logo

مقال | انتهاء عهد المعادلة الصِفْرِيَّة في العلاقات الدوليّة

بقلم: المحامي زكي كمال
21-07-2021 06:17:10 اخر تحديث: 18-10-2022 08:35:53

لم تكن التحرّكات والتطوّرات المتتالية التي شهدها العالم مؤخّرًا، والتي تتعلّق بالاتفاق النوويّ المرتقب بين إيران والولايات المتحدة والأمم المتحدة والدول الأوروبيّة،

 
المحامي زكي كمال

أو بالأوضاع المتوتّرة التي تهدّد بالانفجار بين روسيا وأوكرانيا،  أو بالعلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، استمرارًا لاتفاقيّات أبراهام التي وقّعها السابقان بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، وتحديدًا زيارة رئيس الوزراء الإسرائيليّ نفتالي بينيت إلى البحرين وقبله وزير الدفاع بيني غانتس.
ما كانت هذه الزيارة لتثير الاهتمام  لولا أمران: أولهما، تزامنها معًا أو حدوثها في آن واحد ما يثير أسئلة عديدة تتراوح بين القول إنها حدثت، لأن الظروف نضجت لتجعل حدوثها أمرًا ممكنًا وحتميًّا، بل طبيعيًّا، وبين نظريّة المؤامرة التي تنصّ على أنّ الأحداث السياسيّة والدوليّة لا تحدث في فراع، وأنّ حدثًا واحدًا يمكنه أن يؤثر سلبًا أو إيجابًا على حدث آخر، أو أن يتسبّب بحدوثه، أو يُعَجِّل بذلك بشكل طبيعيّ، أو لغاية في نفس يعقوب، وثانيهما أنّ الأحداث الأخيرة تعيد إلى الساحة السياسيّة الدوليّة النقاش بين اتباع نظريتين تعتمد الأولى أسلوب المعادلة الصفريّة تجاه الآخر، ويعني ذلك أن يرتبط مكسبك بالضرورة بخسارة الطرف الآخر، والأسوأ حين يعتقد صاحب ذلك النهج  الإقصائيّ أنّ ذلك لا بدّ أن يكون مكسبًا كاملًا مقابل خسارة كاملة، وهذا يشبه حالة السارق والمسروق منه، فمقدار ما يكسبه السارق مساوٍ تمامًا لما يخسره المسروق منه، والثانية هي المعادلة غير الصفريّة التي تتيح للأطراف الربح في حالة مغايرة للمعادلة الصفريّة هي حالة التوازن بين الأطراف، وهي سبب رئيس في تحقيق الاستقرار في مجتمع من المجتمعات.
الفارق بين التوجهين ليس لفظيًّا فقط، بل إنّه جوهريّ فالأوّل يعني أن يكون موقف طرف ما القول الفصل، بل بداية السطر ونهايته، فأمّا الكلّ، أو لا شيء، حتى لو كان ذلك يعني الخسارة.
أمّا التوجّه الثاني فإنه يعتمد على توجّه المنطق السياسيّ وحسابات الربح والخسارة، والفارق بين المنشود والموجود. وهذا صحيح في كافّة الأحداث سابقة الذكر، أوّلها مفاوضات إيران النوويّة في فيينا، إذ أعلنت مصادر أوروبيّة أنّ المحادثات دخلت مرحلة حاسمة فيما تحدثت طهران عن تقدّم لافت في المفاوضات، بينما أشار المتحدّث باسم الخارجيّة الإيرانيّة سعيد خطيب زاده إلى إحراز تقدّم وصفه بالحيويّ في مفاوضات فيينا بشأن إحياء الاتفاق النوويّ.
