الاستاذ وسام عمري - صورة شخصية
واخلاصهِ ونيّتهِ واهدافهِ. مهما تشابهت الايام الخالية وكانت روتيناً مملًا إلّا اننا نتفق انّ ايامَ وليالي رمضان تختلف وكأنّ كُلَّ نهار وليلة فيه حياة كاملة، فهي كتلة عبادية لها وزنها الديني. اللّهُم بارك لنا فيما تبقى من شعبان، وأهلَّ علينا رمضان بالأمن والايمان والسلامة والاسلام.
قد يستغرب القارئُ من عنوانِ المقال، فالاصلُ اننا نحن مَن نستغيث في رمضان، فكيف اذاً رمضان يستغيث بنا؟!
نعم، تختلف احوال الناس في استقبال هذا الشهر الكريم ، حيث يبحثُ التاجرُ عن الربح الوفير، والمطرب عن سهراتٍ خليعة، وصاحب المطعم عن وجباتٍ شهيّة، واللاهي عن شهواتٍ رخيصة، والغنيُ عن رحلاتٍ بعيدة، والفقيرُ يندبُ حظهُ ويحسد ويحقد… ولا شك ان هناك احوالا اخرى لأناسٍ آخرين فهموا القصدَ والمقاصد.
انا لستُ بصددِ ذكرِ فضل هذا الشهر الكريم من صيامٍ وصلاةٍ وصدقات وصلة رحم وجبر خواطر فهذا لا يُقصّر في شرحهِ أهلُ الاختصاص مشايخُنا الاجلاء.
ولكن نرى بوضوحٍ كيف تم تحويل هذا الشهر الفضيل الى عادات وتقاليد، او الى طقوسٍ دينية رمزية، فترى تزيين البيوت والجدران والحارات بأجمل الانوار، ولكن ظلمات الغفلة والمعصية ما زالت في القلوب!، وترى التعامل مع رمضان بماديّة بحتة، كأنه شهر يمتاز بالمصروفات الباهظة على الزيارات والسهرات والولائم والمشتريات والتسوق بالمحلات والاسواق التجارية.. أما الاستعداد القلبي والروحي وتهيئة النفس للذة القُرب، واستشعار عظمة هذا الشهر، ووضع برنامج منظم لاستثمار هذا الشهر يكاد يكون نادراً مع ثُلةٍ قليلة!
فقد كان الصالحون يستعدون ويدعون الله تعالى ستة اشهر ان يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة اشهر ان يتقبل منهم رمضان سالمًا مُتقبلًا.
نعم يستغيث رمضان بنا، بحيث يطلب منا ان لا نشوّه حقيقته وان لا نشوّه ايامه ولياليه وان لا نشوّه اهدافه … بمعنى ان يكون شهر نظام لا شهر فوضى ( لعب وسهر حتى الفجر)، وأن يكون شهر خير لا شهر شر ( عصبيات وطوشات) وان يكون موسم طاعة لا معصية ، شهر صحة وعافية لا للسمنة والكسل، شهر جهد واجتهاد لا شهر خمول وتقاعس ( تضييع اوقات النهار حتى المغرب) …نعم يستغيث رمضان ويدعونا ان نحبه فالخير فيه مقرون فهو شهر القران، وفيه ليلة خير من كل ايام وليالي العمر.
شهر نبني فيه الشخصية المسلمة الشخصية الرحيمة الجابرة لخواطر الفقراء والمحتاجين، شخصية تقوى لا نفاق فيها، لا تذكر الله في الخلوات، أو تقيم الليل في الظلمات فحسب، بل تُترجم ذلك لسلوك تجعل الصائم فاعلاً إيجابياً ربانياً في محيطه الاجتماعي، هيِّن ليِّن قريب سهل. رمضان يستغيث ان يكون صائمه قدوة للصائم ولغير الصائم ولغير المسلم، فالامتناع عن الشراب والطعام ليست غايتهُ، بل وسيلة يتقرب بها للوصول ان يكون تقيّاً نقيّاً خلوقًا رحيمًا ، عالِمًا في واقعه، جاهزًا إلى مستقبله، واسعَ المعرفة، مُتقن عمله.
فد يسأل البعض عن سبب ما نحن فيه من نشوزٍ في التصرفات في هذا الشهر العظيم، فالتعليل الصحيح مما لا شك فيه هو انعدام الرادع الاخلاقي والوازع الايماني والوعي الديني عندنا، او المفهوم الخاطئ لمقاصد الشريعة، أو عجزنا عن ترجمة ايماننا الى افعال وسلوكيات، وبعدها غياب النظام والحكم والسلطة الإسلامية التي من المفروض ان تُهيّئ اجواء ايمانيّة في المجتمع، وترشد وتنصح وتُؤدّب .. ثم تُعاقب المُستهزئَ بإنزال القصاص الحق.
ما يُدريك لعلّ رمضان هذه السنة يحمل في طيّاته العجب العُجاب!، فلنتعاون أن نستغيث به فهو شهر الجود والكرم.