logo

مقال | حين يصبح الهلع سلعة سياسية رائجة

بقلم: المحامي زكي كمال
21-07-2021 06:17:10 اخر تحديث: 18-10-2022 08:30:06

لم تكن العلاقة بين علم النفس البشريّ، الذي يحاول تفسير التصرّفات البشريّة، واستبيان أسبابها ودوافعها، وبين علم النفس السياسيّ، الذي يحاول تحليل سلوك

 
المحامي زكي كمال

 الجهات الفاعلة في العمليّة السياسيّة، وتفسير المواقف والقرارات السياسيّة باستخدام مصطلحات علم النفس، في السنوات الأخيرة قريبة، كما كانت عليه خلال الأسابيع الأخيرة، وذلك على صعيدين أوّلهما إسرائيليّ سياسيّ - حزبيّ وأمنّي، وثانيهما الحرب في أوكرانيا، والتي تتواصل وسط ركود وهدوء له من التفسيرات ثلاثة، فإمّا أنّها بداية النهاية، أي أنّ الحرب ستخمد تدريجيًّا، أو أنّها دليل حرب استنزاف طويلة، أو هي هدوء ما قبل العاصفة، في حالة تثير العديد من التساؤلات التي قد تشغل المهتمّ بمجال علم النفس السياسيّ فحص العلاقة الوثيقة بين النفس البشريّة وبين السياسة والساسة والقادة والشعوب والظواهر السياسيّة والقرارات السياسيّة المختلفة.
في هذا السياق، يمكن الجزم أنّ الساحتين الإسرائيليّة والأوكرانيّة شهدتا سياسيًّا، حالة من الشعور بإمكانيّة، أو قرب فقدان السيطرة في تجسيد للتعريف النفسيّ لمصطلح " حالة الهلع "، الذي يقول إنها نوبة مفاجئة من الخوف الشديد، الذي يحفّز ردود الأفعال الجسمانيّة الشديدة والقرارات الفوريّة، بينما لا يوجد خطر حقيقيّ، أو سبب واضح للخوف، وهذا ينطبق في إسرائيل على الحالتين السياسيّة الحزبيّة وكذلك الأمنيّة، فالأمنيّة وبعد فترة طويلة خُيِّل للبعض فيها أنّ جهاز الأمن العام ( الشاباك) وشرطة إسرائيل، التي خلَّفها بنيامين نتنياهو ضعيفة وهشّة لا يكاد يكون لها حول أو قوّة، قد نجحا في منع تكرار العمليّات العسكريّة في شوارع المدن الإسرائيليّة، مستعينين بالشجب الذي أصدره الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس، بعد الاعتداء في مدينة بني براك قبل أسبوعين.
جاء الاعتداء المسلّح في تل أبيب الأسبوع الماضي، ليؤكّد أنّه شتان ما بين الواقع والتوقعات، فالواقع هو أربعة اعتداءات في بئر السبع والخضيرة وبني براك وتل أبيب، جعلت السياسيّين في إسرائيل بيمينهم ويسارهم يسارعون  ذعرًا وخوفًا إلى  وصف هذه العمليّات بأنّها " موجة عنف جديدة"  اختار رئيس الوزراء نفتالي بينيت تعبير " الإرهاب العربيّ " لوصفها قائلًا إنّ إسرائيل تواجه منذ إقامتها وقبل ذلك، موجات من الإرهاب العربيّ على حدّ قوله، وليس " عمليّات إرهاب ينفذّها عرب "، علمًا أنّ المعطيات تؤكّد أنّ لا خلاف حول وجود موجات من العمليّات العسكريّة والمسلّحة ضد إسرائيل، مع تغير منفذيها، أو الجهة التي تقف وراءها وتحرّكها، بدءًا بمنظّمة التحرير الفلسطينيّة وحركة " فتح" وأيلول الأسود والجبهة الشعبيّة ثم " حماس "، " داعش " و" الجهاد الإسلاميّ "، وَتَبَدُّل وسائل هذه العمليات باستخدام العمليّات الانتحاريّة والتفجيرات والسكاكين، وعمليات الدهس وإطلاق النار وإطلاق صواريخ  القسام، أو البالونات الحارقة، وهي كلّها وسائل وطرق تؤكّد أنّ إسرائيل تشهد انتهاء عصر سالف كانت المواجهات العسكريّة فيه تدور رحاها في أراضي العدو، لتنتقل معركة محاربة ومواجهة الإرهاب  إلى شوارع البلدات الإسرائيليّة ومطاعمها، تثير الخوف من كلّ من تبدو سحنته شرقيّة عربيّة قد تعرّضه للاعتداء والتفتيش والمساءلة، عربيًا أو يهوديًّا إسرائيليًّا كان أم فلسطينيًّا، وتنشر الهلع الذي يقتضي من القيادة السياسيّة والأمنيّة، وإلى جانب الردّ الفوريّ ومحاولة منع العمليّة القادمة عبر تعاون متواصل دائم بين الشاباك جهاز الأمن العام والشرطة والجيش، خطوات مدروسة تعتمد المسارين الأمنيّ والسياسيّ تصبّ في مصلحة البحث عن حلّ دائم قدر الإمكان لهذه الحالة ملخصه أنّ البعد الأمنيّ، أو النشاط الأمنيّ وحده لن يؤدّي إلى نهاية هذه الموجات ووقفها طالما لا تكلّف إسرائيل نفسها عناء التفكير الجاد فيما يبدو واضحًا للجميع باستثناء سياسيّيها وعسكريّيها الذين يتصرّفون كما فعلوا طيلة عقود، وكأنّ في آذانهم ثقلًا وصممًا، فلا يسمعون وعلى عيونهم غشاوة فلا يرون. وهو أنّ الحلّ الوحيد لإنهاء حالة العداء هو الحل السياسيّ، كما أكّد رئيس الشاباك الأسبق الجنرال عامي أيالون، فحتى لو تم إبعاد أتباع " داعش " و" حماس " و" الجهاد " وغيرها من المناطق الفلسطينيّة، ولو تمّ إبعاد الإيرانيّين من سوريا وغيرها بقوّة السلاح، فإنّ العمليّات ستعود مرّة أخرى مرتدية زيًّا مختلفًا، وبأسلحة مختلفة يتمّ تصنيعها بوسائل تكنولوجيّة في مصانع فوق الأرض أو تحتها.


