الجولة الحالية من أحداث الأقصى تشير الى أن الشرطة والمسؤولين عنها لم يتعلموا من التجربة الماضية ولا يفهمون المفهوم الإسلامي بخصوص هذا الموقع المُقدس.
من أجل أنفهم كيف يحدث ان فتاة عمرها 15 سنة من حيفا تشاهد البث من ساحات جبل الهيكل وبعد ذلك تأخذ سكينا وتخرج لطعن يهودي، يجب ان نفهم الخطاب الإسلامي التاريخي والحالي بخصوص المسجد الأقصى. بعيون إسلامية اقتحام الشرطة لساحة المسجد، وللمبنى الجنوبي فيها، هو تدنيس للمكان ومحاولة لفرض سيطرة يهودية على المسجد وابعاد المسلمين عنه.
الرواية الإسلامية التي تُروى في الميديا العربية وعلى لسان قادة مسلمين تعرض اقتحام الشرطة لجبل الهيكل على انه عمل له هدف واحد: اتاحة المجال لليهود لزيارة ساحة المسجد الأقصى على حساب حرية العبادة للمسلمين في المكان.
في هذه الرواية نواة من الحقيقة. اقتحام الشرطة في ساعات الصباح الباكر للمسجد، الذي تحصن بداخله من ساعات الليل شباب مسلمون جمعوا أكواما من الحجارة داخل المسجد، كان هدفه اتاحة حرية الوصول والزيارة لليهود – بالأساس لأتباع حركات الهيكل – والمعروف انهم يصلون الى جبل الهيكل باعداد كبيرة نسبيا في أيام عيد الفصح.
مقاطع الفيديو التي انتشرت سيبقى أثرها لفترة طويلة، ولا أحد يدري كيف ستؤثر في المستقبل على اعمال إرهابية لمسلمين، أثار تدنيس المسجد حفيظتهم.
ولماذا تحصن المسلمون في المسجد؟ بسبب نشر تحريضي اعتمد على اعلان نشرته منظمة متطرفة اسمها " نعود الى الجبل". هذه المنظمة عرضت جائزة مالية لمن يستطيع التسلسل الى جبل الهيكل مع جدي لذبحه كقربان لعيد الفصح. وبالفعل، من زار في الفترة الأخيرة جبل الهيكل شاهد يهودا متطرفين، يحاولون انتهاز كل فرصة من أجل أداء صلوات وطقوس بدون ان ينتبه حراس الأوقاف ذلك. كل هذا تحت رعاية الشرطة، التي حرصت على ابعاد حراس الوقف عن مرافقة المجموعات اليهودية وبذلك خرقت الأنظمة القائمة منذ حزيران 1967، الأنظمة الصامتة بين الأوقاف والشرطة، التي اطلق عليها اسم " ستاتوس كو " . لحركات الهيكل داعمين سياسيين الذين يضغطون على الشرطة من اجل اتاحة المزيد من الزيارات الايدلوجية والشعائرية اليهودية.
مسلمون الذين تحدثت معهم مقتنعون ان إسرائيل تعمل على السيطرة على جبل الهيكل بشكل تدريجي، كما سيطرت على المسجد الابراهيمي، كما يقولون، في الخليل. هم يتتبعون كل نشاط للشرطة في جبل الهيكل ولديهم انطباع ان " الاقصى في خطر ". مع كل الاحترام للحقائق التاريخية، الايمان يتفوق عليها.
الى هنا حول الرواية. وماذا لم تتعلم الشرطة من التجربة؟
في أكتوبر عام 1990 نشرت حركة أمناء جبل الهيكل انها تنوي وضع حجر أساس للهيكل الثالث عند باب المغاربة. الخبر انتشر كالنار في الهشيم، وحشود المسلمين تحصنت في جبل الهيكل وألقت الحجارة على المصلين في ساحة الحائط الغربي. ردا على ذلك اقتحمت الشرطة المكان باستخدام العيارات النارية الحية، وخلال ذلك قُتل 17 مسلما.
الشرطة استخلصت العبر، ويشهد على ذلك الانتشار حول البلدة القديمة الذي كان ناجعا وبدون مصابين. مع ذلك، اقتحام الشرطة للمسجد في جنوبي جبل الهيكل تسبب بضرر كبير. المتحصنون داخل المسجد أرسلوا مقاطع فيديو تم تصويرها من الداخل يظهر فيها رجال الشرطة يقتحمون أبواب المسجد بالقوة، ويستخدمون قنابل الدخان والصوت، ويعتقلون المتحصنين. مقاطع الفيديو هذه، التي انتشرت في شبكات التواصل الاجتماعي وفي بث حي ومباشر في محطات تلفزة عربية، مثيرة لحفيظة مشاهدها، ولا عجب ان هنالك مسلمين فرادى، لا ينتمون لاية منظمة، قد ينفذون عمليات هجومية ضد يهود، تماما كما فعلت مؤخرا الفتاة البالغة من العمر 15 عاما من حيفا.
مقاطع الفيديو هذه تترك اثرا لوقت طويل، ولا أحد يدري كيف ستؤثر في المستقبل على أعمال إرهاب يقوم بها مسلمون ضد يهود، الذين أثيرت حفيظتهم من تدنيس المسجد.
أي انه بالمجمل، ثمن اقتحام قوات الشرطة للمسجد أكبر من ثمن التنازل لمرة واحدة عن زيارات اليهود للمكان في ذلك اليوم.
كاتب هذه السطور يرى انه يجب ان يكون حق في الوصول وإقامة الشعائر في جبل الهيكل لليهود، كما أقرت ذلك أكثر من محكمة. لكن بالاخذ بالحسبان الحساسية الكبيرة والاثار على العلاقات الخارجية لإسرائيل، فان ممارسة هذا الحق يجب أن تكون خاضعة لتقييم للوضع من ناحية أمنية. التوتر يؤكد هذه المرة أيضا انه يجب التصرف بحكمة وليس على أساس الانصاف. الحكومة كانت ستدفع ثمنا سياسيا أقل من الهزة التي احدثتها القائمة العربية الموحدة.
ألا يوجد طرق أخرى للتعامل مع المسلمين الذين يتحصنون في الساحة المفتوحة في داخل المسجد؟ برأيي يوجد.
أولا حقيقة تسلل مسلمين للمكان في ساعات الليل هو فشل للشرطة وفشل للأوقاف. اعتمادا على تجربة الماضي، قوة من الشرطة الموجودة في محيط جبل الهيكل كان عليها منع ذلك.
ثانيا، كان من المفضل إبقاء المتحصنين يغوصون بغضبهم دون أن يتمكنوا من فعل شيء داخل المسجد، حتى يتم اخلائهم من قبل حراس الأوقاف من أجل اتاحة المجال أمام إقامة صلاة الظهر.
ثالثا، القاء الحجارة تجاه ساحة الحائط الغربي بالامكان منعه بعدة طرق ( مثلا وضع شبك فوق الساحة، استخدام وسائل أخرى على سطح المحكمة الذي يطل على المكان وغيرها من وسائل). من أجل ذلك لا حاجة لاقتحام المسجد واثارة العالم الإسلامي كله لفترة طويلة.
* بروفيسور يتسحاق رايتر: مختص في الصراعات في الأماكن المقدسة ومؤلف مشارك لكتاب " قدس أقداسنا / قدس أقداسهم: الإسلام، اليهود وجبل الهيكل " - معهد القدس للأبحاث السياسية .
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il .
بروفيسور يتسحاق رايتر- صورة شخصية
(Photo by AHMAD GHARABLI/AFP via Getty Images)