وفي المقابل شدّد زاده على مطالب طهران برفع جميع العقوبات الدوليّة عنها ( وفق المعادلة الصفريّة)، والاستجابة لطلب 250 من أعضاء البرلمان  الإيرانيّ على أنّه يتعيّن على الولايات المتحدة والأطراف الأوروبيّة في الاتفاق تقديم ضمانات بعدم الانسحاب من الاتفاق بعد إحياء العمل به، وبعدم تفعيل آليّة لإعادة فرض العقوبات على طهران كما اتهم متحدّث الخارجيّة الإيرانيّة إسرائيل بالسعي لعرقلة المباحثات النوويّة الجارية في فيينا، وهذا ما سنعود إليه، بينما ترفض إدارة جو بايدن رفع العقوبات كلّها، وترفض التعهّد بعدم استئنافها، وترفض إعادة المبالغ التي اقتطعتها  الولايات المتحدة من إيران، وتوافق على أن تستعيد إيران 7 مليارات دولار من الأُصول المجمّدة في البنوك الكوريّة الجنوبيّة، وتصرّ على إبقاء النسبة الأعلى لتخصيب اليورانيوم من قبل إيران على نسبة 6% ( مقابل 60% اليوم )، فيما أكّد مندوب روسيا لدى المنظّمات الدوليّة في فيينا ميخائيل أوليانوف، أنّ المفاوضات ستشهد عودة كاملة للاتفاق النوويّ الأصليّ مع تعديلات طفيفة، في تصريحات ثلاثة تعكس التوجهين السابقين، أسلوب المعادلة الصفريّة لدى ايران إبراهيم رئيسي ( السلاح النوويّ ودعم حزب الله والتدخل في سوريا ودعم الحوثيين في اليمن ) وروسيا فلاديمير بوتين تمامًا كسياستها تجاه أوكرانيا وانضمامها إلى حلف شمال الأطلسيّ، ومعادلة التوازن في سياسات أمريكا بايدن بخلاف سياسة سلفه دونالد ترامب الإقصائيّة.

" محطة استراتيجية "
في هذا السياق، تندرج زيارة رئيس حكومة إسرائيل لمملكة البحرين، التي تعتبرها اسرائيل، أُسوة بالإمارات التي زارها بينيت والرئيس الاسرائيليّ يتسحاق هرتسوغ، محطّة استراتيجيّة للتصدّي للنفوذ الإقليميّ لعدوها الأكبر إيران، وضمنه أيضًا جاءت زيارة وزير الدفاع الإسرائيليّ بيني غانتس للبحرين في أوائل شباط فبراير الحاليّ، لتوقيع اتفاقية دفاعيّة مع المملكة الصغيرة إذ يتمركز الأسطول الخامس الأمريكيّ، على بعد بضع مئات قليلة من الكيلومترات البحرية تعبرها مئات ناقلات النفط يوميًّا، وهو ما عكسته تصريحات نفتالي بينيت من أنّ المحادثات بين إيران والقوى العظمى حول العودة للاتفاق النوويّ أصبحت متقدّمة جدًّا، وأنّه يمكن أن نرى اتفاقًا قريبًا، وأنّ الاتفاق الجديد المتبلور سيكون أقصر وأضعف من الاتفاق السابق. وقوله أنّه إذا وقّع العالم على الاتفاق مرّة أخرى، بدون تمديد تاريخ انتهاء الصلاحيّة (2025).
نفتالي بينيت وأكثر منه بيني غانتس ومعهما يائير لبيد يمثّلون اليوم في الشأن الإيرانيّ خاصّة والشأن الفلسطينيّ أيضًا بما فيه قضية الشيخ جراح، توجّهًا يبتعد عن المعادلة الصفريّة التي انتهجها بنيامين نتنياهو إزاء النوويّ الإيرانيّ، والتي استطاع فرضها على إدارة ترامب، فثلاثتهم يدركون أنّ الجهود للتأثير على الاتفاق النوويّ فشلت، ولا توجد طريقة للفرض بأن يتمّ عرضه أمام مجلس النواب الأمريكيّ، وذلك لأنّ إسرائيل امتنعت حتى الآن من مواجهة الولايات المتحدة بموضوع المباحثات النوويّة في فيينا، تمامًا كما  فشلت الاستراتيجيّة المعاكسة في مواجهة الولايات المتحدة في المرة السابقة أيضًا، وأنّ الاتفاق يتعامل مع قضايا من العام 2015، بينما إيران تقدّمت كثيرًا في مجال تخصيب اليورانيوم، وأنّ إيران لن تضطرّ إلى تدمير أجهزة طرد مركزيّ متطوّرة وسريعة تراكمت لديها، وستقوم بتخزينها جانبًا.