" تعزيز الهلع "
صَمَّمُ السياسيّون وفي مقدّمتهم رئيس الحكومة بينيت، جعلهم كلّهم دون استثناء ينحون إلى تغليب الردّ الفعليّ، بل التلقائيّ والغريزيّ، عبر تصفية منفّذي العمليّات واجتياحات متكرّرة لمناطق في الضفّة الغربيّة.
ليس ذلك فقط، بل رافقه حثّ للمواطنين على التزوّد بالأسلحة ( يذكرنا بتصريحات دونالد ترامب بعد احتجاجات الملوّنين في الولايات المتحدة، ومديحه لأولئك من الأمريكيّين البيض الذين أطلقوا النار على المحتجين الملوّنين ) في خطوة أخرى نحو ما يحلو تسميته " كلّ الشعب جيش "، أي تحويل كلّ مواطن في كلّ مدينة ( كلّ مواطن يهوديّ طبعًا ) إلى جنديّ دائم يحمل السلاح، دون أن تدرك الحكومة، أو يدرك رئيسها أنّ ذلك هو السبيل الأمثل إلى زرع عدم الاستقرار، وزيادة عدم الثقة وتعزيز الهلع، وجعله حالة دائمة ومرافقة تساعد في تعزيز كراهيّة العرب لمجرّد كونهم عربًا، ما يجعل  الإسرائيليّين اليهود يعتقدون، أو يفهمون خطأً وهم يراقبون جهود الحكومة لوقف موجة العمليّات العسكريّة داخل إسرائيل، بأنّ الطريقة الوحيدة لضمان العودة إلى روتين الحياة، هي العمل على كبح جماح الحرب على الجبهات الخمس، كما تقول إسرائيل، أي الضفة الغربيّة وقطاع غزة ولبنان وسوريا وإيران، في نفس الوقت، لضمان أن لا يكون الأمن الشخصيّ للإسرائيليّين معرّضًا للخطر، رغم أنّ الصحيح هو أنّ  تقليص عدد الحروب، على طول حدود الدولة هو الضمان للأمن الداخليّ. 
هذا هو السبب في حالة الهلع التي تعيشها إسرائيل أمنيًّا بفعل العمليّات الأخيرة التي أوصلت الأوساط الأمنيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، إلى حالة تشبه الهستيريا، ودفعت الجيش إلى نشر أفراد الكوماندوز في الشوارع، وهو أمر غير مسبوق، ما يشير دون شكّ إلى انتشار موجة من الرعب، وسط تحذيرات من انتفاضة ثالثة، استمرارًا للانتفاضتين الأولى عام 1987 والثانية عام 2000.

