، إضافة إلى الجدران الداخليّة التي بنتها الحكومات المتعاقبة بين المواطنين العرب واليهود، بل بين اليهود أنفسهم، في أفضل تعبير عن مبدئيّة زائفة قوامها الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطيّة، تتحوّل إلى انتهازيّة لتكريس توجّهات قوميّة ملخصها أن إسرائيل لليهود فقط، وأن حقوق الإنسان وحقوق النساء التي تم التلويح بها في مستهلّ الحرب الأوكرانية تقتصر على النساء اليهوديّات عامّة واليهوديّات من صاحبات البشرة البيضاء خاصّة!.
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان:bassam@panet.co.il.