إضافة لذلك، سيتم إعطاء الحقّ لإيران بتحديد إن خالف الشركاء الآخرين الاتفاق، وهذا سيتيح لها إمكانيّة الانسحاب من الاتفاقيّة، إضافة لذلك، فإنّ تاريخ انتهاء الاتفاقيّة سيكون بعد 8 سنوات، أي في عام 2030، فإسرائيل فهمت أنّ  الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبيّة سيتمّ وفق ما ترتأيه الأطراف التي يبدو أنّها كلّها تريد التوصل إلى اتفاق، وأن إسرائيل ليست الطرف الذي سيحدّد وجود اتفاق من عدمه، وأنّه بإمكانها فقط أو في أحسن الأحوال، التأثير عبر اللوبيّ اليهوديّ في واشنطن على شروطه وتفاصيله، وبالتالي عليها وفقًا لهذه المعادلة أن تبحث عن بدائل، منها السعي للحصول على حريّة عمل كاملة من الولايات المتحدة، بهدف مواصلة العمل في المجالات التي لا يغطيها الاتّفاق، من بين هذه المجالات، النشاطات التي من الممكن أن تحوّل الموادّ إلى قنبلة ومجال الصواريخ البالستيّة، كما أنّ إسرائيل تطمح للحصول على حريّة لتنفيذ أنشطة سريّة في المجالات التي يدور عنها الحديث، إضافة إلى توقيع إسرائيل مذكّرة تفاهم حول تطوير التعاون في مجال الاستخبارات والتفاعل في المجالين العسكريّ والصناعيّ مع المنامة، وليس مع أبو ظبي، العضو الأوّل في اتفاقات إبراهام.
وتثبيت وجود ملحق عسكريّ إسرائيليّ للعمل في البحرين، سيحافظ على خطّ الاتصال بين إسرائيل ومقرّ الأسطول الأمريكيّ الخامس المتمركز في المنامة، علمًا أنّ زيارات السياسيّين الإسرائيليّين تزامنت مع أكبر تدريبات بحريّة في الشرق الأوسط أجرتها القيادة المركزيّة الأمريكيّة في البحر الأحمر وبحر العرب، والخليج العربيّ – تسميه إيران الخليج الفارسيّ- وخليج عمان، وكذلك الجزء الشماليّ من المحيط الهنديّ، شارك فيها 9000 جنديّ وحوالى 50 سفينة من أكثر من 60 دولة، من بينها إسرائيل والإمارات العربيّة المتحدة والمملكة العربيّة السعوديّة ومصر والأردن وعمان واليمن.
حتى وإن انكرت ذلك، فإنّ حكومة إسرائيل الحاليّة ربّما بحكم تركيبة ائتلافها متعدّد المواقف والتوجّهات، تدرك أنّ المعادلة الصفريّة ليست ممكنة في حالة الاتفاق النوويّ الإيرانيّ، وبالتالي عليها كقوة عسكريّة ملموسة في المنطقة، ولديها قدرات عملياتيّة لا مثيل لها، في الجو والبحر والبر، أن تهتمّ بتوسيع نطاق التعاون العسكريّ مع أصدقائها في المنطقة من أجل تعزيز الأمن والاستقرار. وإنّ أقصى ما يمكن  أن تصل إليه هو محاولة تخفيف الأضرار، وإبقاء قنوات الاتصال وكافة الخيارات مفتوحة أمامها من حيث التعامل مع الوضع ومواصلة " الحرب بين الحروب " مع إيران عبر مناوشات بحريّة وهجمات سيبرانيّة وتحالف إقليمي  يضمّ إسرائيل والدول الخليجيّة على قاسم مشترك هو اعتبار إيران قوة  تهدد إسرائيل وتريد ازالتها عن الوجود، ودولة تثير القلاقل في دول الخليج خاصّة البحرين صاحبة الأغلبيّة الشيعيّة.

" حق مشروع "
مقابل ذلك، تجيء توجّهات إيران التي تعتبر تطوير السلاح النوويّ حقًّا مشروعًا لها، وتعتبر تصدير التوجّهات الشيعيّة وولاية الفقيه إلى دول في الشرق الأوسط وخاصّة تلك المجاورة لإسرائيل، جزءًا لا يتجزّأ من كيانها ومن دورها ترفض التنازل عنه، حتى لو كلّفها ذلك عقوبات اقتصاديّة، ومنع لتصدير النفط وهجمات سيبرانيّة وعسكريّة بحريّة وبريّة. وهو توجّه يحمل في طيّاته إمكانيّات خسارة كافّة الأوراق كما حدث إبّان عهد دونالد ترامب،  أو تحقيق الإنجازات (الاتفاق النوويّ المرتقب)، وهو اتفاق كان سببه أو المحرّك الأساسيّ له، موقف روسيا من الأزمة الأوكرانيّة، والذي يعتبر ضمّها إلى الحلف الأطلسيّ خطًّا أحمر ومبرّرًا ربّما لحرب محدودة، أو غير محدودة، انطلاقًا من إيمان بوتين والكثير من الروسيّين، بادئ ذي بدء، أنّ الروسيّين والأوكرانييّن شعب واحد، "أممّ شقيقة"، إذ تسمى مجموعة منهم "الروس الكِبار"، والمجموعة الأخرى "الروس الصغار"، وبالطبع فإنّ المجموعة الثانية تشير إلى الأوكرانيّين.