" انتفاضة إلى الأبد "
رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ضمن حالة  الهلع هذه، كان أوّل أولئك الذين  يدعون إلى تنفيذ عمليّة عسكريّة واسعة النطاق تمامًا بعد 20 عامًا من عملية " السور الواقي " في الضفة الغربيّة، والتي طالت جنين ورام الله وحتى المقاطعة، بل إنه اختار لها عنوانًا هو " كاسر الأمواج "، رغم أن المحلّلين يؤكّدون أنّ أيّ عمل عسكريّ إسرائيليّ واسع، ردًّا على هذه الهجمات، لن يأتي بنتيجة فوريّة، نظرًا لعدم وجود ارتباط واضح بين المنفّذين والفصائل الفلسطينيّة، لكنّ بينيت تناسى أنّ أي عمليّة عسكريّة مهما كان حجمها خاصّة إذا كانت بريّة، تعني أنه لا يمكن ضمان عدم وقوع المزيد من القتلى الإسرائيليّين في هجمات عسكريّة قادمة، قال عنها بينيت إنّ تقنيّات العمليّات الفلسطينيّة تتغيّر، لكنّ النية واحدة وهي زيادة الخناق حول أعناق الإسرائيليّين، والنتيجة أنه محكوم عليهم بانتفاضة إلى الأبد، وفي غضون ذلك تبذل الحكومة جهودها لتهدئة هلع المواطنين، وصولًا لتسهيل حصول الإسرائيليّين على رخصة حيازة الأسلحة، ما يعني أن تبقى الدولة في حالة استنفار دائم ومتواصل، استنادًا إلى ادّعاء يكرره كافّة زعماء إسرائيل منذ مطلع القرن الحادي والعشرين مفاده أنّ ليس بين الفلسطينيين شركاء، لأنهم يريدون الكلّ، أو لا شيء وهو ما أدّى إلى جعل الصراع دينيًّا بين الجانبين. وهي حالة لا يتمّ حلّها مع الفلسطينيين إلا عن طريق العنف، يرافق ذلك نشر وإشاعة المزيد من التحريض ضد المواطنين العرب في إسرائيل، وأيضًا التحريض المضاد من قبل العرب ضد اليهود. 
إلى جانب ذلك، من الواضح أنّ التصعيد في منطقة جنين والقدس يشير إلى أنّ إسرائيل تسعى إلى تحييد غزة عن المواجهة الحاليّة، رغم الاتهامات المتواصلة بأن حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ عقد وأكثر لا تفهم تفكير " حماس " بل تكتفي بالبحث عن طرق لعدم التصعيد، من خلال مواصلة تقديم المال القطريّ والسماح للعمال من غزة بالعمل في إسرائيل، ورصد ملايين الدولارات لإقامة منظومات تمكّنهم من الدخول بسرعة، أي أنّ إسرائيل تُعوِّل على استمرار التهدئة مع غزّة، وأنّه خلافًا للماضي، لم تُسمع تهديدات بشنّ عمليّةٍ عسكريّةٍ ضدّ القطاع.
في هذا السياق تكفي الإشارة إلى تصريحات رئيس جهاز الشاباك ( الأمن العام ) السابق يورام كوهين الذي قال إنّ ممارسة العنف من قبل العرب لا تنتظر الأسباب، ولا تتعلّق بالدوافع السياسيّة والوطنيّة، أو حتى الدينيّة والأخرى، بل إنّها جزء لا يتجزأ من الثقافة والحضارة العربيّة التي تسارع إلى انتهاج العنف غير المحدود، بل الوحشي وسيلة لحلّ كلّ مشكلة بين العائلات والحمائل والطوائف مهما كانت صغيرة. وأضاف أنّ حركة " حماس " لا تكتفي بما تشنّه من اعتداءات من قطاع غزة، أو بواسطة نشطائها في الضفة الغربيّة، بل إنّها تعمل على جعل المواطنين العرب في إسرائيل عنصرًا يغذّي عدم الاستقرار، وينفذ اعتداءات بحقّ اليهود، إضافة إلى مئات وآلاف الاعتداءات المسلّحة التي تحاول الحركة تنفيذها من الضفة الغربيّة وليس من غزة، لكنها تفشل في ذلك بفضل نشاط جهاز الأمن العام مضيفًا أن شجب السلطة الفلسطينيّة لهذه الاعتداءات هو مجرّد ضريبة كلاميّة لا غير، خاصّة أنّ السلطة الفلسطينيّة لا يمكنها وقف العمليّات، بل ربما لا تريد. فهي كما تؤكّد المعطيات والتقديرات تعاني من مشكلة بسط السيطرة على مناطق شمال الضفة خاصّة مخيمات اللاجئين في جنين ونابلس، وتواجه قوّاتها الأمنيّة صعوبات في العمل هناك خوفًا من مواجهة المجموعات المسلحة.
وفي مثل هذا الوضع يقول يورام كوهين إنه لا يمكن قبول أيّ حلّ سياسي مثل " حلّ الدولتين " الذي يعتبره خطرًا على إسرائيل كدولة يهوديّة خاصّة أن الحال قد يتغيّر في الضفة، وأن " حماس " قد تسيطر عليها، أو على الدولة الفلسطينيّة المستقلة إذا ما قامت، علمًا أن الأمر يزداد خطورة في رأيه، لأن العرب داخل إسرائيل يتحوّلون إلى جماعات متطرّفة تأتمر بأمر الحركات الإرهابيّة على حدّ قوله. 

