الرئيس التونسي قيس سعيد - (Photo by Olivier Matthys/Getty Images)
الديمقراطية الوليدة في بلاده إلى هاوية الاضطرابات.
ينفي قيس سعيد، أستاذ القانون السابق، اتهامات منتقديه بأن له تطلعات دكتاتورية ويتعهد بضمان حقوق التونسيين والحفاظ عليها.
لكن، بعد ستة أشهر فقط من إقالة رئيس الوزراء وتعليق عمل البرلمان وتجميع السلطة التنفيذية في يديه في خطوات وصفها خصومه بأنها انقلاب، يبدو أن خارطة الطريق المعلنة للخروج من الأزمة أصبحت قيد التنفيذ.
بالنسبة لبعض التونسيين ما زالت الأسئلة الحائرة تبحث عن إجابات. هل سيتحول سعيد في النهاية إلى بطل شعبوي، أم ديكتاتور يهدم محراب الديمقراطية، أم رئيس يسقط حكمه تحت ركام اقتصاد منهار.
يُنظر إلى تونس على أنها قصة النجاح الوحيدة في انتفاضات الربيع العربي عام 2011، لكنها تواجه رياح أزمة مالية عاتية تلوح نذرها في الأفق.
وتواجه تونس أيضا إصلاحات وشيكة مؤلمة لكنها ضرورية لضمان الحصول على المساعدات الدولية، وسط مخاوف من تفجر اضطرابات اجتماعية.
قال إتش أيه هيلر الباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن سعيد قرر على ما يبدو أنه يمثل "إجماع الناخبين التونسيين، وأن عليه التحرك بقوة وبلا هوادة لدفع تونس للأمام".
قيس سعيد في عيون داعميه، رجل نزيه أطاح بالنخبة السياسية الفاسدة، وأعاد البريق والوهج لثورة 2011 التي أنهت حكم زين العابدين بن علي. ويعتبرون أيضا أن خطواته ضرورة لا غنى عنها.
بدأ سعيد، ذو المظهر الوقور الذي يتحدث مستخدما اللغة العربية الفصحى بأسلوب رسمي للغاية، مشاورات عبر الإنترنت لكتابة دستور جديد، يعتزم طرحه للاستفتاء في يونيو حزيران.
* إحباط اقتصادي
يقول منتقدو سعيد من مختلف طبقات الطيف السياسي والمجتمع المدني، إنه يفتقر إلى الخبرة، ويميل للانعزال ولا يميل للحلول الوسط، ويعربون عن مخاوف من أن يتحول إلى دكتاتور عندما يتحول الإحباط الاقتصادي إلى وقود للمعارضة.
لكن سعيد البالغ من العمر 63 عاما يقول إنه يريد أن يقود التونسيين على مسار سياسي مستنير بعيدا عن الفساد، وإن أساس المشاكل هو دستور 2014 الحالي. ويقول محللون إنه يسعى لتغييره من أجل تركيز السلطة في قبضة الرئاسة.
وقال في ديسمبر إن "الطريق صارت واضحة وهي العودة إلى الشعب بطريقة جديدة ومختلفة تماما، ولا بد من حل قانوني يستند إلى إرادة الشعب وسيادته".
يتناقض نهج سعيد البعيد عن المرونة مع سلوكه في الأيام المضطربة أثناء انتفاضة 2011، عندما كان يتجول ليلا في الشوارع الضيقة بمنطقة القصبة والشوارع الكبرى بوسط العاصمة
يسأل المتظاهرين عن مطالبهم.
لمع نجم سعيد بعد الثورة من خلال الظهور في برامج وسائل الإعلام للحديث عن الدستور.ارتقى سعيد إلى كرسي الرئاسة بعد الفوز الساحق في الجولة الثانية من انتخابات 2019 التي دخلها بصورة المحارب ضد الفساد، وبأسلوب رسمي صارم يتناقض بشكل صارخ مع باقي النخبة السياسية في البلاد.
كان مقر حملته الانتخابية انعكاسا لنهج التقشف. فهو عبارة عن شقة صغيرة في الطابق العلوي من مبنى قديم بلا مصعد، بنوافذ مكسورة وقشور في طلائه وبلا أي تجهيزات سوى تلفزيون صغير وبعض المقاعد البلاستيكية.
حصل سعيد على دعم اليساريين، رغم سياساته الراديكالية المحافظة اجتماعيا. ويبدو أن آراءه الاجتماعية المؤيدة لعقوبة الإعدام والمعارضة للمثلية الجنسية وللمساواة في الميراث بين الرجال والنساء أكسبته دعم الإسلاميين.
بمرور الوقت بعد انتخابه، بدأت تظهر عليه علامات نفاد الصبر إزاء السياسات الفوضوية للبرلمان وسلسلة متعاقبة من الائتلافات الحاكمة. يشير تزايد المظاهرات إلى أنه فقد منذ ذلك الوقت بعضا من الدعم الواضح والتأييد الذي ناله في الأشهر الأولى له في السلطة.
قال أندرياس كريج الأستاذ المساعد في كلية كينجز كوليدج للأمن بلندن "يبدو أنه في طريقه لتأسيس نظام رئاسي يشرف على مؤسسات ديمقراطية اعتراها الضعف مثل البرلمان".
* ديمقراطية الأفراد
تواصل تونس محادثات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إنقاذ يقوم على إصلاحات اقتصادية مؤلمة. كانت المفاوضات تعثرت في يوليو تموز عندما قام سعيد بتجميع السلطات في يديه، لكنها استؤنفت بعد أن وضع خططا لإجراء استفتاء وانتخابات برلمانية هذا العام.
قال جليل حرشاوي من المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، إن أشد المهام صعوبة بالنسبة للرئيس التونسي قد تكون ضمان استيراد الأدوية والغذاء والوقود والمواد الخام التي يحتاجها السكان يوميا.
لكن حرشاوي أضاف أن سعيد اتجه إلى شيطنة خصومه بدلا من معالجة التحديات الاقتصادية، على أمل أن يكون ذلك مقدمة تفضي في نهاية المطاف إلى حل لمأزق الاقتصاد الكلي في تونس.
يبدي سعيد احتقارا للسياسة الحزبية ولبرلمان منتخب بشكل مباشر، وهو شيء يريد لتونس أن تتخلى عنه تماما لصالح "ديمقراطية الأفراد".
وكان قد دافع في السابق عن مجالس محلية تُنتخب على أساس الشخصيات وليس الأحزاب، على أن يختار الممثلون في المجالس المحلية بدورهم ممثلين على مستوى المناطق، والذين يختارون ممثلين على مستوى البلاد.
فهل تتمخض العملية الدستورية التي أطلقها عن شيء على غرار هذا النظام، وهل يترتب على ذلك اختلاف كبير فيما يتعلق بالمشاكل الاقتصادية التي تُثير غضب التونسيين؟ تبقى الإجابة في رحم المجهول.