هذه الرواية تتراقَص على الحبل المـَشدود بين الوصف التّصويري المـُتأنّي للأشخاص والأحداث وبين السَّرد التّفسيري الـمُتأمِّل للمواقف والأفكار، مُتمايلةً باستمرار بين الإمتاع والإقناع.. بين التوصيف والتعليم.. بين الرَّسم الإبداعي للواقع والتأمُّل الفلسفي فيما يَكمُن من ورائه.. وبالتالي بين ما هو كائن وما يجب أن يكون.
وهي إذ تُطعِّم اللغة العربية الفُصحى بروائع العبارات الشعبيَّة التراثيَّة في اللهجة العامِّيَّة الفلسطينيَّة لأهل الجليل، فإنها تُتحفنا من خلال ذلك بوصفٍ ساحر لجَماليَّات الطبيعة الفلسطينية وجَماليَّات سُكانها جسداً وروحاً وعقلاً وجوهراً وأصالة.
إنها تَربُط الفرد بالمجتمع بالثقافة، وتَربُط الإنسان وأُسرته بالشّعب والأمَّة والعالم، وهي إذ تفعل ذلك فإنما تُعيد بناء التّلاحُم التّاريخي بين المادة والفكر والإيديولوجيا.. بين الاقتصاد والسّياسة والدّين والعقائد، في حين تظل البُؤرة مُرَكَّزة دوماً وأبداً على الكيان الإنساني المـُفرَد في حياته اليوميَّة وصراعاته من أجل الوجود، ومن أجل المعنى في الوجود.
يَتباطأ السَّرد الروائي في بعض المـَواضع حتى تظن أنك أمام لوحة مُتحرِّكة، ويَتسارع في مواضع أخرى حتى تخال أنّك مُنجرف في نهر دافق.
ولكني لا أعرف عملاً أدبياً آخر قَدَّمَ لنا مأزق الإنسان العربي الفلسطيني في مُجتمع الطائفة الدرزيَّة في الدّولة اليهودية أفضل وأجمل وأرقى وأكثر إكساباً للمعرفة من هذه الرواية التي يستثمر فيها المؤلف، "راضي شحادة"، كل ما اكتسبه في حياته الغزيرة من خبرات ومعارف ومواهب كممثّل مسرحي مخضرم ومفكر فلسطيني عريق وأديب وطني ملتزم...
وهل هناك أفضل من أن نعود الآن إلى "راس النبع"؟!