" هلع في الحلبة السياسية "
ولم يكن الهلع من نصيب الجهاز الأمنيّ والعسكريّ فحسب، بل إنه طال الحلبة السياسيّة مع انسحاب رئيسة الائتلاف الحكوميّ، عيديت سيلمان، وهي من حزب " يمينا " الذي يرأسه نفتالي بينيت، ما أدّى إلى فقدان الائتلاف الحالي أغلبيّته البرلمانيّة التي كانت هشّةً أصلًا،  لتصبح اليوم 60 عضوًا فقط، ما دفع ببعض أطرافها إلى إطلاق تصريحات متطرّفة وإلى القيام بخطوات أخرى منها جولة وزير الخارجية يائير لبيد إلى منطقة " باب العامود " في شرقي القدس، وهي خطوة أثارت استغراب وغضب " أصدقاء لبيد الجدد " خاصّة في مصر والإمارات المتحدة، ما يؤكّد أن إسرائيل لا تفهم أن قضيّة القدس بالنسبة للفلسطينيّين خاصّة في شرقي القدس والمواطنين العرب في إسرائيل، ليست قضيّة وطنيّة قوميّة فقط، بل إن المسجد الأقصى بالنسبة لهم هو مكان مقدّس وهامّ بشكل لا يقبل الشكّ أو التأويل ما يجعله مصدر إجماع بين المسلمين في فلسطين وإسرائيل والعالم العربيّ والإسلاميّ، وبالتالي فإنّه قد يكون الشرارة لمواجهات عامّة وشاملة.
ويبدو أن ذاكرة إسرائيل القصيرة جعلتها تنسى أن مواجهات أيار 2021 انطلقت شرارتها من قضية زيارات اليهود للأقصى، ومحاولة اغلاق الساحة الموصلة إلى باب العامود أمام المصلين وغيرهم من سكان شرقي القدس، ناهيك عن حالة الهلع التي خلقتها الأنباء، بل الإشاعات حول احتمال انشقاق أعضاء إضافيين من حزب " يمينا "، وبالتالي التوجّه إلى انتخابات قريبة، إذا فشلت الحكومة التي تستند إلى ائتلاف ضيق ( أقل من 60 ) في إدارة شؤون الدولة، وما أثبتته التجارب من أنّه أمر ممكن خاصّة أنّ إسحق رابين ترأس طيلة عامين حكومة استندت إلى ائتلاف ضمّ أقل من 60 عضو كنيست دعمتها من الخارج الأحزاب العربيّة ( الكتلة المانعة )، علمًا  أن المعارضة الحاليّة تضمّ القائمة المشتركة، التي أعلنت أنها لن تؤيّد حلّ الكنيست باقتراح " نزع الثقة الإيجابيّة "، أي تصويت أكثر من 61 عضو برلمان إلى جانب اقتراح باستبدال رئيس الحكومة الحالي برئيس آخر هو بنيامين نتنياهو، كما لن تصوت إلى جانب تبكير موعد الانتخابات. ناهيك عن أن رئيس القائمة العربيّة الموحدة العضو في الائتلاف الحكوميّ الدكتور منصور عباس سارع إلى " تطمين " المشتركة بأنه على استعداد للتنسيق معها في قضايا تهمّها، لضمان تصويتها مع الائتلاف دون انضمامها إليه، قبل تصريحات النائب أيمن عودة التي دعت أفراد الشرطة من العرب في إسرائيل إلى " إلقاء سلاحهم ومغادرة صفوف الشرطة ". وهي أقوال دفعت برئيس الحكومة بينيت ووزيرة داخليته أييلت شاكيد إلى الإعلان جهارًا أن المشتركة لن تكون جزءًا من الحكومة، أو الائتلاف دون التطرّق إلى إمكانيّة دعمها كلّها، أو بعضها وتحديدًا مندوبي الحركة العربيّة للتغيير فيها النائبان أحمد الطيبي وأسامة سعدي من الخارج. وفي هذا التصريح أراد النائب أيمن عودة أن يضع العراقيل، أو سدّ الطريق أمام وحدة بين الموحّدة والحركة العربيّة للتغيير لإعادة قواعد اللعبة السياسيّة مع الائتلاف الحالي، ليكون للعرب في الحكومة ربّما أربعة وزراء عرب وادخال أربعة أعضاء كنيست عرب جدد وفقًا للقانون النرويجيّ.