والأمر نفسه ينطبق على بيلاروسيا، إذ إنّ اسمها مشتق من روسيا ويعني "الروس البيض". فعندما تحوّلت روسيا إلى القيصريّة في عام 1547، كان اللقب الرسميّ المخصّص للقيصر الروسي هو "قيصر كلّ الأمم الروسيّة"، وانطلاقًا من وجهة نظر قصر الرئاسة الروسيّ (الكرملين)، فأنّ أوكرانيا تعدّ منطقة عازلة بين روسيا وأوروبا، وبصورة خاصّة مجموعة دول أوروبا الشرقيّة السابقة، التي انضمت الآن إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ما قلته سابقًا يعني أنّ النهج الأمريكيّ الجديد، وهو البعيد عن المعادلة الصفريّة، يحتّم على الولايات المتحدة البحث عن بدائل لمواجهة التزمّت الروسيّ، ووضع حدّ لأطماع روسيا، منها  التقرّب من الصين ورصّ الصفوف مع دول حلف شمال الأطلسيّ والابتعاد عن سياسة الصدام التي انتهجها ترامب معهم، وبالتالي كانت بالتنسيق معهم مستعدة "لحلّ وسط" في أوكرانيا يضمن ربّما تأجيل انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسيّ، وحاولت الوصول إلى ذلك عبر تحذيرات متتالية من أخطار الحرب والخسائر التي ستمنى بها جميع الأطراف إذا ما اندلعت هذه الحرب، ما يعني عدم استبعاد كون التوصل إلى اتفاق نوويّ جديد مع إيران يشكّل ردًّا امريكيًا على تعنّت روسيا إزاء أوكرانيا ومحاولة لتوجيه رسالة إلى فلاديمير بوتين، الذي اعتبر تفكك الاتحاد السوفييتي " كابوسًا ولحطة عصيبة في حياته " فأقسم أن يعمل على استعادة هيمنة روسيا لتضاهي هيمنة الاتحاد السوفييتّي قبل تفكّكه، ليتعلّم الجميع درسًا ملخّصه أنّ عليهم أخذ مواقف روسيا على محمل الجدّ، وأنّها ترفض البقاء خارج الصورة السياسيّة والاقتصاديّة الدوليّة والعسكرية، مفادها أنّه لا مجال لسياسة المعادلة الصفريّة التي تتعلّق بالاتفاق النوويّ، وملخّصها أن  تحاول روسيا تشجيع إيران على مواصلة تزمّتها وتعنّتها، وذلك عبر اتفاقيّات عسكريّة واقتصاديّة وتكنولوجيّة واستيراد للنفط الإيرانيّ خلافًا للعقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة المفروضة على طهران، وأنّه لا مجال في السياسة الدوليّة اليوم " للمعادلة الصفريّة " تجاه أوكرانيا وسياسة تكسير العظام إزاء كييف، وأنّ أمريكا لن تقبل بأن تخسر على جبهتين مقابل روسيا، الأولى في أوكرانيا، والثانية الاتفاق النوويّ الإيرانيّ الذي جاء بعد جولات من المفاوضات كانت فيها المواقف الروسيّة المباشرة والتصرّفات غير المباشرة أشدّ تزمّتًا من مواقف إيران نفسها.