" آمال لن تتحقق "
حالة الهلع هي السائدة في الغرب والولايات المتحدة إزاء ما يحدث في أوكرانيا بدليل تواتر الأنباء ، قبل التيقّن من صحّتها، حول مجازر و" استخدام للغازات الكيماويّة من طائرة مسيّرة ما أدّى إلى حالات غثيان بين مواطني مدينة ماريوبول الأوكرانية"، وهي أنباء " أمَلَ " البعض بعدها أن تتحرّك أمريكا عسكريًّا، كما هدد رئيسها جو بايدن، وهي آمال من المؤكّد أن لا تتحقّق على ضوء تجارب الماضي، خاصّة ما حدث من استخدام للأسلحة الكيماويّة في غوطة دمشق، وهو ما نسب إلى نظام بشار الأسد، دون أن تنفّذ أمريكا تهديدها باستخدام القوّة العسكريّة ( اتّضح بعد سنوات أنّ المعارضة السوريّة المدعومة أمريكيًا وعربيًّا هي من استخدمت الأسلحة الكيمياويّة هناك) ، وحالة الهلع هذه تطال أيضًا كافّة أو عددًا كبيرًا من الدول الأوروبيّة، خاصّة تلك التي كانت ضمن الاتّحاد السوفييتي سابقًا، وحتى دول اسكندنافيّة كالسويد وغيرها من مجرّد محاولة الانضمام إلى حلف الأطلسيّ، ومن ردّة فعل روسيا بوتين على ذلك، وهي حالة سيتمّ ترجمتها دون شكّ إلى صفقات كبيرة وضخمة من الأسلحة سيكون للولايات المتحدة وإسرائيل حصّة كبيرة منها.
ورغم ذلك، فإنّ الحرب توفّر مرحليًّا استنتاجات هامّة، منها أنه لا يمكن حتى لدولة عظمى مثل روسيا أن تشنّ حربًا دون دعم وتأييد دوليّ.
وهذه رسالة لإسرائيل بكلّ ما يتعلّق بايران، أو حزب الله، أو حتى الضفة الغربيّة وغزّة. كما أنه لا يمكن لدولة أن تنتصر في حرب تدخلها مفعمة بنشوة القوّة، وبأنها قادرة على تحقيق النصر سريعًا، وهنا نفس الرسالة لجميع دول العالم بما فيها إسرائيل، كما أن هناك أسئلة أخرى تثار حول " اختفاء سلاح الجو الروسيّ "، وحول دور حرب السايبر في الحروب الحاليّة والمستقبليّة، خاصةً أن الحرب في أوكرانيا بدأت بضربة سايبر روسية شلّت وزارات أوكرانية قبل أسبوع من انطلاق الحرب البريّة.
ختامًا يبدو أن حالة الهلع سابقة الذكر، في إسرائيل وأوكرانيا، لن ينقشع غبارها قريبًا، فهي وإن كانت تمنع وضوح الرؤية إلا أنها قد تكون في " مصلحة " أطراف ما سياسية وأمنيّة إسرائيليّة وعالميّة، فعلم النفس السياسيّ بخلاف علم النفس البشريّ، مغرم بتحويل الهلع إلى سلعة رائجة وترجمته إلى إنجازات سياسيّة شخصيّة وحزبيّة لدولة ما، ناهيك عن تحويله إلى صفقات أسلحة بمئات مليارات الدولارات، ولنا في زيارة دونالد ترامب إلى السعوديّة، وبذور الهلع من إيران التي زرعها وغذّاها، والتي دفعت بالسعوديّة إلى توقيع صفقات أسلحة بنحو 480 مليار دولار مع أمريكا، خير دليل.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان:
bassam@panet.co.il.