" البحث عن بدائل "
والأمر صحيح بالنسبة لدول الخليج التي تنازلت عن "المعادلة الصفريّة"، التي انتهجتها من إيران، والتي انعكست في مقاطعتها ورفض التعامل معها، بل والتهديد بشنّ حرب عليها كما جاء على لسان مسؤولين سعوديّين أكثر من مرّة  ومحاربة أعوانها ومن تدعمهم في اليمن، وفرض العقوبات على حزب الله، ومقاطعة من يقيم علاقات معها كقطر مثلًا، وهي معادلة تمّ استبدالها بمعادلة التوازن في العلاقات الدبلوماسيّة المتبادلة عبر تطبيق مبتكر لعبارة " الربح للجميع لا يعني الخسارة"، أي إقامة علاقات اقتصاديّة، معها والعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسيّة بين طهران والرياض، أمّا إسرائيل فأدركت أنّ منع إيران من حيازة الأسلحة النوويّة غاية لا تُدرَك، وأنّ إدارة بايدن لا تستلم الأوامر من تل أبيب. ولذلك، عليها البحث عن البدائل وعدم القبول بمبدأ " إمّا الربح الكامل أو الخسارة الكاملة "، فالاتفاق لا يمنعها من عقد التحالفات مع دول الخليج، ولا يمنعها من مواصلة هجماتها السيبرانيّة، أو نشاطاتها ضدّ إيران بهدف منعها من تخصيب اليورانيوم إلى درجة تمكّنها من صناعة قنبلة نوويّة، أو صياغة تحالفات مع دول الخليج تثير أسئلة عديدة أهمّها ما إذا كانت تعني تغييرًا في فهم إسرائيل لأحداث الشرق الأوسط، وما اذا كانت القيادة في إسرائيل تستوعب التغيير الذي تشهده المنطقة، وتعتبره بداية عهد جديد أم أنّ موقفها لم يتغيّر، وما زال يعكس قول رئيس الوزراء الأسبق من الليكود إسحق شمير :" العرب هم نفس العرب والبحر هو نفس البحر"، وأنّ الزيارات الحاليّة والاتفاقيّات التي تليها لا تتعدّى كونها تطبيقًا للقول " عدو عدوي صديقي"، وهو تعبير آخر عن المعادلة الصفريّة التي تعتبر التحالف مع البحرين خسارة كبيرة لإيران، وليس مكسبًا لإسرائيل والبحرين وشعوب المنطقة، وهو ما سمعه نفتالي بينيت خلال لقائه مجموعة من الشبان البحرينيّين الذين وجهوا له أسئلة حول القيادة والتكنولوجيا والسايبر والكورونا، في إشارة إلى أنّهم يعتبرون الاتفاقيّات مع اسرائيل " مكسبًا لبلادهم ولإسرائيل "، وليس مجرد خسارة لإيران، وهو ما أشارت إليه حفاوة الاستقبال التي قوبل بها بينيت في البحرين، إذ التقى الملك حمد بن عيسى آل خليفة وولي العهد سلمان بن حمد، واللقاءات الصحفيّة التي انفرد بها مع صحيفة " الأيام " البحرينيّة تزامنًا مع اللقاءات التي أجراها وزير الخارجيّة البحرينيّ عبد اللطيف الزياني مع الصحافيّين الاسرائيليّين.
ما يحدث مؤخّرًا يؤكّد أنّ اعتماد سياسة المعادلات الصفريّة هو عمىً سياسيّ وخطأ كبير، وهو ما أثبته التاريخ والأحداث المتعلّقة بعلاقات الدول وبالنزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، فالأزمات الدوليّة لا تُحل بمبدأ " الكلّ أو لا شيء"، أو باعتبار ربح طرف ما لا يتحقّق إلا بخسارة الآخر كلّ شيء ، بل بالإدراك بأنّ الحلّ يمكن أن يشكّل إنجازًا للجميع وتحقيقًا لمصالح الأطراف، وإن لم يكن كلّها، فالمصالح هي ما يحكم السياسة، فإسرائيل التي تتقرّب اليوم لدول الخليج التي ابتعدت عن دعم الفلسطينيّين، واستضافت بداية انطلاق صفقة القرن عبر ورشة المنامة، إضافة إلى التقارب نكاية بإيران هي نفسها إسرائيل التي تقرّبت من إيران حتى الثورة الخمينيّة نكاية بدول الخليج  التي كانت داعمة للمواقف العربيّة والفلسطينيّة حتى حظرت النفط عن أميركا والعالم وإسرائيل بشكل غير مباشر، وأميركا التي تتقارب اليوم للصين نكاية بروسيا بوتين، بل عقابًا لروسيا بوتين بقضية أوكرانيا هي نفسها أمريكا (برئاسة ترامب) التي تعاونت مع روسيا بوتين، بل وأكثر من ذلك، شنّت الحرب الاقتصاديّة على الصين وفرضت عليها جمارك بمئات مليارات الدولارات .
هكذا هي لعبة أو سياسة المصالح الدوليّة تتغير وتتبدّل، وتشمل أحيانًا التضحية بحليف أو صديق، أو بمن كان حليفًا وصديقًا، أو استبدال الأصدقاء والأعداء، ما دام ذلك يخدم المصلحة.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان:
bassam@panet.co.il.